قالت الصحف

أحمد برقاوي لتشرين:مهمتنا أن نكسّر رأس التاريخ..لا يجوز أن يكون اتحاد الكتاب العرب رقيباً على الكتاب

أحمد برقاوي لتشرين:مهمتنا أن نكسّر رأس التاريخ..لا يجوز أن يكون اتحاد الكتاب العرب رقيباً على الكتاب

1578 مشاهدة

أحمد برقاوي :مهمتنا أن نكسّر رأس التاريخ..لا يجوز أن يكون اتحاد الكتاب العرب رقيباً على الكتاب  
 

تجاوزت مؤلفات الباحث د. أحمد برقاوي الـ 14 كتاباً منها «العرب والعلمانية» وآخرها كتاب «كوميديا الوجود الإنساني» وديوان شعر بعنوان «أنا» إضافة إلى حضوره الدائم في الصحافة عبر مقالات فلسفية تحمل طابعاً خاصاً به. والمتابع للدكتور برقاوي سيعرف أيضاً أنه أحد أهم أساتذة الفلسفة الأكاديميين في جامعة دمشق.وهو أيضاً حاضر، فاعل في المشهد الثقافي العربي، ناقد من طراز رفيع لأنه يحمل دائماً قلقه الفكري ويمضي به نحو تخوم الأسئلة الصعبة. 
 
تشرين حاورته لتحرك بهذا الحوار شيئاً من زوايا المشهد الثقافي:كيف تنظر إلى العلاقة بين مفهوم الحب والفلسفة من جهة وبين الحب والفلسفة في علاقتهما بالحياة؟عندما تتحدث عن الحب بوصفك فيلسوفاً فإنك تقيم مسافة بينك وبين الموضوع، إذا تجعل الحب موضوعاً للتأمل والتفكير، الحب بوصفه حاضراً والحب بوصفه أملاً، الحب بوصفه موقفاً من الحياة.لذلك بوصفك فيلسوفاً فأنت مجبر على تعريف الحب، ما الحب؟ هذا السؤال فلسفي يعني أن تعطي جواباً كلياً عن الحب.أما حين تقف موقف الشاعر، فإنك لا تقيم مسافة بينك وبين الحب، بل إن كلامك الشعري هذا هو التعين الحقيقي لتجربة الحب، فليس الحب عند الشاعر بموضوع يكتب عنه، أو فيه، بل إنه الذات وقد تعينت بالحب، فصار الكلام تعيناً للتجربة الذاتية، وفي كتابي الأخير (كوميديا الوجود الإنساني) لدي فصل عن الحب.في الحياة تتمنى لو أن علاقات البشر هي علاقات حب بدرجات متنوعة، لأن الصداقة حب، وهناك علاقات كثيرة بين الناس فيها الحب، خارج علاقات الحب بتعيّناته المتعددة بأشكاله بطريقة التعبير عنه، تصبح الحياة المعشرية مستحيلة، مستحيلة داخل الأسرة، مستحيلة بين الإنسان والعالم، مستحيلة بين الإنسان والآخر. ‏والبديل عن عالم الحب هو نفي الآخر، الحب هو علاقة بيني وبين الآخر، البديل عن الحب أن الآخر لم يعد موجوداً، لم يعد موجوداً كحاضر في ذاتي، فصرت عدوانياً تجاهه، وهذا هو وجه الخطورة في العالم المعاصر، الفلسفة الشخصانية كلها قائمة على ضرورة استعادة العلاقات المعشرية بين البشر، ودون علاقات حب بين البشر لا توجد علاقات معشرية، أنا لا أتحدث فقط عن حب الرجل للمرأة، أتحدث عن حب الصديق لصديقه، حب الأب لأبنائه، حبي للآخر، حبي لطالبي، إنني أحب طلابي إلى أبعد الحدود ولولا هذا لا أستطيع التعايش معهم، وهم بهذا المعنى يبادلونني التجربة نفسها، تجربة الحب، بالتالي الدعوة إلى الحب ليست رومانسية، أحياناً يأتيك من يقول إنك رومانسي، لا، أنا لا أريد لكل البشر أن يعيشوا تجربة مجنون ليلى، أريد للبشر أن يعيشوا تجربة العلاقات المعشرية الودية، حيث الآخر حاضر في حياتك بوصفه غاية، وليس بوصفه وسيلة أو شيئاً من هنا واحدة من أهم نتائج العلاقات الرأسمالية الكارثية تحطيم علاقات الحب.من هنا أهمية أن نعيش الحب تجربة وأن نتحدث عنه موضوعاً. ‏

ما هي مساحة التفكير الفلسفي في الحياة الثقافية السورية؟التفكير الفلسفي في حياتنا الثقافية السورية محدود جداً. ‏

ما هي الأسباب؟أولاً عدد المشتغلين بالفلسفة حقاً قليل جداً، دعك من تدريس الفلسفة، مدرس الفلسفة كأي مدرس آخر، أنا أتحدث عن هذا الذي يحول الفلسفة إلى طريقة تفكير بالمشكلات، أتحدث عن الامتلاك الفلسفي للعالم هؤلاء في الوطن العربي قليلون وفي سورية هم أيضاً قلة، بالتالي المساحة ضيقة فضلاً عن ذلك أن المتلقي يجد صعوبة على الرغم من الخطاب الواضح، يجد صعوبة في امتلاك الخطاب الفلسفي لأنه لما كان كل علم لديه مفاهيمه الخاصة، فيجب أن يكون الجمهور على دراية ببعض المفاهيم، أنا الآن قلت لك «التعيّن» هذا مفهوم فلسفي بسيط عن التحقيق في الخارج، كيف تظهر الأشكال في الخارج؟ كيف يظهر الحق في الخارج؟ كيف يظهر الحقد في الخارج؟ ولأن الأمر كذلك فأنا أحاول تبسيط الخطاب الفلسفي في الصحافة في الكتاب لا أستطيع أن أفعل ذلك، لأني محكوم بمفاهيمي التي اخترعتها والمفاهيم التي أتحرك من خلالها. ‏وأضيف أنه دون وعي فلسفي للعالم لا فهم لمشكلات العالم، يأتي شخص ويحدثك عن الفساد حديثاً عادياً (فلان سرق فلان نهب) هذا كلام يعرفه القاصي والداني، لكن إذا سألت ما الفساد؟ وما الأسباب التي تكمن وراء انتشار الفساد؟ صار السؤال هنا فلسفياً بالتالي حاجتنا للفلسفة كبيرة جداً، ومع الأسف الشديد أقول لك: عدد أساتذة الفلسفة في جامعاتنا كثير، لكن لم نخلق بعد تياراً فلسفياً جامحاً يجتاح الوعي، لذلك فإننا نبذل جهوداً جبارة لامتلاك العالم فلسفياً ونحاول أن نخلق وعياً فلسفياً لدى الآخر بالآخر. ‏

هل يمكننا القول: إن لدينا حياة ثقافية مبدعة، وإذا كانت هذه الحياة موجودة وتعاني أمراضاً كيف نجدد نبضها الداخلي؟بلا شك في سورية حياة ثقافية يمكن وصفها بالجيدة، سورية لها تاريخ لا أحد يعرف لماذا يبدع هذا السوري؟ فهناك من يكتب مادة صحفية جيدة ويبدع رواية أو قصة جيدة؟ وقس على ذلك، الحياة الثقافية السورية ناتجة عن وعي السوري بالمركزية وسأشرح ما أقصده بالمركزية: سورية الحالية بحدودها بعد التقسيم الاستعماري تكونت بوصفها الجسم الأكبر في بلاد الشام وحولها مجموعة من الأطراف: (لبنان- الأردن- فلسطين) فنشأ وعي بأنها هي المركز وهي فعلاً المركز، هذا الوعي بالمركز جعلك دائماً وبشكل (لا واعي) تنهض بمهمات كثيرة، ومنها مهمات ثقافية، لذلك تجد الروائي السوري يظهر فجأة ولا تدري كيف؟يظهر الشاعر السوري، يظهر الفيلسوف السوري، يظهر المسلسل السوري، يظهر الناقد السوري، يظهر المبدع السوري ليأخذ جائزة هنا وجائزة هناك، يظهر الصحفي السوري، بل قل أنفاً عن الواقع يظهر المثقف السوري، والسبب هذا التاريخ من الوعي لا يستطيع أن يقضي على وعي السوري بأنه مثقف مركزي.والآخر يعتبره كذلك لأن الثقافة تحتاج إلى مساحة من الحرية، كلما كانت مساحة الحرية أوسع كان ظهور المثقف المبدع أكثر وظهرت الطاقات الجديدة.ونحن في واقعنا الثقافي نمشي على حد السيف، القارئ يقرأ النص ولكنه لا يعرف الرحلة التي يقطعها النص من الكتابة إلى النشر.فأحياناً المقال كله لا ينشر، وأحياناً تحذف من المقال مقاطع أساسية تؤثر على سياقه العام، إلخ..... ومع ذلك نكتب ولا نشكو نكتب هناك من يقول: «إنه لا يستطيع الكتابة لأنه لا يوجد مجال لحرية الكتابة» هذا الكلام (علاك) الذي يكتب لا ينتظر إذناً من أحد، نحن مهمتنا أن نكسر رأس التاريخ بأقلامنا، بأفكارنا، التاريخ عنيد ورأسه عنيد ومن مع رأس التاريخ يقاوموننا، نريد أن نكسر رأس التاريخ حين يكون رأس التاريخ قابلاً للكسر. ‏ وأحياناً قد تتكسر رؤوسنا؟ ‏ (معليش من عيوب أقلامنا، أو لا عيب في أقلامنا إلا أن (بهن فلول من قراع الكتائب) واستعارتي هذه من النابغة، هذه مهمة المثقف، المثقف لا يقول لهم أعطوني جزءاً من الحرية، هو إذ يكتب يصنع الحرية... ‏

كيف تقوم عمل اتحاد الكتاب العرب؟ هل مطبوعات الاتحاد على اختلاف سوياتها تساهم في الحراك الثقافي العام؟أنا عضو في اتحاد الكتاب العرب وقد أكون كسولاً في مشاركتي في نشاطات الاتحاد، أنا لا أقوم مثلاً بإلقاء محاضرات بتكليف من اتحاد الكتاب، ولا أذهب إلى مؤتمرات ولا يأخذونني معهم، لا أعرف لماذا؟ ‏المهم أن يكون في بلد واحد اتحاد الكتاب هذا غلط!! لأن الكتاب أهواء وتيارات وتوجهات ومستويات.فأن يكون في بلد اتحاد كتاب ومسيطر عليه مؤسساتياً فهذا إضعاف للكاتب وللكتاب. ‏كأن كلامك هذا تهمة موجهة لاتحاد الكتاب العرب؟نحن لا نستطيع أن نتصور بلداً فيه اتحاد واحد للكتاب، فلو كان هناك حرية تكوين اتحادات لربما رأيتني في اتحاد آخر غير هذا الاتحاد، المؤسسة تقتل الإبداع.إصدارات الاتحاد بعضها جيد وبعضها سيئ، مثل كل الإصدارات المهم لا يجوز أن يكون الاتحاد رقيباً على الكتاب.كل ما يبدعه الإنسان يجب أن يظهر دون رقابة ألا يكفينا رقابة وزارة الإعلام؟ يجب أن يكافح اتحاد الكتاب ضد الرقابة وليس أن يكون هو رقيباً. ‏ هذه مثلبة من مثالب اتحاد الكتاب العرب. ‏

كيف تقوم عمل وزارة الثقافة ومؤسساتها المختلفة؟ الكتب التي تصدرها وزارة الثقافة مهمة، المترجمة منها وغير المترجمة، المراكز الثقافية مهمة إذا تجاوب معها المبدعون، لا يوجد مركز ثقافي لم أذهب إليه، مرة ألقيت محاضرة بعنوان (ما العقل) في قرية اسمها «متان» في السويداء. ‏بهذا المعنى المراكز الثقافية مهمة لكن يجب أن تكون تابعة كلياً لوزارة الثقافة، ولا يجوز أن تكون المكافآت في وزارة الثقافة بهذا الشح، فإما أن يعطى المبدع مبلغاً محترماً أو لا يعطى. ‏ وزارة الثقافة لا تقيم أسابيع ثقافية كبرى وهذا منوط بها.معرض الكتاب مهم لكن لا أستطيع أن أفهم وجود مهرجان للسينما في سورية مع أننا لا ننتج سينما.ثم أنا لا أفهم كيف يكون هناك بلد في العالم ليس فيه جوائز إبداع ثقافي؟ ‏صحيح أيضاً أنهم يهتمون بمبدعينا الراحلين لكن هذا الاهتمام ضئيل، فنحن لدينا من المبدعين ما يشغلنا عاماً كاملاً. ‏

ما هي مساحة الحق والخير والجمال من وجداننا العام؟الإبداع إذا كان حقيقياً يخلق الوعي الحقيقي بالحق والجمال والخير، ما الذي يحمل الناس على الترحيب بك وأنت كاتب في صحيفة؟السبب هو أنهم يرونك تتحدث عن آمالهم وأحلامهم ومشكلاتهم. ويرونك تعيش مشكلات العالم وتحول المشكلات إلى نص جمالي، أخلاقي، فلسفي.بالتالي القيم السائدة غالباً في المنطقة إيجابية، وهذا لا يلغي وجود قيم سلبية، على المبدع تعزيز القيم الإيجابية، اكتب عن الحرية، لا تمل من الكتابة عن الحرية لتخلق الوعي بالحرية، تخلق الوعي بالحق والحقيقة عندها لا تخاف. ‏تريد حقك دون خوف وتنطق بالحقيقة دون خوف وتعبر عن الجمال دون خوف.الجمال في كل مكان في ذاتك وكل ما يريده الجمال المبعثر في هذا العالم أن يأتي شخص لينظمه في نص، في لوحة، في مقالة، في رواية، في كتاب، في قصيدة. من هنا أن تخسر سورية مبدعيها أصعب من خسارة حرب، الحرب قد تخسرها وقد تربحها، ولكن إذا خسرت المبدع لا يعود. ‏

كيف تقوّم الصفحات الثقافية في الصحافة السورية؟الصفحات الثقافية السورية تعكس الوضع العام للثقافة المبدعة، هناك من لا يكتب فيها والسبب قد يكون المردود المادي الضئيل، والآن تفتح معظم صحف الخليج تجد أسماء الكتاب السوريين مبعثرة هناك.صحفنا الثقافية تعكس الوجود عندنا، والموجود عندنا جيد، يجب أن لا نظلم المثقف السوري هناك من يكتب مادة صحفية جيدة، هناك من يكتب رواية جيدة إلخ..... الضعف كما قلت في الفلسفة، الفن التشكيلي السوري في حالته الراهنة ممتاز، وربما هو أهم فن تشكيلي في الوطن العربي. ‏

ما هي مساحة النقد من حياتنا الفكرية بشكل عام؟لا يوجد نقد، ربما يوجد مهارشات، هناك شتائم أو مدح، وهذا ليس بنقد النقد هو في إبراز المفاهيم الجديدة التي وجدت في كتاب ما، إظهار تلك المساحات المظلمة والمخبأة في النص في الفكرة... ‏حتى بين الأصدقاء الكتاب لا يوجد نقد لنصوص بعضهم البعض.لذلك أتمنى وجود مجلة باسم «نقد» تصدر عن أي جهة رسمية أو أهلية، مهمتها التعريف بالنقد نقد النص، نقد العالم. ‏

حوار: مصطفى علوش ‏

دمشق
صحيفة تشرين
ثقافة وفنون
الخميس 15 تشرين الأول 2009

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية