قصة قصيرة

أوراق قدموسية  16 محمد عزوز

أوراق قدموسية 16 محمد عزوز

1474 مشاهدة

أوراق قدموسية

( 16 )

ميّا .. ميّا

كنا نركض وراءها وهي تجر أسمالها وتحمل في يدها صرة كبيرة لا يعرف لونها أو لون ثياب تهدلت من داخلها .. نركض ونصيح يا مجنونة يا ميّا .. تسب وتلعن وقد يفلت لسانها أكثر، أو تتناول من حصى الطريق وتحاول ضربنا، نبتعد قليلاً ثم نعاود ملاحقتها حتى يزجرنا أحد المارة فنتركها تكمل رحلة عبورها ..
كانت تمر بحارتنا كل بضعة أيام، يخاف منها الصغار فيختبئون، أما نحن وقد شب عودنا قليلاً، فنتحداها ونمد لها ألسنتنا ..
كل شيء في هيكلها العام متسخ، حتى شعرها ووجهها وفمها الذي تظهر على أطرافه آثار طعام تناولته قبل قليل من دكان أو بيت عطف عليها .
وذعرت عندما عاد والدي ذات صباح من خرابة السكماني ليقول :
-
 كانت ميّا نائمة في التنور ..
صعقت والدتي هي الأخرى :
 -
ياويلي ..!! في التنور .. كيف سنأكل الخبز .. ؟ لاشك أنها لوثت كل شيء فيه بقذاراتها ..
-
 اطمئني يا امرأة .. لم تلوث شيئاً ، كانت تنام في داخل موقده ، وجدته دافئاً والجو بارد، هل نسيت أنك خبزت البارحة مساء ً ..؟
لم تطمئن أمي، فخرجت مولولة، توجهت إلى التنور، لم يكن هناك أي أثر للقذارة، تهدم جزء من دائرته العلوية بسبب ضخامة جسمها .. كنت قد لحقت بها من باب الفضول، وجدتها وقد اطمأن بالها قليلاً، قالت لي :
 -
سأصلح ماخربته هذا اليوم، وعلى أبيك أن يدبر أمر إغلاق باب الخرابة بشكل محكم منذ الآن ..
لم تعش ميّا طويلاً بعد هذه الحادثة، افتقدناها .. سأل البعض عنها في قرى مجاورة، أكد بعض العابرين أنهم وجدوا ثيابها وأسمالها عالقة بالحرش المجاور لقريتها، وعرف الناس كل الناس حينها أن الضبع أكلت ميّا .. ولم تمنع الضبع ذاكرتنا من أن تنشط، ليعلن كل من عاصرها :
-
ميّا .. نعرفها .. كيف لانعرفها .. ؟ مجنونة أكلتها الضبع ، لكنها لم تكن تؤذي أحداً ..

محمد عزوز

من فصول السيرة الذاتية ( أنا والقدموس ذاكرة فقر ومواجع ) مخطوط بانتظار الطبع

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية