مواضيع للحوار

مهرجان ألوان لمسرح الشارع بابن جرير الدورة الخامسة

مهرجان ألوان لمسرح الشارع بابن جرير الدورة الخامسة

374 مشاهدة

مهرجان ألوان لمسرح الشارع بابن جرير الدورة الخامسة

#الفضاءات المفتوحه  ما بين #المسرحه والخصوصيه ...

بقلم / #حسام _الدين _مسعد

 منذ ان خرج ثيثبس بعربته الي الهواء الطلق ليشخص بعض المقاطع من الاساطير الأغريقيه في الساحات والشوارع وقبل ظهور العمارة المسرحيه بل وقبل نشأة المسرحيه كشكل أدب. والإنسان القديم لا يعرف مكان للعرض المسرحي سوي المكان المفتوح في الهواء الطلق الذي يتمثل في الشارع والحدائق العامة والساحات والاسواق  حتي حين ظهر المسرح ( المدرج ) كانت عروضه تقدم في الهواء الطلق الي أن اصبح العرض المسرحي يتم نسبته الي مكان العرض فيشغف اذاننا مسميات عديده للمسرح  ( البيئي والمفتوح والصحراء ومسرح الشمس ومسرح الشارع .....) وغيرها من المسميات التي جميعها تصب في مسرحة المكان او الفضاء المادي الطارئ

إن الخروج بالعرض المسرحي خارج المكان المخصص للعرض المسرحي ( العمارة المسرحية )او بالأحرى الخروج إلي فضاء مادي طارئ ومغاير وغير تقليدي يخلق غربة للمكان على طبيعة العرض المسرحي التقليدي من حيث وضع المؤدي ومن ثم وضع المتلقي وهو يشاهد العرض وكيف أن هذه الغربة تحفز المتلقي من خلال وضعيته الجديدة خارج العمارة المسرحية وكيف تمنح هذا المتلقي إحساس مغاير لوضعه وهو يشاهد عرض مسرحي علي مقعد داخل قاعة مخصصه للعرض المسرحي.

فلا تختلف العروض المسرحية التي تخرج لتقديم نصوص مسرحيه جاهزة في الهواء الطلق و الفضاءات المفتوحة مع نظيرتها التي تقدم علي العلبة الإيطالية طالما انها قدمت علي خشبة تشبه العلبة الإيطالية داخل حديقة او في شارع او مبني اثري او صحراء  .....او .... واتخذت مساحة الفرجة والتمثيل نفس شكليهما تقريبا في عروض العلبة الإيطالية.

لكن السؤال الذي يثور الآن هو لماذا خرج المسرح الي الأماكن المفتوحة والهواء الطلق؟

الإجابة هي  ذات السبب الذي جعل ثيثبس يمثل علي عربته في الساحات والشوارع باحثا عن الضلع الثالث والمتمم للعناصر الأساسية للعرض المسرحي آلا وهو الجمهور. وإن كان الجمهور هو مبغي صناع اي عرض مسرحي يقدم خارج العمارة المسرحية فإن الذهاب الي فضاء هذا الجمهور يستلزم مراعاة الخصوصية التي يفرضها المكان (حديقه – ساحه - -شارع -  صحراء - مكان اثري .........) وهنا يثور السؤال ماهو المكان المفتوح ؟

  المكان المفتوح:

هو اي مكان خارج العمارة المسرحية والذي لا يخرج عن كونه مكان بكر جرى مسرحته وليس له علاقة بوظيفة العرض المسرحي أصلا اي ان المكان المفتوح  له خصوصية تنبع من

 1- طابعه المعماري وإنفلاته الجغرافي

2- طابعه الاجتماعي وقضايا الناس اليومية .

وهذه الخصوصية خلقت غربه للمكان علي طبيعة العرض المسرحي التقليدي من حيث وضع المؤدي ومن ثم وضع المتلقي وهو يشاهد العرض وكيف تحفز المؤدي من خلال وضعيته الجديدة خارج العمارة المسرحية  وكيف تمنح المتلقي إحساس مغاير لوضعه وهو يشاهد عرض مسرحي علي مقعد داخل العمارة المسرحية

والخصوصية التي نقصدها والنابعة من الطبيعة الطارئة للمكان  لأن الفضاء غير المسرحي هو فضاء طارئ تتم مسرحته أثناء العرض وتزول بعد انتهاء العرض ويعود  الي طبيعته المكانية التي كان عليها قبل العرض. .

ومن ثم وجب علينا تعريف المكان الممسرح في عروض المسارح المفتوحة

فالمكان الممسرح هو « ذلك الحيز أو الفضاء المادي الطارئ المشغول من خلال وجود المؤديين وعلاقاتهم بالجمهور او المتلقيين »

وحيث إن طبيعة المكان الغير ثابته  تخلق تلقائيا جوا من التحفيز ينطلق من حيوية المكان المفتوح ومسرحه الذي يتبني شعار استخدام كل المساحة المتاحة جغرافيا ودون تقسيم بين منطقة الأداء ومنطقة التلقي التي تذوب في عروض مسرح الشارع علي سبيل المثال

فإن وضع المتلقي في عروض مسرح الشارع ذلك المكان المحايد خلق تحديا أمام صناع مسرح الشارع ينبغي بحثه جيدا قبل الشروع في تنفيذ عروض مسرح الشارع وكيف تمنحه إحساس مغاير لوضعه وهو يشاهد عرض مسرحي في قاعة مسرحية. مما يعني الزج بهذا المتلقي داخل رقعة الحركة والتمثيل من أجل إخضاعه لتجربة مغايره بها نوع من الصعوبة والمتعة وإحساس التشاركية التي يجد المتلقي نفسه جزء من نسيج العرض.

إن هذه التشاركية هي امتزاج كل عناصر المسرح في منطقة فضائية واحده هي فضاء الشارع الذي يدخل في حالة صيرورة الاندماج الذاتي مع عناصره مكونا سينوغرافيا طبيعية قائمة بذاتها. ولذا فالخيال الذي يخلقه او يصنعه الممثل في مسرح الشارع يتحول تلقائيا الي مدرك حسي بطبيعة المكان وحدوده الجغرافية والزمانية

إن إدراك المتلقي لخصوصية  المكان عامة يحدث التحول في ذهنيته من مجرد تصور اللعبة التشخيصية التي تحدث امامه الي وعي بأن ما يشاهده حقيقه ومن هنا يصبح المكان  الممسرح في الشارع والذي ليس وظيفته الأصلية العرض المسرحي مكان يعتمد التجسيد الخيالي من خلال التوظيف الأشاري لهذا المكان الفارغ العشوائي

إن التعارض بين العرض والمكان عادة ما يؤدي الي تحييد تأثير العرض ذلك ان قابلية تحول المكان الي مكان ممسرح تتسق مع الرسالة والموضوع الذي يكرسه المكان في اسلوبه

فإذا تم طرح مشكلة وضع المقاعد علي الأرصفة خارج المقهى وكيف تؤثر علي حركة المارة علي الرصيف  وتعرضهم للخطر اثناء سيرهم في الشارع فإن الرسالة التي يطرحها هذا المكان العارض بوضعه المقاعد علي الأرصفة هي رسالة دعائية لجذب المارة ليكونوا من رواد المقهى لكن الرسالة الأصلية هي رسالة الشارع الذي يصبح الرصيف فيه ملاذ لكل المارة  فإذا كان العرض المقدم في المقهى متفق مع موضوعه ومتسقا في اسلوبه مع النظام الذي يكرسه المكان ( رصيف الشارع ) ازدادت قوة تأثير العرض.

إن الممثلين في مسرح الشارع عليهم ان يجذبوا المشاهدين وإن يكونوا حيز العرض ولذا فإن المكان في الشارع اصبح بعد مسرحته مكان مادي مشغول بالمؤدين والمتلقيين واكتسب صفة الفضاء المسرحي الذي يشترط لتحقق هذه المسرحة هو حركة الممثل فيه ووجود الجمهور داخل حيزه معتمدا علي نمط عشوائيته او شكل تكوينه الطبيعي او المعماري ولذا فإن فضاء الشارع الممسرح هو فضاء محدد وسينوجرافيته سوف تشمل منطقتين هما منطقة الأداء ومنطقة التلقي اللتين تذوبيين في لحظة تتمحور حول أبعاد قيميه وإنسانيه

 فالمكان في مسرح الشارع لايعطي المتلقي احساس انه يشاهد عرض او لعبا متأثر بالفضاء التخيلي او الوهمي ويرجع ذلك لأن عروض الشارع لا يستخدم فيها الإضاءة المسرحية وعادة ما تعرض نهارا فتنتفي الفضاءات الوهمية والنفسية والتخيلية حتي لو تم استخدام الإضاءة المسرحية فإن الفضاء في مسرح الشارع اصبح وحدة واحده مندمجة لعدم الفصل بين المتلقي وممثل مسرح الشارع

ان العشوائية الجغرافية تبقي علي حالها في شكل ومحتوي المكان المختار للعرض وبالتالي فطاقة الممثل تتناسب طرديا وتلك العشوائية فطاقة الممثل في عروض مسرح الشارع كمكان ممسرح بعشوائيتة الجغرافية قد يعطيه الانفلات في الارتجال وقد يدفع الممثل الي التمرد والمشاكسة علي الارتجال والذي يعني فن الخلق في لحظة التنفيذ وهذا الانفلات الارتجالي نابع من هواجس صناع مسرح الشارع القائمة علي إمكانية توليد علامات متدفقه فالمكان في مسرح الشارع غايته توليد إشارات مسرحيه بلا حدود لتدل علي معاني متناهية ناتجه عن التشكيل في المكان او الفضاء او حيز الشارع .

وهذا التشكيل في مساحة المكان لا يهتم بالمساحة من الناحية النظرية بل يهتم لكونها اصبحت أداة تميز لنشوء علاقة بين الممثل والمتلقي لا تتحقق إلا بالتركيز الذي لن يتأتى إلا إذا توحدت الرؤية في ظل ظروف موضوعيه بين المساحة والأداء.

ولذا فإن طبيعة الأداء في الشارع تكون ذات خلق وارتباط المبدع بالمكان ذاته

فالمكان في مسرح الشارع يشكل العرض ويشكل طبيعة الأداء وبالتالي فإن المكان في مسرح الشارع يعتمد قيمة ما يقدم من شكل ومضمون للعرض وقيمة اداء الممثل لبلوغ الغايات الدلالية لعرض مسرح الشارع

لذا فإن المكان في مسرح الشارع هو المحفز الرئيس لصناع العرض الساعين دائما لأن يبلغ فنهم الي المهمشين والغير قادرين للذهاب إلي المسرح في مكانه التقليدي الثابت داخل العمارة المسرحية .ولأن المكان في الشارع يكتسب جماليته من كونه فضاء صاخب ومنفلت تتحرك فيه الدلالات بسهولة ويسر ولأن هذا المكان هو في الأصل فضاء للمتلقي الذي تتم مناقشة قضاياه اليومية فيه عقب دراسات ديموجرافية وسيسيولوجية وسيكولوجيه هي بمثابة المدخل الأول والمكون لروابط العلاقة الثنائية التي ستنشأ بين المتلقي وممثل مسرح الشارع .

لذا إن مسرحة المكان في الهواء الطلق او في الفضاءات المفتوحة تتطلب مراعاة خصوصية المكان ومناقشة قضايا تتسق وديموجرافية المكان  والأثر التاريخي والسيسيولوجي له في نفس المتلقي .

وعلي سبيل المثال إذا انتقل العرض الي الباديه فإن مراعاة الطبيعة المكانية وتوظيف الطبيعة الجغرافية والمفردات البيئية في تكوين سينوجرافيا العرض لهو امر جمالي يضاف الي جماليات العرض وينتج الأثر التفاعلي مع المتلقي الذي يبحث في بلوغ الغايات الدلالية من العرض وفلسفة ووظيفة نقل مثل هذا العرض من مكان مخصص للعرض المسرحي الي فضاء بكر تمت مسرحته وفق مراعاة خصوصية هذا الفضاء المادي الطارئ .

ويظل السؤال عالق وحائر لماذا ننتقل بالعرض المسرحي الي الصحراء إن لم تكن هناك ضرورة سينوغرافيه ؟

اي أننا نوظف المنظر الطبيعي البيئي لخدمة العرض المسرحي

إن الباديه او الصحراء لا يسكنها الناس فالإنسان يفضل الإستئناس بواد ذي زرع اي ان انتقال العرض المسرحي للصحراء ليس بحثا عن الجمهور ولكنه لتوظيف البيئة لتخدم العرض المسرحي فليس من المنطقي ان يذهب عرض للصحراء وهو يناقش قضية العمال في المصانع الاوربية أو ان يناقش إضراب البحارة اليونانين عن العمل إلا ان كان توظيف هذا المفرد البيئي قضية اساسيه ترتبط وقضية العرض المطروح .فنص « الحسين ثائرا » يمكن عرضه في الصحراء واستخدام مفردات المكان من الخيام والخيول والجمال واستخدام الفضاء في تصوير معركة مفتوحه بين أنصار يزيد وأنصار الحسين كما يحدث في الطقس الشيعي المعروف ب(التشابيه ) .هكذا يكون الحال حين يخرج العرض المسرحي من قاعات العرض المخصصة له للعرض خارج العمارة المسرحية دون مراعاة الطبيعة المادية والمعمارية والجغرافية للمكان فإننا نفتقد حينها جماليات العرض وتفاعليته الإيجابية مع المتلقي .