مواضيع للحوار

نص مسرحي لا تصفقوا رجاءاً

نص مسرحي لا تصفقوا رجاءاً

1012 مشاهدة

 نص مسرحي لا تصفقوا رجاءاً

 حسين عبد الخضر

المكان: مسرح

الزمان: بعد إنتهاء العرض

يفتح الستار. يأتي المخرج من أقصى زاوية في الخشبة أو من باب الكواليس رافعا ذراعيه إلى الأعلى في إشارة إلى طلب الهدوء.

 

المخرج: اعزائي الحضور، جئت كي أطلب منكم عدم التصفيق وأعلمكم بإنتهاء العرض.

يعلو التصفيق من قبل الجمهور

المخرج: بدون تصفيق، بدون تصفيق رجاء، بدون ت. . ص. . ف. . ي. .ق.

يسقط على الأرض وهو يتلوى ألما، ويكاد يختنق. يهرع الممثلون لإنقاذه.

 الممثل الأول رجل بحبل مشنقة يتدلى من رقبته.

الممثلة، امرأة بثياب ممزقة تحمل دمية تمثل طفلا مريضا.

الممثل الثاني، طفل بعمر عشرة أعوام تظهر ملابسه أنه طفل عامل.

عدد من الإطفائيين السكارى.

المجهول، شبح.

الممثل الأول: ( مخاطبا الجمهور) كفى، كفى تصفيقا. ألم يطلب المخرج منكم عدم التصفيق.       كفى أرجوكم، سيموت الرجل إن لم تتوقفوا عن التصفيق، إرجوكم. لقد إنتهى العرض وأنا اتكلم معكم بجدية.

يتوقف الجمهور عن التصفيق. يحمل الإطفائيون المخرج إلى الكواليس.

الطفل: لا أحد يحترم آلامنا يا أبي، لا على خشبة المسرح ولا على أرض الواقع. هل رأيت كيف كانوا يصفقون بحرارة. . بفرح، كما لو أنهم كانوا في سيرك. أبي، تكلم.

الأب: ألا ترى أني مشنوق يا ولدي؟!

الأم: لقد إنتهى العرض، يمكنك أن تلقي الحبل من رقبتك.

الأب: ألقي بالحبل! هل جننت؟ سيعودون ويغتصبونك من جديد.

الأم: لقد إنتهى العرض ولن يعود أحد.

الأب: لا، بل أنت خائنة أيضا، ربما كنت تتمنين عودتهم، ربما اعجبتك شهقاتهم فوق جسدك.

الأم: كفى، كفى، لقد تحملت ما فيه الكفاية في هذا العرض الوحشي، ولن اسمح لك أبدا أن تضيف مزيدا من الألم إلى روحي. . يا إلهي، كانت ساعة مرعبة. . مرعبة حقا.

الأب: نعم، كانت ساعة مرعبة جدا، كان حبل المشنقة يفح كأفعى وهو يضيق على رقبتي، وكانت روحي حزينة جدا وهي تصعد إلى السماء.

الأم: رغم أنك شنقت في المشهد الأول وتركتني وحدي مع الأطفال نكابد قسوة الحياة.

الطفل: قسوة الحياة! إنها كلمة لطيفة جدا يا أمي. يجب أن نبحث عن كاتب كبير، كاتب يعرف كل الكلمات القاسية في هذا العالم، ليتمكن من وصف القسوة التي عشناها على هذه الخشبة.

الأب: ( للطفل) أنت تقول كلمات كبيرة ومؤلمة جدا ولا يفعل الأطفال ذلك إلا عندما يتعرضون لظروف قاسية جدا. ما الذي يزعجك؟ هل ضربك أحد؟ هل اعتدى عليك أحد؟

الطفل: أنت ميت يا أبي ولا تستطيع فعل شيء.

الأب: بل أستطيع. أخبرني وسترى ما أفعله.

الطفل: لا لن تستطيع.

الأب: بل استطيع.

الطفل: لا تستطيع.

الأب: تكلم.

الطفل: لا استطيع.

يضم الأب ولده إليه ويبكي.

الطفل: ( مخاطبا الأم) هل يبكي الأموات؟

الأم: نعم، يبكون. تقول الحكاية إنهم يعرفون ما يمر به ذويهم فيبكون.

الطفل: ( مخاطبا الأب) هل كنت تعرف؟

الأب: لا.

الأم: لماذا؟

الأب: لأني هربت، هربت كي لا أرى ولا أعرف. لم استطع تحمل ما يجري.

الأم: ( تضحك بمرارة) كان المؤلف قاسيا. تصور تموت أنت في المشهد الأول، يأتي المجهول فيحرق دارنا. وبعدها، بعدها يكتب ” وبعد مرور سنوات”. أطنان من المشقة، من التشرد، من تحمل ما لا يطاق، من الموت، الموت الذي لا يسمح لنا أن ندفن وننتهي، بل يبقينا نسير على ظهر الأرض نرشح ذلا كقربة ممتلئة بالقهر، موت أقسى مئة مرة، ألف مرة من موتك الوحيد الذي عانيته على المشنقة، كل هذا الأنين المخنوق في حنجرة مغن مخمور يختصره السيد المؤلف بعبارة بسيطة لينتقل بعدها إلى فضح جوعنا وقهرنا الحاضر على الخشبة بسرعة.

الأب: حسنا فعل، فأنت أكثر من يعرف ما يمكن أن يسببه الإدمان على النظر في مآسي الحياة على الناس، فهو أما أن يخلق منهم قساة أو هاربين.

الأم: هل تظن أنه كان يفكر بهذا؟

الأب: لنفترض أنه كان يفكر بهذا، لنفترض أنه ترك تلك السنوات لمخيلة المشاهد وانتقل إلى الحاضر ليختصر قصتنا إلى وقت العرض المسرحي المقبول دون أن يضيع رسالة العرض.

الطفل: قبل كل عرض اتمنى لو أن المؤلف أضاف فصلا من سنوات محنتنا، عندما كنت أكبر بلا لباس. كنت أحلم أن ينهض واحد من الجمهور ويغطيني فأنام ليلة واحدة دون أن أرتجف، أو أن يمد أحدهم يده فينقذني من قبضة الوحش بدل أن يفترسني وحيدا في الظلام.

الأب: ( بصوت عال يظهر مدى ألمه) آه، لو أن الموت كان كريما فمنحني امتياز التدخل في حياتكم ولو ليوم واحد.

الأم: ماذا كنت ستفعل في يوم واحد؟

الأب: الكثير.

الطفل: لا أحد يستطيع أن يفعل الكثير في يوم واحد.

الأم: كان لديك الكثير من الأيام التي لم تفعل فيها شيئا من أجلنا سوى أن يلقى عليك القبض بتهمة الأحلام وتشنق.

الأب: وهذا هو بالتحديد ما سأقترحه على المؤلف، سأقترح عليه أن يجعل مني إنسانا مختلفا منذ بداية المسرحية، إنسانا من أولئك الذين يعيشون كثيرا ولا يموتون إلا على أسرتهم وذلك بعد أن يصبح أطفالهم شيوخا.

الأم: فكرة جيدة، ولكن هل تظن أن المخرج سيوافق على عرض هكذا مسرحية؟ أنا أعرف تماما أنه لن يوافق. كيف سيحضر الناس لمشاهدة حياة عادية لعائلة يموت أفرادها موتا طبيعيا؟ لن يفعل أحد ذلك، ولا يمكن أن يرضي هذا المخرج.

اطفل: أمي، دعي أبي يحاول أرجوك.

الأب: سأحاول. سأقول له ليس عدلا أن يتركنا نعاني كل هذا الألم من أجل أن يرضي الجمهور. . الجمهور الذي يعلن عن عدم مبالاته بآلامنا بالتصفيق عند نهاية كل عرض رغم  طلب المخرج منهم أن لا يصفقوا. كل هذه السنوات الطويلة ولم تصل لهم رسالة العرض. . صدقيني، سأثبت لك أن لوجودي جدوى وسأجبر المؤلف على تغيير حياتنا والمخرج على القبول.

الأم: أعرف رغبتك الصادقة في تغيير حياتنا إلى الأفضل، لكنك مثلنا مجرد شخصية ابتدعوها هم، ولا تمتلك وسيلة للضغط عليهم واجبارهم على تغيير شيء من مصيرنا.

الطفل: بل نمتلك.

الأب: ماذا؟

الطفل: نستطيع أن نهرب من برزخنا هذا عبر طرق سرية أعرفها جيدا.

الأم: وهل تظن المؤلف غفل عن هذه الطرق السرية؟!

الطفل: إنه لا يعلم بوجودها حتى.

الأب: وكيف عرفت أنت؟

الطفل: لم تذهب سنوات التشرد سدى. هناك طرق كثيرة للخروج من هذا المسرح والبداية من جديد.

الأب: أنت تقول كلاما كبيرا.

الطفل: ربما كان المؤلف يظن أني سأقوله بعد سنوات. . هل أنتما مستعدان للخروج من هنا والبدء بحياة جديدة من أجل أخي الصغير على الأقل؟

الأم: بالتأكيد.

الأب: ولكني الآن مشنوق.

الأم: نحن خارج وقت العرض وأنت مجرد ممثل يمكنك أن تغادر هذه الخشبة لتؤدي دورا جديدا على خشبة أخرى.

الأب: ( مشيرا إلى الجمهور) وهؤلاء؟

الأم: دعهم ينتظرون عرضا آخرا يصفقون في نهايته اعجابا بمآسي غيرنا.

الأب: هيا إذن.

الطفل: هيا.

يغادرون الخشبة، يظهر المخرج من زاوية الخشبة رافعا يديه، طالبا من الجمهور عدم التصفيق.

ستار

الناصرية

٧/ ١٠ / ٢٠١٧