مواضيع للحوار

النيئ والمطبوخ في العرض المسرحي

النيئ والمطبوخ في العرض المسرحي

1134 مشاهدة


النيئ والمطبوخ في العرض المسرحي

 د. جبار خماط

 

FAWANESALMASRAH

 

الفوانيس المسرحية

  العرض المسرحي خلاصة حضارة، تقوم وتقعد بحسب ألقها ونموها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، هذا النسق الثقافي المضمر والظاهر، يتجلى في سلوكيات الصورة المسرحية داخل العرض التي تهتف بحضورها وتاثيرها الفكري والوجداني، لأنه يتطور في وعينا أثناء التلقي، فيتحول من خبرة مرنة خارج وعينا لها وجودها المستقل على الخشبة، إلى ثقافة متحركة تحدد سلوكيات حضورنا الاجتماعي مستقبلا، نعم، العرض المسرحي بإمكانه رسم خارطة الشعوب اذا تراكمت اشكاله وافكاره في طرقات وعينا الذهني .

وماذكره ( كلود ليفي شتراوس ) حول علاقة سلوكيات الشعوب وبناء قيمها حضاريا، منها النيء حضاريا وهو ما يختص بالشعوب الشرقية او الاسيوية، ومنها المطبوخ مثل ما نجده لدى الاوربيين الذي لا يؤمنون باللامرئي، لأنه غير قابل للتطبيق ، وتبعاً لهذا التصور، نجد عروضهم المسرحية، محض خبرات يومية تداولية لها القدرة على استثمار المجاور من الاشياء والافكار بحرية وضبط علمي، يتناسب مع التراكم العلمي الذي وصل إلى مرحلة النضج، بحيث أصبح الفكر مرادفا للتكنولوجي في اشتغاله وتاثيره .

إن المسافة الجمالية التي تشتغل عليها العروض الأوربية والامريكية، لاتقف طويلاً أمام فرضية مطابقة الشكل والمضون، بل تعمل بمنطق المضمون وقد تحول شكلا، ولهذا لا نجد في العروض الاوربية والامريكية، الحكاية وتطورها درامياً، مثل ما نجده في العروض النيئة التي تكثر في الشرق الاوسط والاقصى، التي تعيش مرحلة الحكي وسرد التاريخ، ومفهوم علاقة التوازن العملي ما بين الشكل والمضمون.

لقد استقبلت الشعوب النيئة فكرة اللامرئي، بقبول، وعدته محركا للسلوك، لانها تراه طاقة تربط حركة وجودها بثوب الماضي، وكأنها تعلن عن ضعفها مواجهة تيار الحياة، بموضوعاته الراهنة التي تتطلب عقلاً علمياً وتجريباً لمواحهتها وحلها فنيا وعلمياً، ولذلك تجد الامم النيئة، تؤمن بالحنين والعودة الى الماضي فكرأ، الذي بدوره يحدد السلوك في حاضر الاداء .

ولو تفحصنا عروض الشعوب النيئة، نجد المحركات الاتية :

التاريخ والاسطورة والمقدس، هذا الثالوث لا يغيب عن عروض مسرحنا ومسارح الشعوب النيئة؛ فالحكواتي والاحتفالي، عروض تعمل على تدوير الماضي واسطرته اايدلوجيا في متن العروص، متناسين ان الشعوب لا تدخل النهر في الهنا والان مرتبن، نهر الحياة يمضي نحو المستقبل، وما زلنا تستهوينا الحكايات وسردها على نحو مقاس البنية الارسطية، وما عداها نحده لا يمت لنا بصلة ثقافيا.

 لقد حاول (( يوجينو باربا )) ومن قبله ((بيتر بروك، ربط النيء بالمطبوخ ثقافيا، بمعالجات كانت توازن بين اللامرئي والعجائبي، وما بين التقنية العلمية الغربية، التي تصنع المشهدية، بنسق مسرحي يتناسب مع عقلها التجريبي، ويضمن تواصلا ثقافيا ببن الجمهور والعرض المسرحي .

كلاهما، أوجدا لنا عروضاً، تؤمن بعالمية المسرحة من جهة، ومسرحة العالم من جهة اخرى، والذي وجدناه واضحاً في بعض عروص مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي، مثل العرض الجورجي والمكسيكي والامريكي والروسي. أذ ان فرضية مسرحة العالم، كانت تحرك تلك العروض، وبالتالي كان التفاعل واضحا من المتلقي العربي .

إننا نسعى جاهدين إلى انتاج عرض مسرحي عربي بروح عالمية، وليست مناطقية تاريخية، وهذا يتطلب من العاملين في حقل المسرح، البحث عن اشكال متوازنة في خطاب الشكل العالمي في علاماته البصرية والسمعية، وما بين الفكر الخاص الذي يراد ارساله خطابأ جماليا، يعيد التناغم المفقود في حياتنا اليومية.

د. جبار خماط / العراق

"صورة المقال من عرض ثورة دون كشوت اخراج التونسي وليد داغسني"