مهرجان دمشق المسرحي الدولي الخامس عشر 2010

جوان جان ....المهرجانات المسرحية في سورية

جوان جان ....المهرجانات المسرحية في سورية

2188 مشاهدة

جوان جان ....المهرجانات المسرحية في سورية

 

 

حكاية مهرجانات المسرح في سورية حكاية طويلة، تبدأ مع ستينيات القرن العشرين حينما قامت نقابة الفنانين بالتعاون مع مديرية المسارح والموسيقا في وزارة الثقافة بإقامة الدورة الأولى من مهرجان دمشق المسرحي في العام 1969 بمشاركة عدد محدود من الدول والعروض المسرحية، حيث كانت تلك الدورة بمثابة دورة تجريبية لا بد أن القائمين عليها قد درسوا إيجابياتها وسلبياتها جيداً لتكون نبراساً لهم في الدورة التالية من المهرجان الذي انتقل من عهدة نقابة الفنانين إلى عهدة مديرية المسارح.. ودورة إثر دورة أخذت أعداد الدول والعروض المشاركة بالتزايد، وأصبح المهرجان يستقبل عروضاً مسرحية من دول أجنبية بالإضافة إلى الدول العربية، وقد تمكّن المهرجان خلال مسيرته الطويلة والحافلة من أن يعرِّف جمهور المسرح في سورية والمسرحيين السوريين على المسرح العربي وعروضه ورموزه من خلال استضافته لعشرات العروض العربية، سواء المتميز منها أم متوسط المستوى، كما عرّف جمهورَنا ومسرحيينا على الناشطين المبدعين في المسرح العربي وعلى تجاربهم والتيارات المسرحية التي يعتمدونها في تقديم أعمالهم.. ومن جهة أخرى كان المهرجان مناسبة كي يتعرف الفنانون المسرحيون العرب على المسرح السوري بشكل واسع ومعمّق من خلال عديد العروض المسرحية التي يقدمها مسرحنا والتي لا تقل في كل دورة من دورات المهرجان عن عشرة عروض تقدمها مختلف الفرق المسرحية السورية، وبشكل خاص فرقة المسرح القومي التي تُعتَبَر اليوم الركيزة الأساسية في العمل المسرحي في سورية .

وقد تخللت مسيرة مهرجان دمشق المسرحي فترة انقطاع استمرت لمدة أربعة عشر عاماً من العام 1990 حيث أقيمت الدورة الأخيرة في ذلك الحين عام 1988 وحتى العام 2004 حينما عاد المهرجان بزخم جديد وإرادة جديدة عكست رغبة المسرحيين السوريين في إعادة مهرجانهم العريق إلى الواجهة العربية بما يتناسب مع موقع مدينة دمشق التاريخي والحضاري والثقافي في محيطها العربي.. ويمكن القول أنه من خلال الدورات الثلاث الأخيرة للمهرجان أثبت مسرحيو سورية أنهم أهل لهذه العودة بما قدّموه من أعمال رفيعة المستوى عكست مدى ما بلغوه من حِرَفية على صعيد التكنيك المسرحي، دون أن يعني هذا أن العروض السورية المقدمة في الدورات الثلاث الأخيرة وفي هذه الدورة كانت خالية من الشوائب، بل يمكن القول إن العديد من الأعمال التي مثّلت سورية كانت بحاجة إلى إعادة نظر جذرية فيها، لكن يبدو أن طبيعة المهرجانات الفنية بالعموم لا تضمن تقديم أعمال ذات مستوى واحد وثابت من الجودة، إذ لا بد من أن يتباين مستوى الأعمال كما يحدث في كل المهرجانات المسرحية، والفنية عامة، حتى يُفرَز العمل الجيد عن العمل الأقل جودة .

وبالإضافة إلى مهرجان دمشق المسرحي تقيم مديرية المسارح والموسيقا مهرجانين مسرحيين، أحدهما للشباب، والآخر للأطفال، إذ يقام مهرجان الشباب المسرحي مرة كل عام حيث يحل سنوياً ضيفاً على إحدى محافظاتنا، وقد انطلقت الدورة الأولى منه في العام 2006 من مدينة إدلب، واستضافت مدينة حلب الدورة الخامسة منه قبل عدة أشهر، وتشارك في المهرجان فرق مسرحية شبابية، ينتمي بعضها إلى فرق المنظمات الشعبية كالفرق الشبيبية والعمالية والجامعية، وينتمي بعضها الآخر إلى فرق فروع نقابة الفنانين في المحافظات أو فرق مديريات الثقافة أو المراكز الثقافية، وقد تشارك في المهرجان فرق مسرحية خاصة، حيث تخضع العروض الراغبة بالمشاركة إلى لجنة مشاهَدةٍ صارمة في مقاييسها، الأمر الذي ينعكس إيجابياً على مستوى العروض المشاركة في المهرجان، وهذا ما يمكن تلمّسه في أكثر من دورة من دورات المهرجان، وخاصة الدورة الأخيرة التي أقيمت في حلب، حيث تمتعت معظم العروض المشاركة بمستوى جيد وقدمت مواهب خلاقة في التمثيل والإخراج، وشهدت عروض المهرجان إقبالاً واسعاً من قبل الجمهور الذي تمتّع بذائقة فنية عالية استطاعت أن تتواصل مع هذه الأعمال وتقدِّر الجهود المبذولة في صنعها، هذه الجهود المبذولة من قِبل شباب يؤمنون بالمسرح ويضحون بوقتهم ومالهم كي تبقى مسيرة المسرح الشاب مستمرة في بلدنا، فلا أقل من أن نكافئهم بجزء يسير مما يبذلون كي يشعروا أن جهودهم لا تذهب هباءً وأن هناك من يقف إلى جانبهم ولا يضع العصي بين عجلات عرباتهم.. وبهذا الصدد لا بد من أن نشير ونشيد بالتعاون الذي تبديه مديرية المسارح مع التجارب الشابة من خلال إتاحتها المجال أمام التجارب المتميزة منها لتقدم عروضها على خشبات مسارح المديرية ضمن صيغة من التعاون انتظرها شباب مسرحنا طويلاً .

كما تقيم المديرية مهرجان ربيع مسرح الأطفال بشكل سنوي حيث يتم تقديم العروض المسرحية الموجهة للأطفال في كافة المدن السورية وبوقت واحد، ويمكن القول أن المهرجان في الدورات الأخيرة منه قد شمل كافة المدن الرئيسية ووصل إلى بعض المدن الصغرى، أما الفرق المشاركة في المهرجان فعدد كبير منها ينتمي إلى القطاع الخاص، وهنا ينبغي التنويه إلى أهمية التأكيد على المستوى الفني والتربوي لهذه العروض التي قد لا يعير بعضها الاهتمام لهذه النواحي بقدر اهتمامه بجذب أكبر عدد ممكن من جمهور الأطفال بشتى الوسائل والأساليب التي قد لا يكون بعضها مناسباً .

