أخبار فنية

دينامية العرض وتجاذب الثابت والمتغير في مسرحية صباح مسا

دينامية العرض وتجاذب الثابت والمتغير في مسرحية صباح مسا

1023 مشاهدة

دينامية العرض وتجاذب الثابت والمتغير في مسرحية صباح مسا

د. الزهرة براهيم باحثة في المسرح والأنثروبولوجيا والديدكتيك

المصدر: موقع الخشبة

ربما تغيب، بشكل مجحف في حق الممارسة المسرحية، بعض التقاليد النقدية في تعاملنا مع العروض التي قد تعتبر محظوظة إن هي نالت قراءة متأنية ضمن النماذج التطبيقية في الأطاريح الجامعية، أو في غيرها من المتابعات النقدية المتمكنة من أدوات تفكيك العرض وإعادة بنائه. وأستبعد، في هذا السياق، التغطيات الإعلامية المختزلة التي تعتبر ترويجا له أكثر مما هي إنصات لنبضه الذي لا يعرف إيقاعا رتيبا، ويضيق بمقولبات القراءة العَرَضيَّة والمبتسرة التي لا تكترث لنموه واكتماله. ويحق لنا، في ضوء هذا الوضع، طرح بعض الأسئلة الغائبة: – هل يحصل لدينا في المسرح المغربي والعربي، مثلا، قراءة عرض بعد تلقيه أكثر من مرة، وتتبعه من لدن دارس واحد؟ – وهل يدخل تاريخ حياة Historique فرجة مسرحية ضمن متابعاتنا الهادئة والصبورة لرصد تطور عرض مسرحي منذ لقائه ما قبل الأول مع الجمهور إلى أن يبلغ ذروته في عدد العروض على مسارح وطنية ودولية؟ – وهل تنتبه الفرقة المسرحية والباحثون، طلبة وأساتذة، ومجموع المهتمين بالدراسات النقدية إلى تبدل مؤشر المنجز المسرحي، عرضا بعد آخر، لما في ذلك من معطيات تفتح مجالات قراءة محايثة لكل عرض على حدة، وتوثق معطياته؟ أعتبرُني محظوظة، إلى حد كبير، لأنني فزت بحضور عرض “صباح ومسا” ما قبل الأول لفرقة “دوز تمسرح” بدار الثقافة في مدينة الحاجب مساء 03 يوليو 2018. وبعد خمسة أشهر كاملة من جولات المسرحية وعروضها بعدد من المدن المغربية، ومشاركتها في بعض الفعاليات المسرحية، وبعد ترشيحها لتمثيل المسرح المغربي في مواعيد دولية بتونس والقاهرة… ألتقي بالعرض ثانية مساء الخميس 05 دجنبر 2018، بقاعة باحنيني بوزارة الثقافة في الرباط، وكلي انتظارات لأسبر درجة تبلور المنجز الركحي الذي يظل على عاتق المخرج والممثلين والتقنيين، وكان الأمر سيتحقق بمنظور أغنى لو أن الفرقة تبني محطات اشتغالها وسيروراته، أيضا، على جهد دراماتورجي أو أكثر، بما يوسع الحقل الرؤيوي Visuel والرؤياوي Visionnaire للعمل، ليس للمخرج فحسب، بل لمجموع المنخرطين في فعل واحد ورهان أوحد؛ على الرغم من قناعة عدد من المخرجين بقدرتهم على إنجاز هذا الجهد دون إشراك غيرهم لأسباب قد يطول شرحها، وقد نختلف حولها. ولأن عرض “صباح ومسا” شكل موضوع دراسة مسرحية استغرقت مني شهرين من الاشتغال وتنتظر موعد صدورها في مجلة مختصة، فإن خريطة البحث عن الثابت والمتغير في العرض ما بعد العاشر متاحة بين دقائق القراءة الركحية التي التقطت مقَدَّرات نص غنام غنام، واختيارات المخرج عبد الجبار خمران، ومؤهلات كل من رجاء خرماز وتوفيق أزديو وزكرياء حدوشي، ومرافقة التقنيين لتشكيل سينوغرافيا مساحة الأداء. تستقي المصطلحات الفيزيائية الواردة في عنوان المقال علميتها من تاريخ حياة “صباح ومسا”. فإذا كان مصطلح دينامية dynamisme يحيل إلى الطاقة énergie، وإلى الحيويةvitalité ؛ وإذا كان مصطلح التجاذب يعني التفاعل الجزيئي attraction moléculaire بين خلايا النسيج المسرحي، فإن توظيفها، يستجيب إلى مطالب فعل بَلْوَرَة acte de cristallisation ينبثق من داخل تجربة العرض الأول الذي أفرز، لا شك، مجموع ملاحظات لدى كل أفراد الفرقة، فاشتغلوا مجددا لتقويمها، وتجريبها وتطبيقها في العروض المتلاحقة. وللإشارة، فإن العرض ما قبل الأول لم يعرض سوى أمام جمهور لم يتجاوز خمسة عشر نفرا، لكنه مر في جو من الرهبة والتوجس بدت في حركة الممثلين وأصواتهم. وأفترض أن الفرقة خلال تدريباتها بمراكش قد تكون اشتغلت، مرة على الأقل، أمام جمهور أكثر من جمهور مدينة الحاجب؛ لكن السفر وتغيير فضاء العرض، وما يستتبع ذلك من حالة نفسية تستشرف ولوج محطة العلن بعد محطة السر، وانطلاق صافرة اللقاء مع الجمهور المسرحي مهما كان عدده، لا يمكن أن يمر دون أن يخلق لدى الممثلين دهشة مسكونة بالتخوف وهم يتلقون على جلودهم وأنفاسهم ونبراتهم شَرَهَ العين المتفرجة المفتوحة واسعا على انتظارات وتوقعات قد لا يحيطون بمداها، ولا يبلغون منتهاها، ولا يحتملون أسئلتها (من الاحتمال). إذن، فقد لعب تبديل الفضاء دوره في خلق تحد قاس، لا مناص منه، حيث سيتجدد فوق كل ركح، وأمام كل صنف من المتفرجين، وعلى كل خريطة. لذلك، فحين يتحدث قسطنطين ستانيسلاڤسكي، مثلا، عن سيرورات دخول الممثل في الدور لأن«الأشياء التي تحيط بنا على خشبة المسرح تحتاج إلى انتباه مُدَرَّبٍ؛ أما الأشياء المتخيَّلة فهي تتطلب قوة من التركيز أكثر تنظيما مما تتطلبه الأشياء المادية» ؛ فلأنه يعي أهمية ذلك لتوفير تناغم بين الممثلين على نفس الدرجة من العمق والتجاوب، فيقيلهم عثرات توتر عضلاتهم وتهدج أصواتهم، إما خشونة أو ضعفا. ومن الواضح أن تتابع العروض قد ارتقى بـ “صباح” و”مسا”، على وجه الخصوص، إلى بلوغ انسجام حد النشوة والحلم يأخذ بأنفاس المتفرج فلا يترك له فرصة حتى للتصفيق رضى وإعجابا مخافة التشويش على افتتانه بما يشاهد ويشعر. بالإضافة إلى التحول الداخلي في مهارات الممثلين الحالمين بالتفوق دوما، باعتباره تجاذبا جزيئيا يعتمل نفسيا وجسديا داخل كياناتهم المنذور لذروة الأداء، يلعب التلقي المُحايِث داخل مساحة المتفرجين دورا معتبرا في تطعيم هذه الدينامية، وتعميق حوار مستدام حول ما ينبغي أن يتطور، تعزيزا، أو حذفا، أو تركيزا، أو ارتجالا، أو إخلاصا للثوابت الأصل في مشروع المنجَز الركحي. يعي كل من المخرج والممثلين طبيعة الجمهور الذي سيتلقى العرض، لذلك يستبقون احتمالات التعثر ويُمَنِّعُون منجزهم: عينٌ على المحصلات وعين على الانتظارات. وفي هذا الصدد، يمكننا تمييز جمهور المتفرجين وفق التصنيف التالي: – متفرج عالم Spectateur savant : يمثله المتخصصون في المسرح؛ – متفرج عاشق Spectateur amant : تستهويه الفرجة المسرحية فيطلبها أنى كانت، حتى وإن كان لا يحوز مفاتيح فك مستغلقاتها؛ – متفرج حَدَثِيّSpectateur événementiel : يتبع الحدث بمختل