مهرجان المونودراما السابع 2013

أوراق قدموسية 18 محمد عزوز

أوراق قدموسية 18 محمد عزوز

1552 مشاهدة

أوراق قدموسية
(18)
الصاع صاعين

لم يكن (محمد زرقيني ) ولداً مشاكساً، وليس من عادتي اللعب معه، يصغرني بعدة سنوات، ويبعد بيتهم عن بيتنا مسافة، ولا أدري كيف انحشر بي وأنا أمارس بعض ألعابي البسيطة خلف بيتنا ...
...
اقترب من بعض ألعابي المعلقة بالحائط، بقايا أعشاب وتوالف معدنية و بلاستيكية .. بدأ يعبث بها فينزع تلك ويخرب الأخرى .. رجوته ألا يفعل فما ردعه رجائي .. استمر يخرب، فطار صوابي، شتمته وأسرعت إلى حجر صغير، تناولته، وقبل أن أضربه بها، ركض واختبأ في منزل مجاور، وقفت أنتظر خروجه والثورة تشتعل في داخلي ..
وفي الوقت الذي مد فيه رأسه ليتأكد من وجودي، جاءته الحجر المهيأة في يدي كالقدر، على عينه تماماً .. صرخ واقترب مني أكثر كي يثأر، يده على عينه والدم ينفر من بين أصابعه، فزع من منظر الدم فعدل عن ثأره وصار يركض صوب منزله .
خفت كثيراً، اختبأت، ثم وجدت نفسي أسرد القصة لوالديّ اللذين أسرعا للإطمئنان على صحة الولد، استقبلهما والده بالترحاب، تطلع كل منهما في وجه الآخر، كانا يستغربان كل هذا الترحيب من رجل أصابه ابنهم إصابة ربما أدت إلى عاهة مستديمة، ولم يكمل والدي اعتذاره عما حدث واستعداده للتكفل بنفقات العلاج، حتى بادره الرجل :
-
 لا أريد شيئاً منكما .. وشكراً على تفضلكما بهذه الزيارة، أنا أعرف ابنكما لو لم يؤذه ابني لما فعل ما فعل .. ثم أن عينه والحمد لله لم تتأذ، الإصابة حول العين، تمت معالجة الجرح وسيشفى قريباً إن شاء الله ..
-
 نأمل ذلك، ولكن افتراء ولدي محمد كان أكبر ..
 -
لا يا أبا عوض .. ما فعله ولدك ليس افتراء إنه ردة فعل على ما فعله ولدي، لقد اعترف لي بلسانه أنه خرب ألعاباً لولدكم .. رد عليه بحجر، إنه شكل من أشكال الرد القاسي ( الصاع صاعين ) ولدي يستحقه .
ثم نادى على زوجه كي تقدم واجب الضيافة لأبوي ..
عادا خجولين من كرم هذا الأب وحسن خلقه وتعامله، ليجداني قلقاً فزعاً من عواقب قد تنجم عن الحادث .. ذهلت وأنا أسمع جوابهما. وحملت منذ ذلك اليوم وداً لهذا الرجل الذي عرف كيف يكون حليماً وحكيماً في آن واحد .
ولم يصدف أن لعبت أو تشاجرت مع هذا الولد ثانية، ابتعد عن دروبي وصارت له دروبه الأخرى بعدما كبر، تنقل في جهات متعددة، وظل غير مشاكس باعتراف كل من عاشره أو عاش قريباً منه، بل على العكس كان بارد الأعصاب هادئها إلى درجة غير مقبولة.

محمد عزوز
من السيرة الذاتية ( أنا والقدموس ذاكرة فقر ومواجع ) بانتظار النشر

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية