مهرجانات منوعة من العالم العربي

الخصوصية الثقافية في المسرح الأفريقي

الخصوصية الثقافية في المسرح الأفريقي

2403 مشاهدة

 

الخصوصية الثقافية في المسرح الأفريقي

ملحق  ثقافي
3/11/2009

د.علي محمد سليمان

 "هربرت دلومو  Herbert Dhlomo 1903-1956 مثقف و كاتب مسرحي من  جنوب أفريقيا ينتمي إلى حضارة و قبائل الزولو  Zulu

كتب "دلومو"  العديد من المسرحيات التي يقدر عددها ب/24/ و لكن لم يصل منها بشكل نصوص كاملة سوى/9/نصوص. كما كتب العديد من الدراسات و المقالات التي ضمنها رؤيته لطبيعة "المسرح  الأفريقي" و الأساليب "الدراماتورجية" التي يجب توظيفها من أجل إنتاج مسرح يقوم  جمالياً على الخصوصية الثقافية الأفريقية. و لقد دعا "دلومو" في تنظيراته إلى أفرقة  المسرح من خلال إدخال عناصر جمالية و ثقافية و مسرحية أفريقية على شكل العرض  المسرحي الأوربي بهدف الوصول إلى مسرح و دراما تعبران عن الإنسان الأفريقي و عن  حساسيته الفنية التي تختلف جوهرياً عن الحساسية الفنية التي يعبر عنها المسرح  الأوربي.‏

 الفكرة الرئيسة  في نظرية "دلومو" المسرحية ظهرت في مقالته "الأفريقي والمسرح". على المستوى الثقافي  تتصدى هذه المقالة لما يسميه "دلومو" التعليم الإستعماري الذي روج لفكرة أن العرق  الأفريقي لا يعرف المسرح في ثقافته التقليدية.‏

يبدأ "دلومو"  مقالته بتحديد السمات الجوهرية للمسرح الأفريقي: فعل، إيقاع، مشاعر، إيماء، محاكاة  و رغبة.و يعتبر "دلومو" أن هذه العناصر الستة تشكل جوهر الدراما قبل أن تتحول إلى  مؤسسة للدعاية و ترويج الأفكار أو التسلية و الترفيه التجاري. و يحاول "دلومو" من  خلال تحديد العناصر الجوهرية للدراما أن ينقد جماليات الدراما الأوربية و أن يرد  على النظرة الغربية بأن الأفارقة لم يعرفوا شكلاً متطوراً من المسرح. فهو يؤكد أن  تلك العناصر الستة هي موجودة و أساسية في ثقافة و حياة الأفريقي. ليس هناك عرق أو  قومية لم تعرف شكلاً من التقاليد الدرامية القبلية. و حسب "دلومو"، ليس صحيحاً أن  الثقافة الأفريقية لم تعرف أشكالاً مسرحية، بل أن المسرح الغربي هو الذي فقد الجوهر  الأصلي للمسرح و تحول إلى مؤسسة لترويج الأفكار أو الترفيه.‏

 إن تحديد "دلومو"  لجوهر الدراما من وجهة نظر أفريقية و نقده للنموذج الدرامي الغربي يقوم على أساس  نظري هو توسيع مفهوم المسرح ليتجاوز تقاليد و جماليات المسرح الأوربي، و خصوصاً ذلك  المفهوم الذي يعتبر الحوار و اللغة المكونين الدلاليين الرئيسين في الدراما. و من  هنا يمكن إعتبار نظرية "دلومو" في المسرح سعى للابتعاد عن الحوار كمكون أساس في  الدراما نحو التأكيد على العناصر و المكونات غير الشفهية "الكلامية و اللغوية". و  هذا يقود بالتالي إلى التقليل من الطبيعة الأدبية للنص الدرامي.‏

رغم أن "هربرت  دلومو" يؤكد على الخصوصية الثقافية للمسرح الأفريقي و ينقد النموذج الأوربي، إلا أنه  لا يدعو إلى إنتاج مسرح أفريقي خالص بالاعتماد فقط على أشكال الفرجة في التراث  الأفريقي. إنه يدعو في الحقيقة إلى أفرقة المسرح، أي إلى توظيف عناصر مسرحية و  جمالية من الثقافة الأفريقية في شكل المسرح الغربي المتطور للوصول إلى مسرح يعبر عن  التبادل الثقافي بين النموذجين بشكل يظهر الشخصية الأفريقية سياسياً و ثقافياً.‏

الإيقاع و  المسرح الأفريقي:‏

المفهوم الرئيس  الذي يعتمده "دلومو" في تنظيره لدراما أفريقية أصيلة هو "الإيقاع". إن عنصر "الإيقاع" يجب  أن يكون العنصر الأساسي في البنية الدرامية و الأسلوب المسرحي. "الإيقاع" خاصية  جوهرية في الثقافة الأفريقية و السلوك الإنساني في هذه الثقافة. و "الإيقاع" بالنسبة  "لدلومو" ليس خاصية فيزيائية فقط تتجسد من خلال الإيماءة العنيفة، الفعل أو الأسلوبية  الموسيقية مثلاً، بل هو بالإضافة إلى ذلك موقف من الأشياء و العالم و طريقة خاصة  بالنظر إلى الحياة. و هنا ينظر "هربرت دلومو" إلى "الإيقاع" على أنه خاصية ثقافية. و هو  يشرح ذلك بقوله: "الإيقاع هو في الأساس أفريقي. لقد كان الأفريقي القبلي دائماً تحت  سيطرة قوية للأسلوب. هناك أسلوب محتذى في السلوك، أسلوب محتذى في العمارة، أو  الزراعة. لقد كان للخضوع للأسلوب المحتذى سلبيات بالتأكيد لكنه أدى إلى ولادة حس  قوي "بالإيقاع" و حب له عند الأفريقي. هذا الإحساس "بالإيقاع" نجده حتى في حركة الناس  القبليين. و بنفس القوة نجد "الإيقاع" في الموسيقى الأفريقية و فنون الرقص القبلي. و  يمكن القول في الحقيقة أن أعظم إنجاز فني لأفريقيا هو "الإيقاع".‏ 

العناصر  الجمالية و الدلالية في المسرح الأفريقي:‏

في تنظيراته و  دعوته لإبداع مسرح أفريقي يوظف الأشكال المسرحية الغربية و الأفريقية التقليدية،  بنى "هربرت دلومو" نظريته على أسس جمالية. و هو يجمل الخصائص الجمالية و الدلالية  للمسرح الأفريقي بالنقاط التالية:‏ 

أشكال العرض و  الفرجة في الثقافة الأفريقية لها وظيفة سحرية - دينية و هي جزء عضوي من حياة الناس . الوظيفة التعليمية المعروفة في المسرح الأوربي غائبة تماماً عن هذه الأشكال  الأفريقية.‏

الدراما القبلية  هي دائماً قومية، بمعنى أنها تعبر عن الجماعة بكل تنوع طبقاتها. الدراما القبلية  توفر الفرصة لتشجيع و إيقاظ المواهب الفنية في كل مجالات الفنون.‏

العروض  الأفريقية تنمي خصوصاً فن التمثيل. في هذه العروض يستخدم الناس طاقاتهم في  المحاكاة، المشاعر والأحاسيس، الإيماء و التقليد. تستخدم هذه العروض تزيين الجسد و  الوجه كمقابل للمكياج و الأزياء في المسرح الغربي. الوجوه تطلى بالألوان أزياء من  جلد الحيوانات، زينة من الحلقات والعقود و الأحزمة. كل هذا يوظف في العرض.‏

الجمهور في  المسرح الأفريقي يتمتع بصفة المشاركة في العرض على العكس من المسرح الغربي.‏

على العكس من  الديكورات و المشهدية الاصطناعية في المسرح الغربي، يستخدم المسرح الأفريقي و يوظف  المحيط الطبيعي كخلفية أو ديكور. عوامل الطقس قد تستخدم بشكل مقصود في العرض. و حتى  أحاسيس الممثل تلقى عناية خاصة من خلال إستخدام أعشاب و مستحضرات طبيعية تثير  رائحتها إنفعالات ما عند الممثل. على المستوى الوجودي يحتل الإيمان بالتبعية للطوطم  أو الزعيم مكاناً خاصاً في المسرح الأفريقي التقليدي.‏

 

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية