أخبار فنية

توفيق الجبالي يمسرح .. مجنون جبران

توفيق الجبالي يمسرح .. مجنون جبران

1201 مشاهدة

نشر : محمد سامي

تحسين يقين:

تقودنا عبارة جبران في الربع الأول من المسرحية “طريقك غير طريقي، لكننا نمشي معا جنبا إلى جنب”، إلى إعادة فهم الذاتية والموضوعية، ومحاولة فكرية للربط ما بين تناقضات الفرد والجماعة.

لا ينفصل الحديث عن الذات عن مجموعها، فبالرغم من المنحى الوجداني الفلسفي في النص والعرض، إلا أننا نكاد نشعر بالبعد الاجتماعي والفكري والإنساني؛ كون أن تشظيات الفرد لا تأتي من فراغ، وهي تؤسس لما يحدث من تناقضات في المجتمع والحياة السياسية.

فليست تلك التوترات الحركية العصبية المعبرة عن نص جبران الشعري التأملي، إلا تعبيرا عن النزق الذي يعيشه المجتمع العربي.

بمقارنة نص جبران الذي صدر في الربع الأول من القرن العشرين باللغة الانجليزية، لتتم ترجمته فيما بعد على يد انطونيوس بشير، نجد أن المخرج توفيق الجبالي قد ذهب مع النص إلى آخر مدى تمثيلا ورقصا وسينوغرافيا، خصوصا في ارتعاش الأجساد وتوترها، والتي دخلت حالة طقسية غرائبية، أدخلت المشاهد إلى عوالم نص جبران.

تعرض المسرحية التونسية في مهرجان المسرح العربي الدورة التاسعة في وهران، بتنظيم من الهيئة العربية للمسرح ووزارة الثقافة الجزائرية.

إنها حالة من تفاعل النص الأدبي مسرحيا، حيث أن النص غير درامي، ولم يعد للمسرح، لكن يبدو أنه في حالة ما بعد الدراما تمثيلا وإخراجا، فقد انسحب ذلك أيضا على النص، والذي هو جوهر العمل الفني هنا.

ويمكن هنا تفسير ما صنعه توفيق الجبالي على خشبة المسرح، من رقصات تعبيرية، بمصاحبة المؤثرات البصرية والصوتية، كونه كان يريد الوصول إلى العالم الانفعالي التأملي من الداخل الإنساني. وقد استطاع العرض شد المشاهدين في مسرح وهران، حيث ساهم أسلوب الإخراج واحتراف الراقصات في الدخول في منطقة احتمالية الفكر والشعور، بعيدا عن المعاني المحددة، بحيث يصبح لكل متلق انفعاله الخاص، ولعل الموسيقى الصوفية بعض الشيء، قد انسجمت مع الحركات الدائرية، اللانهائية، في رمزية دوران الإنسان حول نفسه، غير قادر على الخروج من الذات.

وفي نهاية كل لوحة تتسارع الحركات لتصل حد الجنون، معبرة عن حالة رثاء، بما فيها من ولولة، وحزن حنوني، في اتجاه مسرحي لاستفزاز الإنسان، لعمل كل ما يمكنه لتجنب التناقض.

لقد حاكت اللوحات بعض المعاني والخواطر التأملية في نص المجنون ، فقد ضم نص جبران الأصلي خمساً وثلاثين حكاية رمزية وقصيدة نثرية، حيث اختار منها المخرج ما رآه ضروريا للتعبير.

مثل لوحتي الخيبة والمسرة، حيث يعيدنا العرض للنص، بما يقرأه على الخشبة: هنا يرقد الرجل الذي ماتت كآبته، كأن الكآبة تعني مشكلة الحياة، فيكون اختفاؤها يعني اختفاء الإنسان. وهي ما تهم المجموع وتستدعي تضامنه، في حين تصبح المسرة أمرا شخصيا، فلا تذكر إلا مع ذكر الكآبة نفسها.

وتأتي لوحة ملك الخير وملك الشر الواقفين على باب امرأة تبحث عن سعادتها، لتعبر عن عبثية الحكم المطلق، حيث كل منهما يدعي ويحكم من منظوره، فتقوم الحركات الراقصة والسريعة على تداخلهما معا جسدا لراقصين، وحكما محتملا، بالانسجام مع “معنى النصف الآخر” الذي تكرر من قبل.

عبرت اللوحات الفنية الراقصة التي تقطعها الساردة، عن الحالات الإنسانية المختلفة، والتي قد تصل السبع، كون النص جاء على ذكر السبع براقع، والتي تعبر عن حالات العلن والسر، الخير والشر، وغيرها مم عزف عليه جبران من ثنائيات.

عرف جبران بفهمه النقدي والعميق للقيم الإنسانية النبيلة، ونزوعه إلى التأمل والتفكير في مصير الإنسان والكون ضمن رؤية فلسفية.

لقد أعادنا العرض المسرحي التونسي “المجنون” إلى العودة لنص جبران، لتأمله من جديد، تأثرا بالأساليب التي تم تقديمه بها مسرحيا، محاولين البحث من جديد، عن أثر التحولات التي أثرت على جيل جبران قبل قرن، والتي ما زلنا نمر فيها، بخصوصية أن مرورنا اليوم صار أكثر سخرية.

في كتاب “المجنون” خواطر وقصص ذهنية ورمزية لاذعة يتهكم من خلالها على الكذب والنفاق، وينتقد بعمق الادعاء الفارغ من مضمونه الحقيقي.

لقد مهد العرض بقول جبران “طريقك غير طريقي، لكننا نمشي معا جنبا إلى جنب”؛ حيث وظفها المخرج باتجاه نقدي، حيث يدفعنا لتأمل أن التناقض النفسي والاجتماعي انما يأتي من محدودية الإيمان بالاختلاف.

وهنا يمكن أن ندعي أن العرض التونسي اليوم رغم ما فيه من تأملات في الذات، فإنه أيضا يغوص فينا اجتماعيا وسياسيا وفكريا، في ظل النفي والإقصاء الذي سطا علينا.

لقد دغدغنا الكتاب والعرض للتساؤل لم جعل جبران بطله مجنوناً؟ هل لأنه الأقدر أن يكون الأكثر صراحة.

وأخيرا، نشير إلى أن مسرحة “المجنون” قد جاءت في سياق مسرحة نصوص أخرى لجبران، مثل مسرحة كتاب النبي أكثر من مرة، كذلك آلهة الأرض التي أنتجها مسرع عشتار في فلسطين.

إنها حالة من تفاعل النص الأدبي مسرحيا، وهي حالة من تفاعل ذهني نقديا لنا جميعا أفرادا وجماعات.

المصدر/ الايام - الخشبة

موقع المهرجانات في سورية

يبارك للمخرج الساخر توفيق الجبالي

متمنيا المزيد من العطاء والتألق

كنعان البني


التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية