أخبار أدبية

نص مسرحي  أزيز للكاتب المسرحي عمار نعمة جابر

نص مسرحي أزيز للكاتب المسرحي عمار نعمة جابر

807 مشاهدة

نص مسرحي  أزيز للكاتب المسرحي عمار نعمة جابر ...

تأليف الكاتب المسرحي: #عمار _نعمه _جابر

 

( الأول والثاني يهمسان لبعضهما )

الاول  : هيا تكلم ، لماذا لا تقول حوارك !

الثاني : أنا !

الاول : نعم انت ، ألا ترى أنه لا يوجد أحد غيرنا هنا ، تكلم .

الثاني : أتكلم ، ماذا تريدني أن أقول ؟

الاول : ماذا دهاك ، قل حوارك .

الثاني : أي حوار ، لا ادري ما لذي يجري هنا !

الاول : لا تقل لي أنك لا ترى اننا نقف على المسرح ، وأنك يجب ان تنطق حوارك حالا ، لان الجمهور يشاهدنا .

الثاني : نحن على المسرح ! ما لذي جاء بي الى هنا !

الاول : هيا تكلم بسرعة ، الجمهور ينظر الينا .

الثاني : ولكنني لا اعرف ما يجب أن اقول .

الاول : ماذا دهاك ! هيا تكلم بسرعة .

الثاني : يا سيدي أنا لا أعرف أصلا ، ما لذي جاء بي الى هنا ، أنا لا ادري كيف وصلت هنا !

الاول : هل جننت ، الا ترى ، نحن كلانا ، أنا وأنت ، نشترك في عرض مسرحي واحد، وقد بدأ الان !

الثاني : أقسم لك أنني لم أعرف ذلك الا منك الآن .

الاول : يا الهي ! من المؤكد أنك فقدت عقلك ، لا تقف هكذا قل أي شيء .

الثاني : افهمني ارجوك ، أنا فتحت عيني الان ، ووجدتك في وجهي ، لا اعرف من أنا ، ولا من أين جئت ،  فجأة وجدت نفسي هنا .

الاول : يجب عليك الان أن تبدأ العرض فورا ، الجمهور ينتظر .

الثاني : ، أنا لست على ما يرام يا سيدي ، أنا لا استوعب ما هو الموضوع الذي  حُشرت فيه هنا ، ومن حشرني ، ولماذا ؟

الاول : حاول فقط ان تملأ مكانك ، املأ المكان بالفعل ، افعل أي شيء يخطر في بالك . .

الثاني : أفعل ماذا ؟ لمّح لي فقط ، ضعني في صورة ما يجري هنا .

الاول : حسنا ، لقد فتحت الستارة قبل قليل ، إنها بداية الحكاية  .

الثاني : البداية ، حسنا ( يبدأ بالبكاء بصوت واطئ ، ثم يرفع صوته شيئا فشيئا ، حتى يصبح صراخا )

الاول : ( مع الجمهور ) النشيج الاول ، شهقتنا الاولى ، هل هي رفض المجيء ، أم الاحتجاج بصوت عال .. أم تراه حزنا ، لما سيجري لنا لاحقا !

( الثاني مرة يبكي مثل الطفل ، ومرة يبكي مثل شخص بالغ  )

الاول : كل شيء حولنا ، مبهم ، لا ندرك الاشياء ولا الاشخاص ، ولا الاحداث ..

( الثاني يزيد من حدة الصراخ )

الاول : لا ندرك اين يجري العرض ، لا مكانه ، ولا زمانه ، بل ولا نعرف حتى ماهية الجمهور من حولنا ، بشرا ، وحوشا ، حيوانات !

الثاني : ( يصمت ، يهمس مع الاول ) هل تقصد انك مثلي ، لا تعرف ما يجري !

الاول : ( يهمس مع الثاني ) لا تتوقف عن الحركة والايماءات ، واصل العرض ، لا يجب أن يهبط إيقاع عرضك المسرحي ( يلتصق بالثاني ) نعم ، أنا مثلك تماما .

( الأول والثاني ، يتحركان في المكان بحركة تعبيرية تشير الى مواصلتهم الحياة  )

الثاني : ( يهمس مع الأول ) ومتى جئت الى هنا ؟

الأول : جئت قبلك ببرهة فقط ، وأنا مثلك تماما ، لا اعرف ما لذي يحدث هنا .

الثاني : اذن ، لماذا تطلب مني أن اقول حواري ؟

الاول : وجدتنا كلينا نقف هنا ، على هذا المسرح ، فتوقعت أننا ممثلين في عرض مسرحي . وحين شاهدت الستارة ترتفع ، ورأيت الجمهور من حولنا ، عرفت فورا انه ينتظر أن نؤدي دورنا أمامه .

الثاني : ولماذا نحن بالذات !

الأول : صدقني ، لا أدري .

الثاني : ماذا يراد منا ، ما هو دورنا هنا ، على هذه الخشبة الخاوية ؟

الأول : لا أملك أدنى فكرة .

الثاني : حسنا ، ولكن ربما قد يحدث ، أن هذا الجمهور ، لا يفهم لغتنا ، ربما هو يتحدث لغة أخرى .

الاول : لا نملك خيارات اخرى في اللغة ، نحاول ان نقرب لهم الامر ، الفعل الذي نقوم به الآن ، ربما سيجعل صورة المشهد أوضح لديهم ، ويفهمون المغزى من وجودنا هنا .

الثاني : ربما يكون الجمهور من ثقافة تختلف ، أو من قارة بعيدة ، أو حتى من كوكب آخر ، سيدي ، ماذا لو كان الجمهور كائنات فضائية من مجرة أخرى ، أو كون مجاور ؟

الأول : لا شيء مؤكد في صالة الجمهور ، ولا حتى هنا على خشبة المسرح .

الثاني : ( لحظة صمت ) ولكن ! هذا أنا ، هنا ، الآن . وهذا أنت ، هنا ، الآن ، هذا هو الشيء الوحيد المؤكد الآن .

الأول : ( لحظة صمت ) ومن نحن ، ما ماضينا ، ما حاضرنا . مجرد كائنات لا محددة ، وجدنا أنفسنا وجها لوجه مع بعضنا ، ومع الجمهور ، بلا تخطيط مسبق منا .

( يشتبكان في حركة جسد واحدة ، تحت بقعة الضوء )

الثاني : ( يهمس للأول ) لا استطيع أن أدرك بأي أسلوب يجب أن نفكر !

الأول : إنها المحاولة ، المحاولة فقط للبقاء على قيد الحياة ، فوق خشبة المسرح .

الثاني : ولكننا غير قادرين على فهم ومعرفة ، تفاصيل الحكاية هنا  ؟

الأول : في البدء ، دعنا نتفق كلينا ، أن ما يجري الان ، هو عرضنا نحن .

الثاني : عرضنا !

الأول : نعم، يجب أن نفترض أن الجمهور الذي حولنا ، لا يعرف الحكاية أيضا ، فهو لم يشاهدنا سابقا.

الثاني : هل أفهم أننا نحن من يجب أن يختار الحكاية ؟

الأول : نعم ، ونحن من يختار شكل شخوصها ، واماكنها ، والاحداث التي فيها .

الثاني : ممتاز جدا ، بداية أكثر من رائعة ، حتما ستكون خياراتنا في بناء تفاصيل الحكاية كبيرة .

الأول : من قال ذلك ؟

الثاني : أنت قلت ذلك الآن !

الأول : خياراتنا ليست بهذا الحجم ابدا ، نحن محكومون بالآخرين ، فعيون الجمهور سلطة علينا ، وأذواقهم هي الأخرى سلطة علينا ، بل حتى ردود أفعالهم سلطة تتحكم فينا .

الثاني : ولماذا قد تتحكم فينا سلطتهم ، وكل الحكاية بين أيدينا ، نحن من يرويها على الخشبة ؟

 الأول : حكاياتنا ليست ملكنا ، هذا وهم كبير ، إنهم حولنا ، يفرضون علينا حدود الحكايات ، ويشكلون تفاصيل ما لا يجب أن يقال ، والممنوع والمحرم والعيب فيها . ويتدخلون في طقوس ما نمارسه  فيها ، وشتى التفاصيل .

الثاني : ولكن الجمهور في الصالة ، يجلسون هناك بصمت ، عيونهم فقط هي التي ترمش  !

الأول : ظاهر الامر أننا نملك كل الحكاية على الخشبة ، ولكن باطنها ، هم من يكتبون الحكاية ، حتى النهاية !

( الثاني ، يهم بالخروج )

الأول : ماذا تفعل !

الثاني : لا أرغب في إكمال هذا العرض المسرحي الساذج .

الأول : سيتلبسك العار اذا لم تكمل عرضك المسرحي ، نحن جميعا لا نستطيع أن نغادر قبل أن نكمل حكايانا ، هكذا تكون قوانين اللعب .

الثاني : ولكنها ليست حكايانا ، فأنت تقول أنهم يتحكمون في كل التفاصيل فيها .

الأول : لا خيار أمامنا سوى مواصلة العرض أمام عيونهم .

( يدوران مثل المغزل ، على يمين وشمال المسرح )

الأول : ( بصوت عال ) حزني عليك وانت تقود خطاك بعيدا .

الثاني : ( بصوت عال ) حزني عليك وانت تحاول فك الاحجية .

الأول : لا مبرر لمقاومة حركة الأشياء ، إنها تدور وتدور ، دون توقف .

الثاني :  لا بد من أن يقوم أحدنا ، بوضع العصا في الدولاب ، ليتوقف كل هذا الدوران الفاحش .

( يسقط الأول والثاني على الأرض  )

الأول : الحكاية قد بدأت !

الثاني : الكارثة قد بدأت !

الأول : لا خيار لنا في ذلك .

الثاني : ماذا لو حاولنا أن نبدأها من جديد .

الأول : لقد فات على البداية الكثير ، كثير جدا . كيف نعود للحظة ما قبل العرض من جديد !

الثاني : ( يقف أمام الجمهور ) بسيطة ، ننهي هذا العرض الباهت .

الأول : هل تريد منا أن نقدم على الانتحار ، نقتل انفسنا في وسط العرض !

الثاني : كلا ، بل نصنع بداية جديدة .

الأول : هل تعتقد أن ذلك ممكن ؟

الثاني : نعم ، سنصنع لنا بداية خاصة بنا .

الأول : كيف ذلك ؟

الثاني : سنغلق الستارة .

الأول : ماذا !

الثاني : تعال معي تحرك ، سنغلق هذه الستارة ، ونقدم عرضنا المسرحي ، بستار مغلق .

( الأول والثاني يغلقان الستارة ، ويواصلان عرضهما المسرحي )

-      ستار –

تركيا - سامسون

30/5/2020