قصة قصيرة

أوراق قدموسية  12 محمد عزوز

أوراق قدموسية 12 محمد عزوز

1525 مشاهدة

أوراق قدموسية
(12 )
الغبيط *

كنت أسمع هديره رغم المسافة التي تبعده عني في أيام الشتاء الكانونية، وأتقصد الصعود إلى سطح بيتي رغم غزارة المطر الهاطل، كي يقترب الصوت مني أكثر، صوت هدير النهر الذي لا تزداد سرعته ولا يعلو صوته إلا في هذه الأشهر من السنة، ليعود ويخفت تدريجياً حتى الإنعدام في أشهر الصيف.
أتذكر رحلات عبورنا له في الشتاء لغاية ما نقصدها في الجانب الآخر، وخوفنا من هديره القوي واتساع رقعة المياه فيه حيث تختفي الحواف الصخرية وتتماهى مع تيارات الماء المندفعة .
وأصدق وأنا أشهد زئيره هذا حادثتي الموت في أتونه اللتين رافقتا طفولتي، إحداهما غرق مكاري وبغلته في عبور مماثل بمعمعة الشتاء، شدهما التيار وما استطاعا فعل شيء حتى سقطا في غبيط عميق وواسع، فلقيا حتفهما معاً. وهي حادثة لم أرها، ولكني طالما سمعت والدي يرويها، وتزخرف له والدتي الحكاية كعادتها .
وثانيهما غرق الشاب حمدو في غبيط آخر، أغراه الغبيط بالسباحة، فخلع ثيابه وترك بقراته ترعى لوحدها بجواره، استمتع بالغطس نحو الأعمق، فعلق بصخوره في القاع، وما استطاع الإفلات، تفقده رعاة مجاورون له إثر اختفاء صوته وشرود بقراته، وجدوا ثيابه بجانب الغبيط وما وجدوا له أثراً، استغاثوا هلعاً، ووجده عابر يجيد الغطس عالقاً بين صخرتين في أسفل الغبيط .
حادثة شهدتها من بعيد، عندما كنت أساعد أمي في غسل البسط ( ج بساط ) في ذات النهر ربيعاً، وكانت وسيلتنا الوحيدة في غسل هذه القطع الكبيرة من مفروشات البيت، عندما تناهى إلى سمعنا صراخ وعويل، وعرفنا رغم المسافة التي تفصلنا عن مكان الحادث أنهم وجدوا حمدو غريقاً في الغبيط، وسمي الغبيط منذ ذلك التاريخ ( غبيط حمدو ( ..
دفعتني فضوليتي ذات صيف لاستكشافه، وقد قلت مياهه وركدت، كان مخيفاً وعميقاً ورائحة الموت لا تزال تنبعث منه ..

*
الغبيط : بركة عميقة في النهر محفورة في الصخر تنحدر إليها المياه من علٍ

محمد عزوز
قدموس

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية