مواضيع للحوار

هيئة الأمل المرتجى

هيئة الأمل المرتجى

1012 مشاهدة

هيئة الأمل المرتجى

مجلة الفنون المسرحية

طه رشيد - المدى

المسرح هو المؤسسة الأولى التي تتأثر بتقلبات الوضع السياسي، وخاصة في البلدان التي لم يكن فيها التطور ناجزاً. ومن هنا نجد أن المسرح يتطور كماً ونوعاً في البلدان المستقرة سياسياً. ولكن هموم المسرحيين العرب لم تتوقف، اليوم، على هذا العامل، إذ ظهر في العقدين السابقين تصاعد التخلف الفكري الممنهج على أسس طائفية مقيتة! واستحواذه على عقول عدد لا يستهان به من الشباب العربي، والذي شكل ردة ثقافية مؤسفة قياسا بسنوات السبعينيات، التي شهدت تطوراً في العديد من البلدان العربية، بالرغم من أنوف الانظمة الشمولية التي كانت تتحكم برقاب الناس والثقافة!

 

وجاء الربيع العربي، بقضه وقضيضه، فازاح الغمة، نوعا ما، وفتح أبواباً للحرية يصعب أن يتسرب منها رجال مخابرات تلك الأنظمة الذين كانوا، عادة، ما يرافقون الفنانين والأدباء في أية فعالية ثقافية وخاصة في تلك البلدان المحكومة من قبل دكتاتور واحد أحد ! ولكن من جانب آخر تصاعدت حدة النهج المتطرّف لمجاميع تمارس أفعالها الارهابية باسم المقدس تارة وتارة أخرى باسم الحفاظ على الشرف العربي، وكان رجال المسرح أول المستهدفين، في تلك الافعال المشينة، من الخليج الى المحيط!

وانتظرنا الفرج، فاقيمت مهرجانات مسرحية في هذه الدولة أو تلك، لا يمكن وصفها ب" العربية الشاملة " لسبب بسيط كونها مهرجانات خاصة بالنشاطات الثقافية والفنية لتلك الدولة ويتم استضافة البعض من هنا وهناك، حيث تعتمد في أحايين كثيرة على دعوة فرق أجنبية بشكل عام واوروبية بشكل خاص ! الى ان ولدت في الشارقة ( بمبادرة طيبة من حاكمها المثقف التنويري سلطان بن محمد القاسمي صاحب القول الشهير " الرجال تزول والمسرح باق " ) فكرة تأسيس هيئة عربية للمسرح تتولى القيام بإنجازات حقيقية ملموسة على مستوى المسرح العربي من خلال تهيئة أناس مختصين وذوي كفاءة، ويمتلكون المؤهلات اللازمة والابتكار والإبداع، وهنا يكمن السبب في تطوير عمل الهيئة، يوماً بعد يوم، فانطلق مهرجان المسرح العربي، قبل عشر سنوات في تونس، ليعود إلى نفس البلد بنسخته العاشرة خلال الايام الاولى من الشهر المقبل، بعد أن تنقل بين العواصم العربية، ولكن بشكل متطور عن السابقات، سواء من ناحية طريقة التهيئة والإعداد أم عدد الفرق المشاركة، التي اختيرت عروضها بعناية، دون نسيان الفنانين العرب المغتربين حيث سنحت لهم الفرصة للمساهمة في المهرجان، الذي يسير بمسارين:

المسار الأول يتمثل في عروض المهرجان، والتي يمكن أن تكون منتجة في أعوام سابقة لكنها تستوفي الشروط اللازمة. أما المسار الثاني فيشمل العروض المتنافسة على النسخة السابعة من جائزة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عرض مسرحي للعام 2017.

وصرح الامين العام للهيئة العربية للمسرح إسماعيل عبدالله، لوسائل الإعلام المختلفة بهذه المناسبة بأن الدورة العاشرة ستكون دورة نوعية من حيث الاختيارات، إذ تحقق المجايلة بين أسماء مسرحية رائدة وأسماء مخضرمة وأسماء شابة، كما تشهد تنوعاً وغنى في الأشكال والمضامين، هذا وقد شهدت النسخة العاشرة من المهرجان توسعا جغرافيا في مصادر التنافس.

وجاءت العروض المتقدمة من 17 دولة عربية وزعت على الشكل التالي:

32 عرضاً من تونس، 17 عرضاً من مصر، 14 عرضاً من المغرب، 13 عرضاً من العراق، 13 عرضاً من الجزائر، 6 عروض من لبنان، 6 عروض من الأردن، 6 عروض من سوريا، 4 عروض من الإمارات، 4 عروض من السودان، 4 عروض من فلسطين، 3 من السعودية، 3 من الكويت، 2 من ليبيا، 2 من سلطنة عمان، 2 من العراق/ السويد، وعرض واحد من كل من موريتانيا، البحرين، اليمن، سوريا / ألمانيا، تونس وكندا.

وهذا العدد الكبير للمتقدمين يكشف الأهمية الكبيرة لهذا المهرجان بنظر كل المسرحيين العرب والذي علق عليه إسماعيل عبدالله قائلا: أن الهيئة تسجل اعتزازها بتنوع الطيف المسرحي الطامح للمشاركة، وتشيد بمستوى العروض.

وأردف الأمين العام بقوله إن : " الهيئة العربية للمسرح تعد المسرحيين العرب والجمهور في تونس بدورة غنية فنياً وفكرياً، متنوعة في الأساليب ومجددة في المشهد المسرحي العربي، انسجاما مع شعار مهرجان المسرح العربي “نحو مسرح جديد ومتجدد".

ومن خلال المعاينة لهذا العدد الكبير من المسرحيات المرشحة للمهرجان، تم اختيارأحد عشر عرضاً ضمن المسار الأول الذي يضم عروض المهرجان، فيما يشارك أحد عشر عرضا في المسار الثاني للعروض المتنافسة على الجوائز. بينما تستحوذ تونس على أعلى نسبة مشاركة، إذ تمثلها 4 عروض في المسار الأول، وثلاثة في المسار الثاني، ليكون المجموع سبع مسرحيات من ضمن اثنين وعشرين عملاً يقدمه المهرجان، وجاءت العروض المتبقية من: العراق، الكويت، سوريا، لبنان الأردن، المغرب، مصر، الإمارات، الجزائر والسعودية.

وخلافاً لبقية المهرجانات العربية الأخرى، ففي هذا المهرجان، كما في بقية مهرجانات الهيئة، هناك ورشات عمل متخصصة في كل مجالات العمل المسرحي. وقبل ذلك فتحت الهيئة باب الترشيح للبحوث والدراسات في مواضيع حددتها مسبقا، وتم فوز سبعة بحوث ستلقى وتناقش خلال أيام المهرجان الذي سيشهد أيضاً توزيع الجوائز للفائزين بكتابة النصوص المسرحية. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الهيئة تحبذ وتشيع وتشجع النصوص المسرحية العربية المحلية باعتبارها المنطلق الأساس للوصول إلى العالمية. ووصل عدد النصوص المكتوبة والتي طلبت الترشيح هذا العام الى 270 نصاً معظمها من مصر، وقد سبق واعلنت اسماء النصوص الفائزة، وكانت الجائزة الأولى من حصة العراق حيث فاز بها الفنان الشاب مجد حميد قاسم !

وبعيداً عن المهرجانات فإن للهيئة جهوداً طيبة في إشاعة المسرح المدرسي وفي دعم الطاقات الشابة. وأصبحت مكتبة الهيئة عامرة بالنصوص والدراسات والكتب المسرحية لكتاب عرب من مختلف البلدان، حيث تسهر الهيئة على طباعة المتميز منها.

من يحرص على المسرح العربي، لا بد له من أن يكون حريصاً على ديمومة هذه الهيئة المتألقة لأنها " هيئة " الأمل المرتجى!