مواضيع للحوار

الحصاد محاولة الارتكان للتراث العالمي

الحصاد محاولة الارتكان للتراث العالمي

900 مشاهدة

الحصاد محاولة الارتكان للتراث العالمي

مجلة الفنون المسرحية

محمد النجار - جريدة مسرحنا

علي خشبة مسرح أوبرا ملك بالقاهرة وضمن فعاليات المهرجان الختامي لنوادي المسرح في نسخته السابعة والعشرين قدم فريق نادي مسرح سوهاج العرض المسرحي "الحصاد" والذي أثار جدلا مستحبا بين أوساط المتفرجين بدءا من الإعلان عنه في جدول المهرجان وحتي قبيل بدء العرض على خشبة المسرح ذلك أنه بداية عرض مسرحي قادم من صعيد مصر ويحمل توقيع فتاة (مؤلفا ومخرجا) – (رضوى محمود) – بل ومصممة للكريوجراف – (مروة محمود) – وفي هذا سعي نراه محمودا لتقلد المرأة في الصعيد وفي "مصر" بأثرها مكانة تستحقها في خريطة الإبداع المسرحي لأبناء الجنوب وبالعودة لاسم العرض ( الحصاد ) وبلد المنشأ ( سوهاج ) نجدنا بشكل فطري كونا أفقا لتوقع دلالات العرض المسرحي واطروحته الا ان كل التوقعات التي تم رسمها بخصوص العرض ذهبت سدي ذلك انه كالمعروف والمعتاد في تجارب  نوادي المسرح انها تجارب تحاول الخروج عن المألوف والمعتاد وتعلن بشكل اساسي عن اعتناق الحرية المطلقة في الطرح والاطروحة وبالعودة الي لحظات بدء العرض المسرحي ( الحصاد ) لنادي مسرح ( سوهاج ) والذي احتلت فيه المرأة مركز الصدارة والقيادة بل وتغلغل دورها ايضا علي مستوي التشخيص والتجسيد نجد اننا امام عرض مسرح مختلف ذلك اننا امام تكوين صخري يشبه الكهف طوال فترة التشخيص كاطار عام أطر الرؤية زمانا ومكانا تشكيلياً وافتراضيا وان تم الانتقال بالزمان والمكان باختلاف البؤر سواء كانت هذه البؤر ضوئية او بأجساد الممثلين وحركة الكريوجراف والميزانسين فهو بالتبعية عرض بدأ من الكهف وعاد الي الكهف في شكل جلي واحتلت خشبة المسرح للعديد من الطاقات التشخيصية الحركية وتراجع الحوار المنطوق والملفوظ في اغلب لحظات العرض لدرجة اقرب الي الاختفاء لتحتل مكانه الحركة للتعبير عن الطرح الفكري والذي احتوي زخما وجوديا بطبيعة الحال ناتج عن الصراع الأبدي والمكرر بين الأبيض والأسود بثنائية الخير والشر التي احتلت فراغ خشبة المسرح طوال الوقت لتعلن عن أفكار مقولبة ومعلبة عن صراع الإنسان مع الآخر والسعي إلى الوصول إلى الأنا والأنا المثالية والابتعاد عن دلالات الانسحاق في الصراعات الايدلوجية العديدة في الوقت الراهن والتي لم ينج منها أحد سواء من تمسك بمبادئه أو تخلى عنها على السواء .

جاء العرض رافضا الاستعانة بالتراث الزاخر والمتجدد لصعيد مصر ومعارضا ومشاكسا للرؤي الإبداعية العالمية المنشأ والتأثير بشكل راقص اقترب من فن الباليه حينا ومن التعبير الحركي في كل الأحيان ليعلن العرض عن ممثلة ومخرجة ومؤلفة مهمومة بقضايا وجودية مجردة أكثر من اهتمامها بقضايا الأصالة والتفرد بالانغماس في التراث المحلي فرأت بالضرورة أن الارتكان للتراث العالمي سيحقق لها رؤية الحقيقة بشكل أوضح وقول ما قد ينوء عن قوله وحمله الثقافة المحلية والإقليمية فاتجهت إلى قراءة ورؤية ثقافات الآخر وسماع موسيقاهم فاستفادت من درة الكلاسيكيات العالمية لفن البالية ( بحيرة البجع ) وأحال الصراع بين الفتاة مرتدية الملابس السوداء والفتاة مرتدية الملابس البيضاء إلى الصراع الأشهر في بحيرة البجع بين ( أوديت وأوديل ) واللافت للانتباه هو الاجتهاد الكبير الذي قامت به  أغلب الممثلات ( تحديدا ) في الإمساك بإيقاع النغم والحركة على الرغم  من ابتعادهم عن طبيعة هذه الأدوار ( ماديا ونفسيا ) فاهتمت  الكروجراف بتشكيلات اقتربت من تشكيلات الكورد باليه مع رقصات فردية وثنائية لصاحبات الرداء الأسود والأبيض.

هم مجموعة من الرجال والنساء في اللامكان يسعون إلى العمل والجد والاجتهاد لتوفير سبل العيش الكريم بالعمل ومع اقتراب الآخر ودعوته إليهم بالتكاسل والتراخي شرط سلبهم سبل الحياة وتحويلهم إلى تابعين له لا لغيره مع توفير الطعام لكل فم فرضخ البسطاء لسلب أدواتهم التي بها يكدون  ويشتغلون ليأكلوا وانتظروا المنح والعطايا من الآخر حتى إذا حاول أحدهم أن يبصرهم بخطأ تكاسلهم نهروه ولفظوه وسلبوه حياته وملابسهم فولد هذا الساعي إلى إنقاذ ذويه كطاغية ينكل بهم وسعى لاستقطاب الباليرينا ذات الرداء الأبيض وعذبها وحاول جعلها تابعه له لا للآخر المستبد بعد أن تحول هو الآخر إلى آخر وارتدي ملابسهم حتى جاء المدد والعون من الصالة بذاك الشاب المقنع الذي ما أن حاول إنقاذ فتاته ذات الملابس البيضاء ونجح تقريبا تظهر الباليرينا  ذات الملابس السوداء لتغويه فاغتوى واستقطبه فاستقطب وأصبح المقنع تابعا هو الآخر للآخر المستبعد وأهملت الفتاة البيضاء كل تلك الأحداث جسدت وشخصت بشكل حركي وعلق عليها تباعا رجل يجلس في كهفه معتنقا اليوجا منهجا مرتديا ملابس بيضاء ملمحا ويحاول أن يتعلم منه شاب دهن وجهه باللون الأسود والنص الثاني باللون الأسود ليتأرجح الشاب بين هذا وذلك وتعلن الأفكار الوجودية والأيديولوجية بشكل سردي مباشر عن طريقهم بشكل مدرسي معلنا عن الهشيم المتأرجح بين هذا وذاك وطارحا الفرضية الأكثر جدلا : هل التخلي عن الثقافة المحلية والانقياد للشكل الغربي مضمونا وفكرا هو الانسب؟

أم محاولة تطوير الخطاب المحلي للوصول إلى صيغة عالمية التأثير هو الأصلح ؟