أخبار أدبية

يقول محمد عزوز..صادف يوم 17 كانون الثاني ذكرى مرور 17 عاماً على رحيل الشاعر الصديق علي الحمصي ..

يقول محمد عزوز..صادف يوم 17 كانون الثاني ذكرى مرور 17 عاماً على رحيل الشاعر الصديق علي الحمصي ..

1674 مشاهدة

وبهذه المناسبة نعيد نشر الفصل الخاص به في كتابي ( شعراء سلمية ) الصادر عام 2010 ..

خبز ودفء وقصائد
قراءة في قصائد الشاعر الراحل علي الحمصي

يقول الأديب الراحل الدكتور سامي الجندي في روايته ( سليمان ) وعلى لسان أحد أبطال الرواية ( أصيبت مدينتي ( مجيد آباد ) بدائين الأول هو داء الفقس والثاني هو داء الطق أو الفقع "
ومجيد أباد هو أسم قديم لمدينة سلمية والفقس داء يشبه الجنون تماماً بينما الطق أو الفقع فهو الموت المفاجئ نتيجة انفجار في الأوعية الدموية .
والشاعر الراحل علي الحمصي أحد شعراء مجيد آباد ( سلمية ) الذين أصابهم الداء الثاني ، فلم يمهله القدر حتى يصل إلى المشفى .
كانت حاله قد وصلت إلى طريق مسدود .. وماذا يفعل كي يؤمن حياة أفضل لأسرة ربها معلم وشاعر ، ولم تقدم له قطعة الأرض التي يملكها ماقدمه لها ، إذ أن السماء صارت تعانده هي الأخرى ولم تقدم ماكان ينتظر منها ، فطار حلم الموسم الجيد والحصيلة الوفيرة التي تسدد ديوناً تراكمت عبر الشهور والسنين .
كان من الطبيعي أمام لوحة الشقاء هذه أن لانجد ديواناً مطبوعاً لهذا الشاعر ، وهو الذي بدأ الكتابة قبل أن يتم العقد الثاني من عمره ، وكان الفرح يجتاز عتبات بيته وهو يرى مقطوعاته القصيرة منشورة في مجلة أو صحيفة ، يتأبطها ويجول بها على أصدقائه في مدينته المنفية وكنت أتمنى لو استطعت تحقيق أمنيته في طباعة أوراق حصلت عليها بعد وفاته ، لكنني لم أجد عوناً حقيقياً ، بل حماساً وأمنيات وأطفالاً كانوا ينتظرون عوناً من نوع آخر ، فهم لايعرفون ماذا يعني الشعر ، وكل مايعرفونه عنه أنه مجموعة أوراق كان يكتب بها والدهم أحياناً ويحرص عليها ، ويطلع عليها بعض زواره ، وهي في مجملها قصائد أو مقاطع تتناغم مع حالة البؤس التي يعيشها ، يغلب عليها الشعر العمودي 0 عرفه جمهور الشعر في سلمية من خلال المهرجان السنوي للشعر فيها ، وتميز بشعر الألم والسخرية ، كما استطاع أن يبكي هموم الوطن ويعبر عن أوجاعه ، وسمعنا أصوات الشهداء في الكثير من مقاطعه 0وبعد رحيله رتب قصائده متحمس مثلي لحال الشاعر وشعره ، فجاءت مقدمتها في أبيات تلخص حالة الحزن التي أدت به إلى هذا الموت المفاجئ :
كلما ودعت حزنــــــاً
ودفنت الدمع فيـــــه
قلت للأحلام هيـــــــا
أيقظي ما أشتهيـــــه
قالت المجهـــول آت
ألف مأساة لديــــــــه
ثم يقول في دمعة يذرفها على ولده الذي رحل وهو في عمر الزهور :
لك الجنان ولي من خافقي الكمد
يالهفة من لظى الآلام تتقد
والشاعر يجسد بعض همومه بشيء من السخرية ، ربما كي يسرق ابتسامة أو يوهم نفسه أو متذوقي شعره بها ، والإبتسامة عند الشاعر علي الحمصي مغموسة بالدمع والحزن ، ومعالم الوجه تظهره ككهل عليل يحمل كل هموم الدنيا 0 وهو عندما يصور لنا حالة فساد في دائرة حكومية يبدأ قصيدته :
لي قصة أضحوكــــة
وفصولها في دائـــرة
وبيوم نحس زرتهـــا
والروح عندي صابرة

ولكن الغرض الذي أتى من أجله لم يتم ، وخرج بأبيات يلعن فيها الزمن وجيوبه الفارغة ، وهو
عندما يتابع وصف هذه الدائرة بموظفيها ومراجعيها إنما يغمس من وعاء همومه :
فخرجت ألعن ساعـــة
فيها وقفت بدائــــرة
ولعنت جيباً فارغــــــاً
ولعنت كفي القاصـرة

حتى عندما يكتب لزملائه مدرسي الفنون عبر سخرياته الجميلة ، إنما يغمس من كأس الهموم
نفسه ، ويشير إلى حالة ضيق ذات اليد التي تسم حياة المعلم بشكل عام :
حاشاك ذماً أن يكون بيـــــاني
فسمو فنك فوق لغو لساني
ماجئت أرتجل القريض مهانة
كلا ولا نطقت به أوزانــــي
جيبي وجيبك ليس فيه درهــم
والكف صائمة عن الرنــــان

وهم انحباس المطر ، أحد هموم الشاعر المزارع الحالم بعطاء السماء الذي شح والغيوم التي
اسودت ولكنها أبت العطاء فتعلقت بالسماء بلا اكتراث :
كأن الغيم يسخر لانتظــــــاري
تعلق بالســـماء ولانــــزول
أحن لرؤية الوديان غــــرقــى
ونحلم أن تفاجئـــناالسيول
فأضحى القر صيفاً في شتائي
وصار الصيف برداً لايزول

والشاعر علي الحمصي كتب الشعر وهو يافع يحمل هم الوطن ، يغني للشهيد والأرض ولغزة
والقدس والجليل . ففي قصيدة له بعنوان " ثلاث مدن وقصيدة " أهداها إلى ثوار الوطن المحتل
يقول :
عبر الغزاة جراحنـــــا والنـــــار في كل المداخـل
والأفق خدره الرصاص فكـــل نافـــذة تقـــاتـــــل
وعلى المدى صوت إرتعاش الفجر تكسره القنابل
وحدي على صخر الرصيف بكل ماعندي أقاتــــل

وفي إحدى قصاصات الصحف التي كان يحتفظ بها ، مقطوعة منشورة له بعنوان " لست مجهول الهوية " يتحدث فيها عن إحدى عمليات الثوار المقاتلين في الأرض المحتلة ، معتزاً بانتمائه للعروبة ، فخوراً بنزعة المقاومة المتأصلة لديه وقد كان حينها مقاتلاً في صفوف الجيش كما تشير الصحيفة :
ياضمير العالم الحي تكلم
مجرم من يأخذ الحق
ويهفو للحياة
أين كنتم
يوم كان الطفل في المنفى يموت
عربي لست مجهول الهوية
رغم أنف الموت والطاغوت والإعدام
تبقى لي هوية

كما ينقل وصية شهيد في مقطوعة أخرى منشورة له :
خبري أمي وجيران الحمـــــــى
والروابي الخضر والغيد الصغار
في غد أرحل كالطيــــر إلــــــى
عالم آخر مســــــــحور النهــار
هكذا خط الذين استشهـــــــدوا
في سبيل الحق يبغون انتصــار

ويحيي الأم على لسان مقاتل يقوده تصميمه على القتال ، فيذهب غير خائف من موت ينتظره في الغد ، ولكنه يروم تحية نبع الحنان أمه التي تنتظر عودته سالماً :
من بعيد لك ياأم التحيـــــــــــــة
بعض شعر وخيال كهديـــــــــة
فاحفظيها ربما كنت الضحيـــــة
راحل والغيب أحلام خفيــــــــــة
ربما في الغد أو بعد غـــــــــدي
حل هذا الفجر قيدي من يــــدي

وقد عاش الشاعر الراحل شبابه ككل الشعراء العشاق ، ففي قصائده بعض مقطوعات الإعجاب
والعشق ، لكنه حب خجول ، تكبته هموم الشاب الذي بكرت المعاناة بالحلول في أيامه . فيقول
في مقطوعة من تجارب بداياته الشعرية عام 1971 بعنوان " حبي أنا " :
لم يبق في القلب وعدٌ أستظل بـــــه
من دوحة الحب فر البرعم الخجل
لاتقربي الروح ما عاد الهوى بدمي
تثنيه نظرتك الخرساء والمقــــــل

وقد نالت دمشق بعض قصائد الهوى منه ، ودمشق مدينة يهيم بها كل الشعراء الذين يحلون في ربوعها ، ولو لبعض الوقت :
هواك يادمشق هوى عجيــــــب
وسحرك رائع النجوى غريــــب
دعيني في هواك أعيش عمـــراً
خريف العمـــر موعده قريــــب

وللشاعر مشاركة في احتفال بعيد المعلم عبر قصيدة تناسق الحرف فيها مع صدق المشاعر
وتعب الأيام ، لم لا والشاعر معلم أمضى عمره القصير المشبع بالهموم يزاول هذه المهنة التي
لم ينل منها بمقدار عطائه :
تعطي من الروح مالم يعطه أحد
فأنت أكرم من أعطى ومن وهبـا
لو أنصفوك لقالوا كالنبي هــدى
أو أكرموك لما وفوا بما وجبــــا

وهكذا عبر الشاعر الراحل أيامه القصيرة وهو يحلم بالعطاء ، عطاء يهب الخبز والدفء لأطفاله
ودواء لأبنه " قصي " الذي رحل ليترك غصة في صدر والده ، وندبة في حياته .
زادته عثرات الدرب تصميماً على الكفاح ، ولكن 00 هل يستطيع الشاعر برقة إحساسه أن
يتحمل كل ذاك الشقاء الذي رافق حياته .
هو لم يفقد الأمل ، فقد كان يزمع السفر إلى بيروت في عطلة الصيف كي يعمل في ورشات البناء
ليسدد بعض ديون تراكمت عليه فنغصت عليه هدوء حياته .

ولكن هذه الديون وذاك الداء الذي حل بمدينته أطاحا بعمره قبل أن يكتمل حلمه بحياة أفضل
لصغاره ، واشعار مطبوعة يوزعها على أصدقائه ومحبيه .
لكأن الزمن يتربص بنا ، ليغافلنا على حين غرة ، غير عابئ بأحلامنا وأيامنا التي تفر منا هي
الأخرى ..
ولنردد مع الشاعر خضر الحمصي في قصيدة رثائه للشاعر :
زمن يغر وكم بسر غروره
تهوي الرجال وتهرب الأعوام

محمد عزوز
لم نجد سوى هذه الصورة لدى عائلته فعذراً

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية