أخبار الهيئة العربية للمسرح

وتستمر العروض المسرحية في طرح القضايا الإنسانية

وتستمر العروض المسرحية في طرح القضايا الإنسانية

902 مشاهدة

مهرجان مسرح العربي بالأردن من 10 إلى 16 ينايــر 2020

وتستمر العروض المسرحية في طرح القضايا الإنسانية

بــقـلـم : عــبـاسـيـة مــدونــي – الــجـزائــر

  مهرجان المسرح العربي في دورته الثانية عشرة (12) بالمملكة الهاشمية الأأردنية ، تتواصل فعالياته إلى غاية 16 من الشهر الجاري من سنة 2020 ، وتتواصل به العروض المسرحية ذات التوجهات المتباينة والرؤى ذات الطرح المختلف حسب سياق النص ومدى الاشتغال على فضاءات العرض وإدارة الممثلين وشتى عناصر العمل المسرحي من تقنيات وسينوغرافيا .

كيميا من سوريا – الحب قيمة جمالية وذات معامل موضوعي وتفاعلي

  ومن العروض المسرحية التي تسجل مشاركتها بهذا المحفل العربي خلال اليوم الثاني على التوالي من فعاليات المهرجان ،  نلفي عرض " كيميا " من سوريا  ، العرض الذي تولّد من تيمة هامّة ألا وهي الحب ، فما قيمة هذا الوجود دونما حبّ بأسمى معانيه وتجلياته في ظل عالم موبوء مسكون بالأطماع والجراح .

  في هذا ، قدّم المخرج " عجاج سليم " عرضه المسرحي بمعيّة فريق عمله ، وهو عمل معدّ عن " مجالا مغناطيسية " للكاتب الروسي " ألكسندر أوبرازتسوف" ، ليحكي لنا كمتلقين ويضعنا ضمن مسار حكايته ذات الاتجاه الغريب بعديد المفارقات ، لتجمع بين شخصين وهما عروس في يوم زفافها ، ورجل متزوج يستعجل الذهاب إلى بيته بعد يوم مضن من العمل .

الترابط الذي حصل بين الإثنين مغناطيسيا ، وذلكم الترابط اللاإرادي الذي يحصل بين بني البشر دونما مقدمات أو ترتيبات مسبقة  بشكل ساحر ، ليترابطا ضمن فضاء ركحي وحيّز لا يتعدى الثلاثة أمتار بفضل جاذبية لا تفسير لها .

لقائهما صدفة  ، ولّد حالة من التلاصق والترابط ، فصار من غير الممكن أن ينفصل أحدهما عن الآخر ، مع أن لكل طرف حياته الخاصة واهتماماته ، فكل طرف فيهما يحتاج إلى أن ينفصل عن الآخر ومتابعة  يومه وتفاصيل حياته ، إلا أن تلكم " الكيمياء البشرية" الغير مسبقة تفرض واقعا مغايرا ، وتتوالى أحداث العرض إلى أن يضطر الرجل إلى مرافقة السيدة إلى بيتها ، وسط أهلها وبحضور زوجها ، وفي خضمّ كل هذا ، ينجذب أحدهما إلى الآخر ، ويقرران بالتالي عيش حياة يرغبان بها بنمط جديد ومتجدد باسم الحب كأسمى قيمة في الوجود .

العرض المسرحي في مجمل مشاهده وتطوّر أحداثه ، نحى منحى كوميديا بلمسة تراجيدية بين المشهد والآخر وفق تسلسل الأحداث ، وأداء تمثيلي كشف عن قدرة المخرج في إدارة ممثليه ومدى تمكنّهم من تقمص الشخصية بشتى انفعالاتها وتوجهاتها ، مراعين فضاء اللعب الدرامي وحركتهم وانتقالهم بين المشاهد .

  التنقل بين مشهد وآخر ، وشتى مجريات العرض المسرحي عرفت في الغالب سينوغرافيا بسيطة وعامّة ، بحكم توجه العرض الكوميدي بصبغته الاجتماعية بدلالاتها الواضحة والمكشوفة ، واعتماد المخرج تقنيا على مستوى الإضاءة تقنية المربعات كإطار خاص بكل شخصية وكأنه مجالها وعالمها الذي من خلاله تتحرك وتنفعل ، مع اعتماده أيضا تقنية شاشة العرض ، والتي من خلالها تمّ عرض مشاهد  لحوارات شعرية كشفت للمتلقي ما تعايشه كل شخصية على حدة بشكل واقعي وملموس ، تلكم الحوارات الشعرية التي أداها "مأمون الفرخ " .

وحتى وإن كانت تيمة العرض تستند على الحبّ ، فالمخرج كانت له إسقاطات عدّة سعى من خلالها إلى تعرية أنانية الإنسان مهما كان جنسه ، وكيف له أن يتنكّر لكل ما هو جميل نتاج لحظة قد تكون عابرة وإن كانت أعمق دلاليا ، فالحب بشتى أشكاله وتوجهاته هو الآخر يتولّد نتاج ظروف قهرية لعل أهمها الحروب التي تنأى بنا إلى عوالم مشفّرة وفق عديد التناقضات ، حتى وإن انتصر الحب دوما كقيمة جمالية وإنسانية شاهقة كمعامل موضوعي وتفاعلي .

خـرافة من تونس ... صراع العدم في زمن الموت ...برزخ التناقضات

ثاني عروض اليوم الثاني من فعاليات مهرجان المسرح العربي بالأردن ، كان عرض تونس " خـرافـة" ، الذي طرح عديد الأاسئلة والاستفهمات ، وحملنا بشكل أو بآخر لنعيد التفكير في كثير من قضايا الوجود وقضايا العالم الآخر " الموت" القدر المحتوم والحتميّ ، حتى هذا الأخير جاء مشبوها ، مليئا بالتيه والضياع ، عامرا بالقلق والصراعات ، فكان " ناجح " الميت المطالب بالعودة إلى الحياة ، بسبب خطأ في دفاتر الموت ودفاتر الطمع والعدالة الموبوءة ليبقى عالقا بين حياة وموت ، ففي الأولى عاش مقهورا وفي الثانية عاش أكثر قهرا وإن أحس بالعدالة بين أقبية وسراديب قبره ، فازداد قهره والأحياء يطالبون بإعادته إلى الحياة رغما عنه واستبدال مكانه .

ومهمة المسرح أن يستفزنا كمتلقين ، ومعمل للأسئلة ومشغل للتجديد ، لهذا جاء " خرافة" لينحت من البعد الطقسي عدة دلالات ، كانت ذات إيحاءات من خلال نص العراقي" علي الزيدي " وإعداد " رضوان عيساوي" ولمسة إخراجية لـ" أيمن نخيلي" .

فضاءات العرض التي هندسها المخرج ، كشفت عن عنصر التغريب حيث اللازمكنة ، شخوص عدّة تبحث في ذلكم الفضاء عن سبل للخلاص ، هي التي تحمل الكثير من القلق والحيرة باحثة عن مخرج .

مجريات أحداث العرض احتضنتها مقبرة ، وتلكم الشخوص تتزاحم وتتزاحم لتزاحم " ناجح " في قبره وتؤرق وجوده ، هو الذي اعتاد فضائه واستأنس به ، ففيه كانت راحته وعدالته التي نزف بسببها وهو في الحياة بسبب وطن غير منصف وتوجهات قاهرة قمعته .

" ناجح " تواصل مع الأموات ، وكما كان يدافع عن مكانته بالحياة ، راح يدافع عن مكانته بالقبر ، فهو الشهيد التي قبضت روحه خطأ ، فأي شهيد يقتله الوطن عنوة وغدرا ؟ ، وفي التواصل ذلكم تمّ ملامسة عمق الطرح ، وعرّت المستور وكشفت قهر الأنظمة الفاسدة التي قادت البشرية إلى الحروب ، وهم كبشر ما يزالون يخوضون حروبا دامية ونضالية لتحقيق العدالة ،تلكم العدالة التي لم تتحقق في عالم الحياة ، راح " ناجح ولد خضرا" يفكّر في تأسيس دولة الحق على مستوى المقبرة ، بأسلوب تهكميّ لاذع ضمانا لتوزيع عادل للفرص وضمان الحقوق .

ما اتّسم به عرض " خرافة " ذلكم الانسجام بين الممثلين ، ومدى تمكّنهم من اللعبة الركحية أداء وحركة وتفاعلا ، مع تحقيق متعة جمالية يشعر بها المتلقي وهو يستحضر كثير الأسئلة بذهنه ، فكل هذا العالم بين موت وحياة ما هو إلا كذبة أخرى تنضاف إلى حلقة اللاعدالة ، دونما التغاضي عن الشق التقني الخاص بتوظيف الموسيقى التي أتت منسجمة ومتناغمة مع الممثلين ، لتكون " خرافة " منفتحة على عديد القراءات والتأويلات في زمن لن تتوقف عجلته ، فالحياة مستمرة كما الموت قائم لن يملّ من حصد الأرواح .

مسرحية النمس من المغرب...إيقاع واقعي واستناد على تراث الحلقة بحلّة عصرية

مغامرة مسرحية على الركح ، أبدع فيها فريق متناغم من فرقة المسرح المفتوح ، فكنّا أمام إيقاع متناغم من الطرح والفرجة بلغة مسرحية كوميدية وعصرية ، للوقوف عند تيمة راهنة وآنية وهي العالم الإفتراضي الذي يغرق فيه الإنسان .

العمل المسرحي لكاتب نصه " عبد الله بن هدار" وإخراج " أمين ناسور" استند على التراث المغربي في فن الحلقة ، والموسيقى المغريبة الأصيلة والثرية والتي كانت حيّة على الركح مع العازفين "ياسر الترجماني " و "عبد الكريم شبوبة " ، وأداء تمثيلي اتّسم بالخفة والمرونة لكل من "عبد الله ديدان "، "عبد الله شيشة"، "حسن مكيات "، "مونية لمكيمل" و" هاجرالشركي".

فالعمل المسرحي لـ" أمين ناسور " أتى مبتكرا من خلال جميع عناصر العرض ، ففي الاشتغال على نص المسرحية من تأليف السيناريست والكاتب المسرحي عبد الإله بنهدار، عن رواية الشاعر والإعلامي عدنان ياسين ، لامسنا من خلال الطرح واقعية وجرأة بأسلوب تهكميّ ساخر ، كان رحال العوينة السنجاب في رواية " هوت ماروك " ، و" النمس " في العمل المسرحي ، تلكم الشخصية المتناقضة التي تعيش حالة انفصام وانسلاخ من الواقع ، مردّه طفولة شقية وسط الأحياء الشعبية ، ومع ذلك حصّل شهادة الإجازة لينتهي به المطاف بالعمل في مقهى نت ، من خلال ذلكم العالم الافتراضي أثّث " النمس " عالمه المجازي وأراد من خلاله أن ينتصر لأحلامه وينتقم من آلامه ، لتتوالى الأحداث وتستمر بأسلوب كوميدي موجع في عمقه ودلالاته وفق رؤية إخراجية رصينة ومبدعة ومبتكرة ، أين زاوج المخرج بين الفرجة والخطاب ، وسط لعب درامي عالي الجرعة ضمن فضاء متاح وعصري وحداثي من تراث مغربي أصيل ألا وهو الحلقة .

  " النمس" في مجمل احداثه ، عرّى التناقضات التي يعايشها المجتمع ، معرّيا بذلك الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي الراهن ، راصدا إفرازات التخفّي وراء أقنعة لن تكون يوما ذات صلاحية دائمة .

الكوميديا التي أفرزها العرض انتقلت بأسلوب مرن وسلس ، وتجسّدت في شخوص الغنسان والحيوان ، فكل طرف فيا يحمل داخله حيوانا سيروّضه وفق قناعاته .

      وبين مشاهد العرض ، تمّ منح الركح متنفّسا آخر بكسر الجدار الرابع ، واعتماد الارتجال كاتجاه مسرحي له خصوصيته ، وما اتّسم به العرض المسرحي " النمس" شساعة اللعب الدرامي واستغلال فضاءات وزوايا الركح ، فرحال العوينة لم يكن وحده النمس في العمل المسرحي ، بل كل الممثلين كانوا نمسا آخر وحتى المتلقي ، فكان الممثلون ذوي حركة مدروسة وإبداع .

سينوغرافيا " طارق الربح " شكّلت متعة بصرية ورمزية دلالية ، جاءت أكثر مرونة كما عزّزت الصور المشهدية للعرض وحتى الإضاءة كان لها دورها التفاعلي في خدمة مشاهد ولوحات العرض ،تحقيقا للفرجة المسرحية .

وقد جسّد بذلك فكرة العرض التي طرحها المخرج ، فجاءت متنوعة وثرية منحت المتلقي ذائقة جمالية ، كما أتت السينوغرافيا حديثة وعصرية ذات بعد  تكاملي وتفاعلي ، ومنحت التراث صيغته المتجدّدة ، كما أن " سناء شدال " وهي مصممة الملابس وفّقت في الاشتغال على الزي المغربي ومنحته صيغته العصرية تساوقا ورؤية المخرج ، وأسهمت بذلك في منح الشخصية نمطها وتوجهها ، وبذلك حدّدت هويتها من خلال الرموز التي هندستها بالملابس ، وكل رمز منقوش على لباس الممثل كانت له خصوصيته وميزته التي لا تخرج عن الإطار العام للعرض بل تخدمه وتزيد من ثرائه .

من جهة أخرى ، حتى التوظيف الموسيقي الحي على الخشبة لكل من "ياسر الترجماني " و "عبد الكريم شبوبة" أثرت العرض وأسهمت في تحقيق التجانس المطلوب ، وضبط إيقاع العرض .

وعليه ، ما تزال العروض المسرحية متواصلة ضمن فعاليات مهرجان المسرح العربي ، لتفتح مجالات للحوار والنقاش ، وتحملنا على طرح العديد من الأسئلة بخاصة إذا ما تمّ النزول إلى مستوى المتلقي واستفزازه.