مواضيع للحوار

الثقافة المزرعة..فؤاد معنا....

الثقافة المزرعة..فؤاد معنا....

1815 مشاهدة

 

الثقافة المزرعة

 

كاتب المقال : فؤاد معنّا

 

 

عندما تتحول الثقافة إلى "مساكب" ومصاطب مربوطة بخيوط يحرّكها أشخاص طبيعيون محددون ومستمرون تحت عنوان إدمان المسؤولية. لا بد ستتحول الحالة الثقافية إلى نوع من المزارع يتحكم بها أصحاب هذه المزارع.

الفساد.. هل هو العنوان الذي يمكن رفعه لتوصيف الحالة تلك.. نعم.. أُعلنَ الحربُ على الفساد.. وما زال الإعلان سارياً.. لا.. لم نشطّ عن موضوعنا فما زلنا نتحدّث عن الثقافة.. وبالتأكيد الفساد الثقافي..

فالثقافة.. يمكن اعتبارها.. حالة تفكير ونهج وقناعات يسير تحت بنودها الأشخاص الطبيعيون لينسحب ذلك على المجتمع.. دعونا نتّفق أولاً أن مفردات الثقافة ومطارحها عديدة تطال كلّ ما يمكن أن يراود العقل حتى ولو لم يتجلَّ بفعل، وحتى المنام يندرج تحت حالة الشخص الثقافية.. هذه يمكن اعتبارها المفردات الثقافية التي تؤدّي لتكوّن قناعة ما لدى الشخص الطبيعي وبالتالي التصرّف حسب هذه القناعة.. وسلوكه الذي ينسحب تحت قناعته يمكن توصيفه بوعائه الثقافي..  وعلى هذا ما هي مظاهر الحالة الثقافة لدينا الآن!!.. أو لنقل على مستوى شبابنا؟!..

-    قبول كلّ ما هو ثقافي وافد من قبل شبابنا.. وهذا يبنى على رفض الواقع الثقافي الذي أولجوهم فيه قسراً.. فالثقافة لا تفرض.. لأنها دائماً نتاج طبيعي لمجتمع يتصرف ويفكّر بشكل طبيعي.. فهل أصحاب الرقابة الثقافية يسمحون لشبابنا بذلك؟!..

-    قبول كلّ ثقافة تحرك الجسد دون العقل والتفكير.. نتيجة طبيعية أمام العديد من السدود التي يضعها أصحاب المزارع الثقافية أمام الفكر.. والأنكى أن تلك السدود في معظمها شخصية لا تبنى على أية موضوعية ولا تستند إلى أية قوانين بل يمكن أن تبنى على المحسوبيات والقناعات الشخصية الناتجة عن فساد في الثقافة.. وبالتالي لا يجد هذا الشباب وسيلة ثابتة مستندة الى نصوص قانونية واضحة للتواصل مع نمطية الخيوط الثقافية المستندة لأصابع سحرة ومشعوذين تحركّها حسب الطقوس النفسية والشخصية.

-    سيادة حالة اللامبالاة لدى شبابنا بكل ما يحدث حولهم.. ناتج عن مللهم من الروتين في نمطية الخطاب الثقافي.. الذي دأب أصحابه لجعله يؤمّن مصالحهم الشخصية وإلى الجحيم المجتمع وفكر المجتمع والحالة الثقافية.

-    فقدان الإقدام والمبادرة وبالتالي معظم تصرفات شبابنا تدلّ على حالة لا وعي مسيطرة.. وذلك ناتج عن عدم أخذ أفكارهم بعين الاعتبار وبالتالي ركنهم من قبل الأوصياء على الثقافة.. فقد وصل شبابنا إلى قناعة مفادها "عوجه" وهذه ثقافة فرضها أصحاب المزارع الثقافية.

-    الأوصياء على الثقافة لدينا.. تسمع وتقرأ خطاباتهم الثقافية عبر وسائل الإعلام.. فتظن إوزة الثقافة ستبيض غداً.. وما تزال تنتظر.. وتبقى الإوزة تبيض في جيوبهم فقط.. هذه الحالة أمست واضحة لمعظم شبابنا.. فوصلوا للمكان الذي جعلهم لا يثقون بأيّ خطاب ثقافي.. وتلك مشكلة لا يصحّ معها حتى آخر علاج عند العرب.. فالكي بات لا ينفع.. ولا مناص من البتر..

-    ... ... يمكننا تعداد الكثير من حالات الأمراض الثقافية التي نتجت عن رقابتهم المسبقة.. لكن أظنّ معظمكم يعرفها.. وأظنّ معظمكم أكيد من أن الحالة الصحيّة لأيّ مجتمع تبدأ من حالته الثقافية..

يبدو أن الأوصياء على الثقافة لم ينتبهوا بعد أن الفضائيات قد غزت جميع بيوتنا من الداخل حتى مخادعنا.. أو هم يعرفون.. وأنا مع الاحتمال الثاني.. ولأنني مع الاحتمال الثاني.. أسأل نفسي: لمَ تستمر هذه الوصاية وبهذا الشكل المدمّر لكلّ ثقافة يمكن أن ينتجها مجتمعنا تكون خاصة به ونابعة من فكرة وتنسجم مع عاداته وتقاليده..  ها.. ربّما من يقول أنني أخطأت.. فعبارة تنسجم مع عاداته وتقاليده تعطي الحق للبعض بالرقابة على الثقافة.. لا أيها السادة.. لايحافظ على ثقافة مجتمع وتراثه إلاّ المجتمع ذاته بمجموعه لا ببعض الأشخاص المعدودين.. فالنسبة الغالبة في أي مجتمع تحمل في بذورها مبادئ وقيم وتراث هذا المجتمع.. ولا يمكن لأحد في الكون أن يقول: أنا أعبر عن المجتمع.. والمجتمع دائماً يعبّر بنسبته الغالبة عن أصالته وتراثه.. والثقافة نتاج مجتمع وليست نتاج عدد من الأشخاص..

وربّ قائل يقول: المفروض أن نراقب توجّهات وتفكير الشعب لأن هجمة العولمة ستحرق وستدمّر ثقافتنا إذا لم نكن يقظين لذلك..

نعم أيها القائل.. هذه الهجمة ستدمر ما بقي من ثقافتنا.. لكنها ستدمر ما احتفظ به الشعب في شرايين أدمغته إن استمريتم بخطابكم الثقافي الذي دمّر ثقافتنا وما زال يقدّم خدماته مجاناً ويقدّم شبابنا على مذابح العولمه.

أيها القائل: من قال لكَ أنّك غيور على الوطن أكثر من معظم شعبه.. فهذا الوطن الذي استمر لعشرات الآلاف من السنين لم يستمر بمقولة كمقولتك.. بل بالنسبة الغالبة من أفراد مجتمعه.

هؤلاء الذين أنيطت بهم العمليّة الثقافية فقد باتوا في أحسن حالاتهم يعتمدون القوالب الجاهزة، ودائماً يروّجون لبضاعتهم المستوردة على أنّها روائع عالميّة. فإن كانت الثقافة والفن تعنيان فقط بعرض عضلات المحنطين فقد كتبتا قدر موتهما. حتّى الإله كان يعدّل في المفاهيم بين نبيٍ وآخر، كي لا توصف تعاليمه بالعقم، الديانتان "الزرادشتيه واليهودية" اللتان وقفتا ضدّ تجدد الروح والمظهر باتتا عقيمتين. فكيف نعتبر نواميس البشر تسري في جميع الأمكنة والأزمان.

ماذا لو أنّ الشمس تعود من حيث تغيب كلّ مرّة! هل يكون بعد ذلك في شروقها أيّ معنى للخلق والارتقاء؟ لكن دائماً وأبداً لا تعطي الأوعية إلاّ بما تمتلئ به، ولا "الجُوَر" تتقيأ إلاّ بما تعفّن بها، فهؤلاء المتربعون على أصنام قوالب الثقافة والفن قد تمّ انتقاؤهم على نفس الأسس التي ركب فيها كلّ المرتزقة الأماكن الكثيرة الأخرى. لكنّ البلاء والداء هنا أعظم، لأنّهم المخوّلون بالضغط على قابس قرص الشمس كلّ صباح، لأنّهم المخوّلون بإمطار الغيم غيثاً، لأنّهم المخوّلون بإنبات صحارى العقول.

وعلى موائد المسؤوليّة تقيّم الثقافة والمثقفون، حسب ألوان الطعام وحسب ما يسهل هضمه أو يعسر شخصيّاً، فإن كان هضمك عسيراً جعلوا مكانك تحت أرجل الطاولة، وإن كنتَ ممّن تشتهيك كروشهم وُفقت بالجلوس على الطاولة إلى الانتهاء من الطبق الذي يحويك، ويبدأ البحث عن طبق آخر أشهى وألذّ.

"فويلٌ لأمّة تنصّب أعلام ثقافتها حسب ما تشتهي بطون ومتون أوصياء ثقافتها"

من أعطاكم الحق بكمّ الأفواه والحجر على الأقلام كما تشتهون، من خوّلكم إعطاء الرخص للكتابة والثقافة، وهي طيورٌ لا تعترف بأبواب لمنافذ الحريّة لديها.

طبعاً أيّها الوطن الغالي هؤلاء لا يعلمون كم نحبّك كم نعشقك، هم لا يفهمون معنى عبادتنا لمساحات روحك.. لكلٍّ منهم نبيّ واحدٌ فكيف سيفهمون عشقنا..

لا يدرون أننا نهتدي من آلاف الأنبياء فقط لكي نحبك..

موائد عشقنا أيها الوطن الغالي جمالك الزاهر على قدر مساحة وجودك ومسافة روحك..

وموائدهم تعنى بجسدكَ فقط ،لأنّهم لا يفهمون لغة أخرى.

لكن يا من تربّعتم على عرش الثقافة التي لا تعترف بعرش لها..

كلّما سخّرتم النواقيس والمآذن كلّما أسفرتم عن انتهازيّتكم..

اعلموا أنّ الثقافة نبع إنساني مطلق فلا تحاولوا قوننتها..

لا تحكموا مسبقاً فالأحكام المسبقة جائرة مهما كانت فحواها..

دعوا النور يحكم على الكلمة، فقد ابتدأ الله بها..

من أنتم؟؟..

لِمَ تمتلئ بنا الدنيا ونحن إلى زوال؟

لِمَ نمجّد ولادة الجسد والموت لـه أبقى؟

لِمَ لا نمجّد الروح التي لا تفنى؟

لِمَ نقضي عمرنا نفتّش عن الفناء دون أن نضع لبنة واحدة في صرح الخلود؟

لِمَ تحبل الساعات بالأمكنة والحجارة ، وتسقط عن عقاربها المعاني؟

لِمَ لا نسلّم بالعشق مطرحاً للفضيلة والشموخ..

لِمَ.. لِمَ.. لِمَ.. لِمَ.. لِمَ..

لِمَ.. لا يسلّمون أيّها الوطن الغالي..

أنّ قدر حبّك من البديهيّات التي لا تقبل المساومة ولا الجدل..

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية