مهرجان دمشق المسرحي الدولي الخامس عشر 2010

أناس الليل .. لـباسم قهّار توليفةٌ كئيبة عن..ليلة القدر..للطاهر بن جلّون

أناس الليل .. لـباسم قهّار توليفةٌ كئيبة عن..ليلة القدر..للطاهر بن جلّون

2731 مشاهدة

              العرض المسرحي .. أناس الليل .. لـباسم قهّار 

              توليفةٌ كئيبة عن..ليلة القدر..للطاهر بن جلّون 

 

 قبل قرابة عشر سنوات تعرفت إلى الكاتب المغربي «الطاهر بن جلون» في «ليلة القدر» وقد عجبت كيف لم أعرف هذا الكاتب ذائع الصيت من قبل؛ فهو كاتب روائي من الصف الأول ليس في بلاده فحسب؛ بل في أوروبا كلها، وله مجموعة روايات منها «التعتيم الفاضح»، «أعناب مركب العذاب»، «تلك العتمة الباهرة»، «الرجل المحطم»، «صلاة الغائب»، «طفل الرمال»، «العنصرية كما شرحتها لابنتي»، «الكاتب العمومي»، «ليلة الغلطة»، وعلى اختلاف النقاد في تصنيف أدبه؛ في الأدب الفرنسي أو الأدب المغربي، فهو كاتب مغربي يكتب باللغة الفرنسية وكل أعماله الأدبية مترجمة إلى العربية، ويتناول فيها مأساة المجتمع والإنسان القابع في أرضه والمهاجر إلى بلاد الغربة، ويتسم أدبه بالشفافية والصدق كما يتسم بالغوص عميقاً في خبايا المجتمع والنفس الإنسانية، وربما كانت رواية «ليلة القدر» خير مثال على ذلك وهي بهذا استدرجت المخرج المسرحي "باسم قهار" للعمل عليها وإعدادها لتصبح نصاً مسرحياً يُقدم على خشبة المسرح، فماذا فعل "باسم" مع تلك الرواية عميقة الأحداث.

إن الرواية تتألف من اثنين وعشرين مقطعاً يحمل كل مقطع منها عنواناً خاصاً به كمدخل إلى أحداثه، ولم يكن "باسم قهار" الذي أعدَّ مسرحية «أناس الليل» عن رواية «ليلة القدر» للطاهر بن جلون منصفاً في إبراز تلك المقاطع الإثنين والعشرين؛ فقد ركز في العمل على بعضها، وهمّش آخر، وأسقط ثالثاً، وكأنه أراد أن يصنع عملاً جديداً من صنعه، ولم يحالفه الحظ في الهروب من شِباك أحداث "الطاهر بن جلون" المُغرية ليتنكر له مثلما نرى الكثير من الأعمال المسرحية في هذه الآونة التي تعتمد على أعمال أدبية فتغيِّر فيها لتقول بعد ذلك إن النص من إعدادها وتقديمها وإخراجها، فهنا يختلف الوضع؛ فليس بالإمكان الهروب من براثن "الطاهر بن جلون" الذي أشبع الرواية أحداثاً لا يمكن معها الالتفاف على النص.

ولأن المخرج "قهار" يُدرك قيمة المقاطع في الرواية، فقد قسم مسرحيته إلى مقاطع أيضاً ولكن بطريقة المسرح فجعل كل مقطع تدور أحداثه على الخشبة، لتتجمد الشخصيات بعد ذلك ويلتقط لها صورة بالضوء والصوت؛ فهو إذاً يُقدم مجموعة من (المقاطع - الصور).

ولأن العمل كُتب بالأصل روايةً أدبية فقد وجد قهّار صعوبة في تقديم الأحداث المختلفة التي غصت بها الرواية لاسيما مشهد الحمّام؛ فشتّان ما بين الوصف السردي الذي جاء في الرواية ومابين المشهد المسرحي الذي جاء في العرض، ولن يُدرك المشاهد صلة العلاقة بين القنصل وأخته وبين القنصل وراعيته إلا بالعودة إلى الرواية الأصل لتتضح أسباب كره أخت القنصل للفتاة وطردها من المنزل، وكذلك فإن هناك تقصيراً في مفهوم ذبح الدجاجة؛ ففي الرواية يأتي القنصل بدجاجتين ويتلذذ بمقدرته على ذبحهما، ولكن ربما غاب عن ذهن "قهّار" المفهوم البعيد لذلك؛ فجعله في العرض المسرحي يقوم بذبح دجاجة واحدة ويتألم لجرح يده بالسكين، وهو في الرواية لم يتألم بجرح يده؛ بل أخفى آلامه مفتخراً بأنه يذبح دجاجتين وهو الضرير الأعمى فلو أبصر كم دجاجة سوف يذبح بسكينه؟!.

ناهيك عن أن العمل كما قدمه "الطاهر بن جلون" هو قصة كفاح امرأة رفضت التبعية والعبودية للرجل، وإلى ذلك أشار الناقد الفرنسي «بيير لوبّان» في جريدة «لومونو» عن الرواية حين قال: (إنها روايةُ تعلمٍ صعبٍ وحنون، تناوُلٌ هو في الوقت نفسه قوي وحاسم لسعادة جشعة تتملكها حرية جديدة تماماً، نشيدُ عطفٍ جميل على شرف امرأة، تجدُ في ذاتها قوةَ إثباتِ وجودِها المستقل داخل مجتمع يحكمه الرجال، حتى ولو كان ثمنه هو العزلة).

إذاً هي قصة امرأة جبّارة حوّلها "قهّار" إلى امرأة مهزومة، حين جعل العرض يجري على لسان «الرجل» والدها في حين كانت الرواية كلها تجري على لسانها هي «المرأة»، إضافة إلى أن قراءة الرواية تجعلك في شعور دائم عنوانه التحدي ومواجهة الصعاب، في حين كان العرض كله يسير في ركاب الألم واجترار الأسى والقهر، فإلى أي مرارة كان يقود الجمهور "باسم قهّار"؟.

لن نستدعي التحليل النفسي لشرح الرؤية الإخراجية في العرض؛ بل سنأخذ على يد الفنانة "رائفة أحمد" التي ظلت واجمة مليئة بالغصص طوال العرض، وعلى يد الفنانة "فيحاء أبو حامد" التي قدّمت للعرض أكثر مما يستحق، وعلى يد الفنان "محمد ملص" الذي تخلّى من أجل العرض ولأول مرة عن توءمه «أحمد» وظهر وحيداً على الخشبة، مع تقدير كلّ من "عدنان عبد الجليل" و"حسام سكاف" و"طالب عزيزي" و"يمن الحموي".

 

بطاقة العرض:

عنوان العرض: «أناس الليل» عن رواية «ليلة القدر لــ«الطاهر بن جلون»

إعداد وإخراج: "باسم قهّار"

تمثيل: رائفة أحمد، عدنان عبد الجليل، فيحاء أبو حامد، حسام سكاف، محمد ملص، طالب عزيزي، يمن الحموي.

كريوغراف: رامي فرج

صوت: شادي رتا

مخرج مساعد: ضياء العيسمي

تصميم ديكور: وسام صبح

تصميم إعلان: زهير العربي

مكياج: هناء برماوي

تنفيذ إضاءة: إياد عبد المجيد
 
جريدة النهضة
الاثنين 17/1/2011

 Dr-arefe@scs-net.or

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية