قالت الصحف

الكذب والحقيقة في لقاء عابر أحمد خميس

الكذب والحقيقة في لقاء عابر أحمد خميس

747 مشاهدة

الكذب والحقيقة في لقاء عابر  أحمد خميس

مسرحية «صباح ومسا» من المغرب

المصدر: موقع الخشبة

هي حكاية مبنية من رحم لقاء عابر بين امرأة أفسدها الكذب المتتالي

ورجل ضائع يعيش علي إبتكار أحداث ومواقف كي يحيا بين الوحوش

 البشرية .

يقابلها علي قارعة الطريق ولما كان التسكع هو العامل المشترك فأننا نحيا معهما تجربة حية تغوص في قلب المعاناة الإنسانية التي يحياها المهمشون بروح المغامر الذي بستكشف ويتذوق بدون أفق توقع، من هنا جاءت اللعبة التي قدمت بفضاء التياترو العرض مغربي تأليف غنام غنام  المسرحي الفلسطيني الأردني المعروف وإخراج عبد الجبار خمران والتمثيل لرجاء خرماز وتوفيق إزديو موسيقي زكريا حدوشي وسينوغرافيا يوسف

العرقوبي.

ما جذبني ومعظم مشاهدي العرض المسرحي ذلك الإشتغال الفائق علي الدفقات الإيقاعية الحية والتي إمتاز بها التناول وتنوع فنون الأداء عند الممثل والممثلة مع الموسيقي التي يبدو أنها جاءت بعد إشتغال كبير مع فريق العمل أثناء البروفات فلا يمكن تصور أن تلك الأغاني وذلك التعبير الموسيقي المرعب قد أعد قبل بداية اللعبة الدرامية فالخلق هنا مبتكر وذات شخصية فاعلة في الفعل الدرامي.

المسرح فارغ تماما إلا من أريكة على يسار المتلقي تحيلنا للحديقة التي يدور فيها الحدث الدرامي وذلك اللقاء العابر الذي يتحول لإرتباط المصائر عبر حاكايات ملفقة تتحول لإرتياح نفسي ورغبة في إكترار الذكريات ثم حب ينشأ رويدا رويدا حين يتلمس كل منهما روح الأخر ويكتشف كم عاش مأساة حقيقية، وبما أن السينوغرافيا في هذه الحالة تتماهي مع فكرة اللعب الدرامي فقد تركت المساحات الخالية كي تعطي مساحة خاصة لتلك الدفقات الحركية التي إمتاز بها الممثلون والتي أعطت إحساس الحيوية والكوميديا في بعض المواقف المكونة للحكايات والاحداث وحتي لحظات الإضاءة جاءت بحساسية الفضح كون السينوغراف قد وعي بقوة اللعبة الدرامية وتجاوب مع مكونها الجمالي اللافت، أما إستخدام بعض العرائس التي صاحبت ذلك المتسكع فقد أضفت روح عزلة الإنسان وتكوره حول نفسه حين يفضل الحديث مع عرائس بلاستيكية عن البشر الذين بالضرورة يرفضونه بالكامل فهو بالنسبة للأخرين شيء يرجي التخلص من وجوده المتعين

قد يتصور المتلقي أنها حكاية تقليدية تقوم علي بناء معاد وقصص يقابلها

الناس كل يوم ولكن جمال الموضوع هنا جاء من خلال كسر افق التوقع

فلن تعرف حدود الفصل بين الحقيقي والوهمي إلا في حال إنتهاء اللعبة نفسها، وهنا نكتشف قدرة المخرج مصمم الحركة والذي أراد لعمله أن يكون حيا يوافق تلك الأرواح التي ترجو الطيران والهروب وظني أنه استدعى المعد الموسيقي ليعيش تلك الحالات والاحلام والكذب والتضليل كي يحيا

نفس القضايا ويغوص في نفس الأفكار والمواقف ومن هنا جاء لقاء

الاغنية والموسيقي بالعرض كمعزوفة لا يمكن فصل أجزائها كون ذلك

سيخل بالمنجز الجمالي وحالاته المتدفقة، ويأتي الأداء التمثيلي متوجا لروح العمل من خلال رجاء خرماز وتوفيق ازديو اللذين امتلكا ناصية الجمال من خلال تنوع سريع بين المواقف وقدرة فائقة علي الخلط بين الوهمي والحقيقي من خلال إطار واقعي يتناول الشخصية من الداخل فيطرح مأساتها ويغوص في أحلامها ومواقفها وحتي الحالات الكوميدية التي كانت تطرحها الشخصية الدرامية جاءت محسوبة تماما بمقاس الشخصية التي تتهكم كي تعرف كيف تعيش وسط تلك البشاعة الاجتماعية الضاغطة، وقد نجح المخرج في أن يضع الممثلان علي شريط قطار الحكاية التي تخلط بين المأساة والملهاة في عمل واحد.

هكذا يلعب غنام غنام وهكذا يمرر أفكار درامية ذات بناء يتكئ علي اللعبة في المرور لمأساة الحياة فمن خلال أطر جمالية تبدو من الخارج بسيطة

التكوين يمكن الكشف عن الحياة القاسية التي يعيشها المهمشون على قارعة الطريق ومن خلال السرد الشيق يمكن للمتلقي أن يمر لفلسفة التناول ويعيش موضوعات لا تقدم الحقيقة كما هي وإنما بطريقة جمالية تغلف المعني الباطن وتضع له التوابل اللازمة كي يبقي في خيال المتلقي، فرغم ان مقابلة متسكع ومتسكعة أمر طالما قابلناه في الدراما التي تتناول موضوعات قريبة إلا أن المؤلف هنا يراهن دائما وكما أشرت من قبل علي أهمية أن تعيش حكاية مغايرة وتقف عند ناصية اللاتوقع إذ أن السؤال الذي أستمر مع الحدث هل ما يتم سرده هنا في المواقف حقيقي أو كذب ؟ لقد بدا لي ذلك العرض ككذب جميل يدور حول الحقيقة ويطرحها بمرجعية مسرحية

 ممتعة.