أخبار فنية

حيوية الممثل وغنى السينوغرافيا غطت ترهل الأفكار

حيوية الممثل وغنى السينوغرافيا غطت ترهل الأفكار

1855 مشاهدة

مسرحية .. بيان شخصي

 

حيوية الممثل وغنى السينوغرافيا غطت ترهل الأفكار

 

أحمد الخليل

 

 

افتتح العرض المسرحي بيان شخصي فعاليات مهرجان المونودراما (الدورة السادسة) في اللاذقية مؤخرا بعد أن قدمه الفنان جهاد سعد مخرجا والفنان عبد الرحمن أبو القاسم ممثلا في العديد من المسارح المحلية والعربية... نحاول هنا تقديم قراءة في العرض الذي لاقى صدى ايجابيا في مجمل المسارح التي قدم فيها ...

  

بعد تلاشي صوت الرصاص والقذائف والدمار يدخل الممثل إلى (الخشبة – الغرفة) لاهثا..

لقد نجا بأعجوبة من الموت، يجلس (المواطن الفلسطيني- العربي) في مكان منزو بين ركام من الصحف المتناثرة والجدران  المصنوعة من سلايدات على شكل جرائد توحي لنا بأن الشخصية المتهالكة في مقدمة ومنتصف الخشبة هي شخصية رجل مثقف على احتكاك يومي بالشأن العام وأحداث العالم .. تتبدى مواصفات الشخصية منذ بداية السرد والمنولوج الطويل الذي تلقي به الشخصية  أمام الجمهور ، الرجل اللاهث أمامنا هو ممثل يحضر للمشاركة في فعاليات مهرجان المسرح التجريبي بمصر  وستكون زيارة مصر مناسبة هامة له لزيارة قبر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، كدلالة رمزية لمكانة عبد الناصر في قلب الممثل الذي يسرد علينا معاناته وهزائمه (هزائمنا)، في سياق مونولوج الممثل الذي يلقي (بيانه الشخصي) نكتشف أنه قضى 15 سنة في السجن بتهمة توزيع مناشير، هنا ثمة تداخل بين خصوصية الرجل كفلسطيني موزع في الشتات وبين قضايا المواطن العربي ومعاناته من سطوة السلطات وتضييقها على مواطنيها..

في مشهد آخر ينقلنا الممثل عبر حواره مع سائق التاكسي الذي سيوصله إلى قبر الزعيم المفضل لديه إلى أحد أشكال تغييب الوعي لدى المواطنين، فالسائق غير مهتم بعبد الناصر قدر اهتمامه بنتائج فريق القدم المفضل لديه فحديث الكرة أهم من كل الزعماء ومن كل شعارات القومية العربية ومفرزاتها من هزائم، الحوار ينقله بسخرية وتهكم الممثل فتخف جرعة الألم التي يحملها مونولوجه إلى الجمهور..منتزعا ضحكة مرة وقصيرة..   

 

يسرد الممثل المثقف في بيانه الشخصي العديد من الوقائع التاريخية المبعثرة والمشتتة في ذهن  المثقف ليدلل على الحال العربي  منذ سقوط الأندلس، وتبني فكر الاشتراكية السوفيتية ثم الدخول في نفق العولمة دخولا سلبيا غير فاعلا مما يعني فقدان الهوية والتفكك ومن ثم الاقتتال الداخلي بالسلاح الذي من المفروض فيه أن يتوجه للعدو (..إذا كان السلاح سلاحنا، فلا بارك الله فينا و نستهال اللي يجرالنا).

وبألم جارح يصرخ الممثل (دمنا احنا الفلسطينيين خط أحمر محرم على بعضنا، و لكن في الواقع أصبح دمنا هو الخط الأحمر الملون للشوارع و الحيطان ..)
و يستمر أبو جود في سرد الأحداث، و المواقف الشخصية، حتى يصل إلى حياته الخاصة، و علاقته بأبيه و بالمكان الذي يتضح في الأخير أنه مزبلة، و هو الإرث الوحيد الذي تركه له والده و تعلق به منذ الصغر، وهو المكان الآمن الوحيد  حيث لن يفكر العدو في قصفه، ثم يتخذ الممثل حاوية القمامة منبرا ليقدم خطابه المليء بالرموز فجاء اقرب إلى خطاب فلسفي وجودي يتداخل فيه الفعل المقاوم و المقاتل، و مناجاة فلسطين تستنجد بالعروبة و خطاب القوة الظالمة المدمر للحلم والناس.
أكوام الجرائد المتناثرة على الخشبة شكلت تعبيراً بصرياً يوحي بالهم السياسي الذي ينوء بحمله المواطن الفلسطيني خصوصا والعربي عموما....وبمساعدة هذا الركام الكلامي الشعاراتي المحمل في ورق الصحف يبوح أبو جود بأوجاعه المتراكمة خلال عشرات السنين ليصل إلى حافة الانهيار والانتحار، فيجهز مشنقة متدلية من سقف غرفته لينهي آلامه، فهو المثقف المهزوم داخليا ابن الأمة المهزومة حضاريا ووطنيا، لكن الممثل يتردد في انتحاره حيث ينوس بين أمل مرتجى في حياة أفضل وبين موت مؤجل لأمة بكاملها هنا ينتهي العرض بصرخة مدوية شبيهة بصرخة والاس (ميل جيبسون) في فيلم (قلب شجاع)...

استعمل المخرج الفنان جهاد سعد فضاء مسرحي متعدد الأبعاد في عرضه ، فهناك مساحة بين كومتي صحف، و خلفية مظلمة بها حاوية القمامة يلجأ إليها الممثل بين الحين و الآخر، وبنفس الوقت تشكلت المقاعد للممثل من الجرائد بشكل مستدير ساهمت في إغناء حركة الممثل بين جلوس ووقوف وحركة في الفضاء المسرحي.
من ناحية ثانية لجأ سعد إلى توظيف الستائر على طول المسرح  في شكل صحف و صور لشهداء فلسطين، و مناشير لقرارات تاريخية، جاءت متناغمة لحد كبير مع مضمون المونولوج وأسلوب سرده مما شكل مع الإضاءة المتبدلة بين القتامة والسطوع سينوغرافيا غنية العناصر أدت لتشكيل مشهدية بصرية ملفتة غطت بإتقانها على المحتوى المعروف والمكرر لأفكار العرض التي مللنا سماعها لكثرة ما اجتررناها في حياتنا اليومية..

الفنان عبد الرحمن أبو القاسم في (بيانه الشخصي) بدا حيويا وبارعا في استخدام صوته وجسده حيث لون في حركته وصوته وملأ فضاء الخشبة عبر فهمه لعناصر العرض من ديكور وإضاءة وميزانسين، فكان مقتدرا عرف كيف يوظف خياله وذاكرته الانفعالية في ساعة كاملة كممثل وحيد على الخشبة مجسدا رؤية المخرج الجمالية والفكرية عبر التناغم بينهما في سياق بروفات طويلة ومتعبة... 

بطاقة العرض:

تأليف: مؤنس حامد وعبد الرحمن أبو  القاسم.
تمثيل: عبد الرحمن أبو القاسم.
مساعد مخرج: عبد الحميد  خليفة.
ديكور وأزياء: محمود خليلي.
إضاءة: عبد الحميد خليفة.

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية