الياس الحاج وذكريات الفنان والمخرج محمد الشيخ نجيب
أيام ..
#الفنان _والمخرج _محمد _الشيخ _نجيب ( صمت الرحيل ) .
1953 - 2012
#البورتريه بريشة الفنان المبدع Issam Ismandar .
#ذات مرة .. سألت عنه في سياق الحديث كبيرنا دريد لحام، كونه أحد أعضاء فرقة تشرين المسرحية، فأجابني بعبارة واحدة ( هاد يا عيوني محمد أبني ) .. والسبب يعود أننا ولمدة ليست بقصيرة كنا قريبين بعيدين .. وكنا نلتقي بشكل شبه يومي، بحكم عملنا المشترك في مديرية الإنتاج التلفزيوني ( دائرة المخرجين )، ورغم ذلك لم نكن في السنوات الأولى من لقاءاتنا حميمين كما يجب، لكن الود والاحترام كان قائماً بيننا في مختلف المشاركات كممثلين أو في المناسبات ..
ودارت الأيام .. إلى أن جاءت فرصة للعمل معاً في مسلسل كنت قد كتبته للشركة العالمية الخليجية، فاتصل بي ليخبرني أنه كلف بالإخراج، والتقينا في كافتيريا بمنطقة ( أبو رمانة )، وفي الشيراتون المكان الذي اعتدنا أن نجتمع فيه للقاء العمل، ودعاني إلى بيته، وكم كان لحفاوته واستقباله الطيب طعم الحلاوة بوجود زوجته السيدة المحترمة خديجة العبد ( أم قيس الغالية )، ورغم الجهود المكثفة والتي آمنت بعد جلسات الحوار والمناقشة لأدق تفاصيل السيناريو أننا سننتج عملاً مختلفاً، ورغم أن الشركة المنتجة خيبت آماله إلا أن ما أنتجته تلك الأيام من علاقة حميمة بيننا جعلت كل منا في موقع أقرب إلى القلب من الأيام السابقة، وبالطبع تكررت اللقاءات الكثيرة وزاد الود والاحترام أكثر فأكثر، وأصبح هم كل منا نجاح الآخر.
** واستمرت اللقاءات بيننا في نقابة الفنانين والتلفزيون وبمشاركاته في بعض أعمالي الإذاعية كممثل، وأحياناً في البرنامج الأسبوعي ( حكم العدالة )، وكم تكررت لقاءاتنا في الشيراتون المكان المفضل لأماسيه مع أصدقائه، لكن آخر لقاء حميمي جمعنا وبالمصادفة كان في ميريديان دمشق، وقد اعتدت مع الموسيقي المعروف أمين خياط أن نخرج معاً للتنزه مساءً على تراس الميريديان، وكان هناك محمد ( أبو قيس) بصحبة العزيز أيمن الدهبي فعاد بنا أيمن إلى لقاء مهرجان ( مس نادين ) في بيروت، أي قبل أن يطلق زوجته ( أصالة نصري )، وعاد أبو قيس إلى ذكرياتنا العفوية الأولى في التلفزيون، وكيف كنا متباعدين، وأشار أن الحبيب كبير مدراء الإنتاج الراحل جميل العبد كان له دور في تقريب الأرواح، وامتد الحديث إلى مواقع مستقبل أولادنا، وتمنياتنا لهم، مبيناً له إعجابي الشديد بوقار وثقة الحبيب قيس، وتحدث هوعن ثقته بمستقبل ابنه سيف الحبيب، متوقعاً أن يكون بين صفوف المخرجين الأوائل .. وانقطع بعدها عنا .. وعرفت فيما بعد أن المرض العضال لم يمهله طويلاً .. عجل بصمته عن ضجيج الحياة في صخبها ومشاركاته المستمرة بلهو مناسباتها وأعمالها الإبداعية ممثلاً ومخرجاً مجتهداً يسعى ليل نهار لتقديم الجديد المبتكر المبدع .. وفجأة رحل دون إنذار مسبق .. فجأة كان ( صمت الرحيل ) العنوان الذي أنجزته كفيلم توثيقي عنه .. فكان معه ذاكرة من دمع وضحك متواصلين مع ضروب الحياة وفنونها .. كان ولا يزال عنواناً لإنسان عشق صولات وجولات الأيام بروح مغامرة لم تعرف الكسل يوماً أو الثبات عند موقع مرموق وصل إليها صاحبها .. نجم ( صمت الرحيل ).. الفنان الممثل والمخرج المبدع محمد الشيخ نجيب ..
****
يا أنت يامن صمت بوجع آلامك لوقت .. ثم برحيلك المباغت عنا في الأول من كانون الأول من عام 2012 إلى مثواك الأخير .. أبناً باراً لدمشق التي ولدت فيها ونشأت في ربوعها فتى يهوى الرقص والتمثيل لأعمال كثيرة يصعب حصرها ومن ثم الإخراج للعديد من الأعمال الهامة في مسيرة الدراما السورية..
يا أنت يا من تركت فراغاً لن يشغل مكانه غير روحك الطيبة وذاكرة أعمالك الإبداعية المحفورة في مفكرة أهل الفن وجمهورك الواسع .. لرحيلك المعنى الآخر للسكون اللحظي .. المعنى الجديد صمت من حياة أخرى نرجوها لك في جنان الخلد .. تحية وفاء لروحك وكل ما أنجزت في مسيرتك الحافلة بالعطاء والتميز الفني والإنساني ..
** يعتبر الفنان والمخرج المبدع الراحل محمد الشيخ نجيب من الجيل الثاني لرواد التلفزيون، مشاركاً وهو في مقتبل العمر كراقص للفنون الشعبية بفرقة زنوبيا، ثم بفرقة الفنون التابعة للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون وهو لا يزال بعمر الفتى .. ثم دخل مجال التمثيل .. وتتلمذ على أيدي الرواد من المخرجين ومنهم من أسس لمسيرته الفنية كمساعد مخرج مجتهد فيما بعد في تقديم نفسه كقيادي بارع لأعمال الإخراج .. إلى أن أصبح نجماً شهيراً في عالمي التمثيل والإخراج في أعمال كثيرة شهدت له حضوره المتميز إن كان في تجسيد الشخصيات الدرامية أو في تقديم رؤى فنية وبصرية لافتة .
** ولد سنة 1953 في دمشق، ودرس في مدارسها التي برزت من خلالها تنوع مواهبه الفنية في مشاركات بسيطة أولى في الأنشطة المدرسية .. أما بداياته فكانت مع المسرح الراقص من خلال التحاقه بفرقة زنوبيا التي أنشأنها وزارة الثقافة ، ثم انتسب إلى نقابة الفنانين عام 1974 كمحترف للفن.. وكان أوّل ظهور تلفزيوني له عام 1973 من خلال مشاركته كراقص في العمل الدرامي الشهير "ملح وسكّر" ثم " وين الغلط " أيام الأسود والأبيض .. ثم غادر ليدرس في هنغاريا ليعود بعد تخرجه عام 1984 ..
ومع تأسيس فرقة تشرين المسرحية كان له نصيب في الانضمام للفرقة كغيره من أعضاء فرقة التلفزيون العربي السوري ممن اختارهم النجم الكبير دريد لحام للمشاركة في أعمال الرقص والغناء والتمثيل .. ومن تلك الفرقة كانت بداية شهرته الأوسع محلياً وعربياً وحتى على المستوى الخارجي أثناء انتقال الفرقة إلى دول عديدة خارج الوطن العربي لتقديم العروض مسرحيتي ضيعة تشرين وغربة للجاليات السورية والعربية ..
** ومع انطلاقة أعمال الملونة في التلفزيون العربي السوري كان الفنان الراحل من أوائل الذين شاركوا في بطولة الأعمال الدرامية في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، ومنها مسلسل الاجنحة وطائر الأيام العجيبة، وحصاد السنين .. ثم توالت الأعمال ومشاركاته بتجسيد الأدوار الأولى في المسلسلات، والتي كان آخرها مسلسل في حضرة الغياب الذي يتحدث عن شخصية الشاعر العربي الكبير محمود درويش وقد جسد فيه شخصية مارسيل خليفة .. كما شارك في مسلسل الصندوق الاسود، عشتار، رجال تحت الطربوش، شو هالحكي، فرسان الريح، المحكوم، طقوس الحب و الكراهية، الخطوات الصعبة..
لم تكن مشاركاته في السينما كما في التلفزيون ومع ذلك فقد حقق حضوراً سينمائياً لافتاً من خلال مشاركته في فيلم قتل عن طريق التسلسل للمخرج الراحل محمد شاهين وفيلم الكومبارس للمخرج نبيل المالح وأيضاً فيلم التقرير وفيلم الحدود للكبير دريد لحام .
أما أعماله الإخراجية فكانت انتقائية وهامة بين الاجتماعية والكوميدية والتاريخية وحتى الخاصة بالأطفال والفتيان، ونذكر المسلسلات التي أخرجها : الزلزال - تحت المداس - قمر بني هاشم - سعدون العواجي - صدى الروح - ألو جميل آلو هناء - مرايا - ممرات ضيقة.قصص الغموض -. بهلول أعقل المجانين الجزء الثاني - سعدون العواجي - أنا و عمتي أمينة ..
محمد الشيخ نجيب .. تحية وفاء .
إلى من أنشأ جيلاً من المبدعين النجم قيس الشيخ نجيب والمخرج سيف الشيخ نجيب .
إلى من كان الأكثر حيوية بين أقرانه وشركاء درب الفن ولم يعرف لحظات الصمت يوماً إلى أن باغته المرض العضال ..
إلى من كان الأكثر سرعة في الإنجاز .. حتى في قدر رحيله الذي عجل بصمته ..
إلى الفنان الممثل والمخرج الراحل محمد الشيخ نجيب .. تحية وفاء لروحك الطاهرة ..
