مواضيع للحوار

أسلوب الكوميديا في المونودراما الجزائرية

أسلوب الكوميديا في المونودراما الجزائرية

538 مشاهدة

Théâtre Régional de Sidi belabbes

السبت 2/5/2020

" إضاءات في المسرح " تأتي في عددها السادس، لتنفتح على قضية متجدّدة من قضايا المسرح، وتفتح نافذة للنقاش والحوار حول موضوع أسال الحبر الكثير ولا يزال، إنه موضوع المونودراما، لكن من منظور آخر يضع اليد على قضية الكوميديا، لتأتي ورقة الدكتور " دحو أمين " من جامعة أبو بكر بلقايد من تلمسان، موسمومة بــ : " أسلوب الكوميديا في المونودراما الجزائرية "، متطرّقا من خلال ورقته البحثية إلى عديد النقط المتعلقة بالشخصية الكوميدية، وكيف وظفها كتابنا ومبدعونا في المسرح وبخاصة في حقل المونودراما، وبالجزائر على وجه خاص.

 

الدكتور "دحو محمد أمين" من خريجي قسم الفنون بكلية الآداب و اللغات الفنون جامعة الجيلالي ليابس - سيدي بلعباس - حيث نال بها شهادة دكتوراه سنة 2016 تخصص نقد مسرحي عن موضوع ظاهرة المونودراما  في المسرح الجزائري - مقاربة سيميائية  لمونودراما المتمرد - .

حاليا يشغل منصب أستاذ محاضر بقسم الفنون كلية الآداب و اللغات جامعة أبي بكر بلقايد –تلمسان، كما أنه شارك في بعض الاعمال المسرحية كمسرحية دموع القمر، صديق الحيوان، المثل العجيب، بالإضافة إلى كونه مسؤول الاعلام و الاتصال في الأيام الوطنية للحلقة الشعبية.

أسلوب الكوميديا في المونودراما الجزائرية

يحدث الضحك تطهيرا على مستويين، اجتماعي و نفسي، فهو يجعلنا ننسى معاناتنا اليومية و نلقي بها بعيدا و لو بشكل مؤقت، كما أن الضحك يعد ملطفا لتيار الحقد، و الذي ما يكون بين أفراد المجتمع الواحد.

إن الضحك حالة تعبيرية تنتج عن طريق التنكيت، فهو "ظاهرة تجمع بين اللهو الحركة و اللعب، و قد يكون وسيلة لإطلاق طاقة نختزنها في داخلنا و ندخرها لمواجهة المواقف الجادة في الحياة، و نحن نطلق هذه الطاقة في صورة ضحك حين يتبين لنا أن الحياة ليست بهذه الجدية والخطورة ولا يلتزم لها هذا لتحفز والانفعال، فنضحك لأننا أخذنا المسائل بكل هذه الصرامة التي لا لزوم لها "، و من هنا يمكننا طرح التساؤلات التالية:

ما علاقة الضحك بالشخصية المسرحية و المونودرامية؟

و عن ماذا يعبر؟

 كيف كان تحليل علماء النفس لهذه الظاهرة؟

إذا ما تطرقنا إلى الشخصية الكوميدية نجدها تتميز بحركات و أسلوب مضحك، ذات مظهر خارجي ساخر من أجل إضحاك المتلقي، فالشخصيات المسرحية تردد العديد من المواقف، كضعف الشخصية، أو نقد المجتمع فتنبه المتلقي من الأخطاء الموجودة حوله، و لهذا "يقدم لنا الممثل أثناء أداءه للشخصية الكوميدية نموذجا واضحا من سخافات وحماقات رجل تعتبره الكوميديا موضوعا للسخرية، و حين يؤدي هذا الممثل دوره، فإنه يكشف للمتلقي عن هذا النموذج الذي تعود على وجوده في مجتمعه)، فالشخصية من خلال الكوميديا تنتقي صفات و أفعال شخوص يعيشون في المجتمع الواقعي، و بعد هذا تقوم بإضافة صبغة فنية و جمالية، فكتشف للمتلقي مجوعة نماذج تعيش معه في مجتمع واحد، و ذلك بلفت الانتباه عن طريق عرضها على خشبة المسرح، فالشخصية الكوميدية "تقوم دائما برفع القناع عن زيف الشخصيات التي تنطوي عليها عيوب معينة" فهناك شخصيات تنفر من سلوكها أفعالها، فتجسد الشخصية الكوميدية هذه السلوكيات، و لهذا هي "تبقي على مستوى الحياة اليومية، إنها تمنحنا بصائر ليس فيما يخص الأزمات المطلقة للحياة الإنسانية و أسمى الانفعالات المرفقة بها، لكنها، على أية حال بصائر في عمق سلوكيات و أساليب المجتمع و في نقاط الضعف الصغيرة و الأطوار الغريبة للسلوك الإنساني" .

فالشخصية الكوميدية تعرض لنا أفعال الخنوع من المجتمع و التي لا يقبلها الفرد، فتشرحها و تعرضها للتعرية، فتبعث نقاط الضعف و تعرضها للمتلقي، بطريقة مضحكة و غير مؤذية "فمن خلال تنويهها بالقبائح و العيوب و تمثيلها الناس أدنى مما هم عليه في الواقع، ترمي إلى إثارة السخرية و الضحك و تنبه للنقائص البشرية للاعوجاج فيها"، فكل شخص مهما كانت طبيعته يعاني من نقص وعجز تبينه لنا الشخصية الكوميدية بواسطة لغتها و حورها و سلوكها، ومن أجل إبراز ذلك يتطلب من الشخصية البراعة و الذكاء في تمثيل الشخصيات على المسرح، فتتقمص الدور الذي يندمج مع المتلقي. فليس من السهل أداء الكوميديا ما لم يقتنع الممثل بالشخصية التي يؤديها، فيجب أن يكون كل دور بما يناسب الشخصية، حتى لا يكون خلل أثناء التمثيل على الركح.

فالضحك ليس غاية في حده ذاته، وإنما وسيلة للتغيير الذي تهدف إليه الكوميديا بالدرجة الأولى، فالشخصية الكوميدية قوية بأفعالها الجادة، مهمتها متعة المتلقي من خلال طرح قضايا المجتمع و لهذا اهتم كتاب المونودراما الجزائريين بالشخصية الكوميدية و توظيف الفكاهة، لأنهم اعتبروا المتلقي الجانب الأساسي في العمل المونودرامي والأساس في تحريكه، فالمتلقي هو عبارة عن مجموعة من المشاهدين يضم مختلف فئات المجتمع، و له دور أساسي في نجاح أو فشل العرض المونودرامي، فإذا كان عرض الشخصية المونودرامية يتلاءم مع مشاعروأحاسيس المتلقي، فهذا يخلق اندماجا بينهما فعلى الكاتب الجزائري انتقاء أكثر " كلمات لها حظ في إضحاك الجمهور وتلك التجربة العادية التي أمكن بفضلها اكتشاف سيكولوجية الجمهور" فعلاقة الشخصية المونودرامية بالمتلقي علاقة وطيدة لا يمكن الفصل بينهما، لذا حرص الكتاب الجزائريون على إضافة ملامح وأشكال لشخصيتهم المونودرامية لتخلق لدينا ألوان ونبرات لم يتوقعها المتلقي، فيمكننا القول أن "الممثل بلا متفرج أشبه بطائرة على الأرض كل ما فيها على ما يرام، ويبد أنها تتحرك كأي سيارة، وعندما يدخل المتفرج المسرح، تنمو للممثل أجنحة و يحلق" ، فعلى الشخصية المونودرامية أن تثير انتباه المتلقي بأدائها لدورها و حركاتها و إيماءاتها، و تغير نبرة صوتها للفصل بين الشخصيات المستحضرة "وعلى الممثل في الكوميديات الحقيقية أن ينظر طويلا لكي يظفر بضحكة من الجمهور، وهو واثق من الحصول عليها ... و أن الجمهور سوف يضحك من موقف الصمت الذي التزمه الممثل إن صح التعيير ... وعلى الممثل أن يجعل نبرات صوته تهتز اهتزازا انفعاليا" ، الممثل في المونودراما يستخرج كل شحناته النفسية على شكل انفعالات تظهر على المستوى الفيزيولوجي من أجل إثارة المتلقي، فنجد مثلا "فلاق" أثناء خروجه إلى الجمهور يبدؤون بالضحك مباشرة و في كل المواقف التي يقدما في عمله المونودرامي، فيؤثر في نفسية المتلقي و يخرجه من الحالة الشعورية التي كانت تثقل كاهله.

يقول مارك كونللي: "إن المسرحية يجب أن تكون عملية نقل دم ناجحة بين الممثلين والمتفرجين، إذ لا يمكن أن تتاح فرصة النجاح لمسرحية، ما هذا الاتحاد بين الجانبين، و كلما كان الكاتب ماهرا في الفن .. كان من السهل على الجمهور أن يتشرب هذا الدم الجديد فيجري في عروقه هينا لينا "، فحسب هذا الرأي فإن نجاح أي عرض وخاصة المونودراما الجزائرية تتطلب الاتفاق بين الجمهور والشخصية المونودرامية الذي يعمد إليها الكاتب، و لهذا عمل العديد من كتاب المونودراما في الجزائر وعلى رأسهم "علولة" إلى لفت انتباه المتلقي من خلال تقديم حكايات من أوساط الشعب و كذا الخطاب السردي.

إن العلاقة الموجودة بين الشخصية المونودرامية والمتلقي عن صلة تكميلية، فعلى الكاتب في المونودراما أن يحسن انتقاء المواضيع التي تعبر عن بيئة المتلقي، و يقدمها بواسطة الشخصية المتفردة على المسرح، لذا نجد الكاتب الجزائري "يهدف إلى تسلية الجمهور، إلا أنه لا ينس أن يقدمه له الدرس الأخلاقي في إطار العلاقات الاجتماعية "، إضافة إلى استعمال المواقف المضحكة من أجل الترويح عن نفسية المتلقي.

و عليه فالكاتب والمخرج الجزائري في فن المونودراما كانت له مهمة ترك المتلقي يغوص في كلام الشخصية المونورامية دون الضغط عليه و إشعاره بالملل، و هذا من خلال قص الحكاية بصورة فنية وجمالية، فيبدأ المتلقي بصياغة هذه الحكاية وفق نظرته و خياله، فأثناء عرض الشخصية المونودرامية للعديد من المواقف " المشاهدون يتعرفون على أنفسهم و يتخذون مواقفهم "، فالكاتب الجزائري يغوص في أعماق مجتمعه فيستلهم منها شخصيته ومواضيعه، ليعرضها على المتلقي بصورتها الحقيقية لمواجهة المشاكل في الواقع المعاش.

و من هذا نجد الكاتب الجزائري ينتقي شخصيته المونودرامية من البيئة الاجتماعية فهو "يعرف قرائنه في المجتمع، وما كان عليه إلا أن يرتقب حركاتهم وسكناتهم، ثم يسجل أقوالهم وتعليقاتهم، وكذلك أقوال وتعليقات المحيطين بهم، ليصل إلى تصوير شخصية هزلية تثير الضحك في نفوس الجمهور الذي يطيب له دائما أن يجد في شخصية القصة انعكاسا حيا لما يراه كل يوم" .

لذا نجد العديد من الكتاب الجزائريين يحتكون بأشخاص من بيئتهم لمعرفة أسلوب عيشهم، ما يدفع بهم لخلق شخصيات تهكمية وهزلية كوميدية، تثير في المتلقي الضحك، و يضعونها بلهجتهم، فالمتلقي الجزائري "لا يقرأ النصوص المسرحية ولا يرتاد قاعات العرض إلا للتسلية و الترويح عن النفس"،و هذا راجع لمعاناة الشعب الجزائري، و مآسي الحرب و الظروف الصعبة، فأصبح همه الأول توفير الأمان و الراحة و لقمة العيش.

اهتم الكاتب الجزائري من خلال المونودراما إلى "دعم فكرة إشراك المتفرجين معهم في الاهتمام بالعرض"، فيقحم المتفرج في العرض المونودراما ويشارك فيه من خلال محاورة الممثل له، و بهذا يخرج من قوقعته و ينسيه معاناته ولو لوقت قصير، مشاركة المتلقي جاءت نتاج تأثر العديد من الكتاب الجزائريين "ببريخت" الذي يرى "بأن وظيفة المسرح المتمثلة في المعالجة النقدية للمشاكل الحياتية بغية تغييرها، هي السبيل لبلورة شكل درامي خاص يتلاءم والوضع الاجتماعي الناشئ ... "بريخت" بهذا لا يستخدم الكتابة الدرامية واسط بل يوجه مسرحه حيا لمشاهدة الأحياء" حيث نشاهد في غالبية المونودرامات الجزائرية هدم الجدار الرابع بين الممثل و المتلقي، فبعض المخرجين رأوها أفضل وسيلة للوصول للهدف، و لولا وجود المتلقي فلن يكون هناك لا نص ولا عرض و لا استمتاع.

و من هنا يمكننا القول أن الكتاب في الجزائر اعتمدوا على الكوميديا للوصول إلى قلب المتفرج وإرضائه، والتنويع في الشخصيات المونودرامية المطروحة، وذلك بتشخيص الواقع في قالب مونودرامي.