من جانب آخر وبعيداً عن مهرجانات مديرية المسارح أفرزت مرحلة السبعينيات والثمانينيات مهرجانات خاصة بالمنظمات الشعبية، فظهر مهرجان المسرح الشبيبي ومهرجان المسرح العمالي ومهرجان المسرح الجامعي، وقد أخذت هذه المهرجانات على عاتقها تقديم التجارب المسرحية ذات النفَس الشاب والهاوي، فقدم المسرح الشبيبي من خلال مهرجانه السنوي عدداً كبيراً من المواهب والطاقات الفنية التي أصبح بعضها في مرحلة لاحقة من نجوم الدراما التلفزيونية السورية، وما يزال المهرجان يُقام سنوياً حتى اليوم بالتناوب ما بين المحافظات السورية وقد عقد دورته الأخيرة أواخر العام الماضي في مدينة دير الزور التي عبّر مثقفوها ومسرحيوها عن توقهم لهكذا تظاهرة تقام في ربوعهم، حيث كان للحضور الكثيف للجمهور الدور الفعال في إنجاح المهرجان.. وبطبيعة الحال لا يبخل القائمون على المسرح الشبيبي ومهرجانه في توفير كافة المستلزمات لإنجاح الدورات المتعاقبة للمهرجان، وقد أفرزت عروض دورات المهرجان أعمالاً متميزة شارك أحدها في الدورة قبل الأخيرة من مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي.. وكذا الحال بالنسبة للمسرح العمالي الذي يقيم مهرجاناً سنوياً لكن الفرق بينه وبين مهرجان المسرح الشبيبي هو أن مهرجان المسرح العمالي لا يبارح مدينة دمشق، إذ يمتلك المسرح العمالي خشبةَ مسرح في مبنى اتحاد نقابات العمال يقيم عليها مهرجانه الذي تجتمع فيه سنوياً الفرق العمالية من معظم المحافظات السورية لتقدم عروضها ولتستمع إلى وجهات النظر المختلفة في هذه العروض من خلال الندوات اليومية التي تلي العرض المسرحي، وقد عمد المهرجان في دورته الأخيرة إلى إلغاء الجوائز التي كانت تُمنَح في الدورات السابقة للعروض والفنانين المتميزين، وهو أمر سيكون له أثر سلبي في المستقبل على سويّة العروض المشاركة التي ستفقد حافز المشاركة بأفضل ما لديها، وستكتفي بشرف المشاركة كنوع من أداء الواجب لا أكثر، وما هو مطلوب الآن من مهرجان المسرح العمالي إعادة هذا الحافز إلى الفرق المسرحية العمالية كي تكون أكثر شعوراً بالمسؤولية وهي تدفع بعروضها إلى المهرجان الذي أصبح يشكل واحداً من الفعاليات الثقافية الثابتة التي تشهدها مدينة دمشق سنوياً.. وبدوره يُقام مهرجان المسرح الجامعي بحيث تستضيف كل محافظة دورة من دوراته بمشاركة فرق مسرحية من مختلف الجامعات والمعاهد في سورية، التي حقق بعضها حضوراً جيداً في المهرجانات العربية كفرقة المسرح الجامعي في اللاذقية التي حققت عدداً من الجوائز في مهرجان المسرح الجامعي العربي الذي استضافه الأردن مؤخراً.. وفي مرحلة من المراحل كان مخرجون محترفون يشرفون على بعض الأعمال المشاركة في مهرجان المسرح الجامعي، وهو تقليد غاب في السنوات الأخيرة، ورغم ذلك حافظت عروض المهرجان على سوية لا بأس بها تعكس مدى قدرة مسرحيي جامعاتنا ومعاهدنا على المضيّ قدماً بمسرحهم ومهرجانهم .

وعلى صعيد آخر تساهم نقابة الفنانين بإقامة عدد من المهرجانات المسرحية السنوية، فبعد انتقال مهرجان دمشق المسرحي من النقابة إلى وزارة الثقافة وجدت النقابة نفسها في وضع يدفعها إلى إيجاد البدائل التي تنشّط من خلالها فروعها في المحافظات، فولِدت فكرة إنشاء مهرجانات مسرحية تقيمها فروع النقابة، وكانت البداية في عقد الثمانينيات مع فرعَي كلٍّ من حمص وحماة، وفي السنوات الأخيرة انضمت إليهما محافظة اللاذقية، وبذلك أصبحت النقابة تقيم ثلاثة مهرجانات مسرحية تشارك فيها بالدرجة الأولى فرق المحافظة التي تقام فيها، وبالدرجة الثانية فرق المحافظات القريبة جغرافياً، وبذا تعمل هذه المهرجانات على تنشيط الحركة المسرحية في محيطها الجغرافي وتحفّز الفرق المسرحية فيها على تفعيل دورها وإعادة بث الحياة في شرايينها، وتستقطب هذه المهرجانات اهتماماً إعلامياً متميزاً، خاصة في ضوء استضافتها لعدد من الفرق المحترفة وإن كان ذلك يحدث على نطاق ضيق وبشكل محدود، وقد أفرزت مهرجانات النقابة عدداً من العروض الجيدة شارك بعضها في الدورات الأخيرة من مهرجان دمشق المسرحي وترك انطباعاً جيداً عند كل من تابعه.. وينبغي أن يشكّل هذا النجاح حافزاً لدى فروع النقابة في بقية المحافظات كي تحذو حذوَ المحافظات الثلاث في إقامة مهرجانها المسرحي الخاص بها، وهذا أمر متعلق بناحيتين أساسيتين، الأولى وجود عدد من الفرق المسرحية في كل محافظة مؤهّلة للمشاركة في المهرجان بهدف الخروج بمهرجان مسرحي لائق، والناحية الثانية مرتبطة بمدى وجود إرادة في نقابة الفنانين لتوسيع دائرة المهرجانات المسرحية ودعم هذه التجربة الرائدة وتطوير أدواتها وتعميق دورها في الحياة الثقافية في سورية .

وتساهم بعض مديريات الثقافة والمراكز الثقافية في المحافظات بإقامة مهرجانات مسرحية خاصة بها تقيمها بالتعاون مع وزارة الثقافة ومع بعض الجهات الرسمية والشعبية كمهرجانات مدن الرقة والثورة ومصياف، وهي مهرجانات سنوية قامت بالأساس على جهود شبه فردية، ثم انتقلت كي تصبح ظاهرة ثقافية متميزة، ينتظرها جمهورها بشكل سنوي، وأصبحت لها شهرتها التي تجاوزت أحياناً حدود المحلية، خاصة وأن بعضها كمهرجان الرقة المسرحي مثلاً أخذ يستضيف فرقاً عربية وأجنبية، الأمر الذي يعني أن هذه المهرجانات قد بلورت إلى حد ما شخصيتها، لكن هذا لا يعني أن تجربتها اكتملت، بل على العكس تماماً إذ نجد أن مستقبل هذه المهرجانات يشوبه الغموض إذا لم يلقَ الدعم الكافي الذي يوفر له مستلزمات البقاء والاستمرار، وأعتقد أن وزارة الثقافة لن تبخل على هذه المهرجانات بالدعم بكافة أشكاله وحسب ما هو متاح لأن أي نشاط ثقافي من هذا النوع هو إغناء بشكل من الأشكال للثقافة السورية وللعمل الثقافي في سورية .

إلى جانب المهرجانات الرسمية وشبه الرسمية سابقة الذكر هناك مهرجانات أهلية تقيمها تجمّعات فنية خاصة في المحافظات ابتدأت مع مهرجان المونودراما الذي يقام في مدينة اللاذقية وهو كما يمكن الاستنتاج من عنوانه مهرجان خاص بالعروض المونودرامية وتشارك فيه سنوياً فرق مسرحية سورية وعربية، وهناك أيضاً مهرجان الشام المسرحي الذي يقام سنوياً في مدينة دمشق والذي أقيمت الدورات الأولى منه تحت مسمّى مهرجان الهواة المسرحي ليتحول فيما بعد إلى مهرجان الشام المسرحي في محاولة لنفي صفة الهواية عن عروضه واستقطاب العروض الاحترافية إلى جانب العروض الشبابية، ونذكر أيضاً في هذا الإطار مهرجان محمد الماغوط الذي يقام سنوياً في مدينة سلمية، أما أحدث هذه المهرجانات فهو مهرجان طائر الفينيق الذي تستضيفه سنوياً مدينة طرطوس، وهذه المهرجانات الأربعة إلى جانب مهرجانين أهليين لمسرح الطفل يقامان في مدينتَي اللاذقية ومصياف تبدو مسيرتها مهددة بالتوقف مع كل دورة جديدة من دوراتها لأن مصادر التمويل متبدلة ومتغيرة باستمرار، وقد لا يجد القائمون على هذه المهرجانات يوماً من يتبناها لأن تقليد المشاركة الأهلية في إقامة النشاطات الثقافية لم يتكرّس بعد .

كانت هذه نظرة عامة على واقع مهرجانات المسرح في سورية، وهي مهرجانات تعكس بتنوعها وتعددها مدى تعطّش مسرحيينا وجمهورنا على حد سواء إلى هكذا فعاليات تعكس حالة متقدمة من حالات الوعي الفني والثقافي .

إن ما تحتاج إليه اليوم هذه المهرجانات كي تستمر وتتألق هو إحساسها بوجود من يرعاها ويأخذ بيدها، مع أهمية قوننة أي شكل من أشكال الدعم كي لا يكون عرضة للتفسيرات المختلفة والأمزجة المتقلّبة .

 

 

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية