مواضيع للحوار

رشفة للوجود وعذرية الحـلـم

رشفة للوجود وعذرية الحـلـم

417 مشاهدة

 #الفنانــة _التشكيلية _ســلام _بــرهــوم  من سوريا

رشفة للوجود وعذرية الحـلـم

 

بـقـلـم  #عـبـاسـيــة _مـدوني _سيدي _بلعباس _الـجزائــر

مقالي اليوم بجريدة البديــل / الـجـزائــر ، بالصفحة الثقافية وقراءة متجددة في لوحتين فنيتين ، للفنانة التشكيلية " سلام برهوم " من أرض الياسمين / كل التقدير لمنبر جريدة البديل ، وبالأخص الأخ والأستاذ Rami Hadj على الدعم والاهتمام

 قال " أناتول فرانس" : " الفن كما في الحب ، كل ما نحتاج اليه هو الفطرة السليمة" ، هكذا هو الفن فطرة ، موهبة استثنائية لابدّ أن تتغذّى وتقتات من روح نقيّة وشاهقة ، مجال أوسع للتعبير عن الذات وملامسة الآخر ، والفنان ههنا هو العملة الصعبة والصانعة للفارق بحكم إبداعه وتبنّيه أفكارا جادّة من شأنها أن تحمل العالم على كفّة أخرى حتى نتحسّس مواطن الجمال والإبداع الحقيقيّ .

وقد اخترت ، مجدّدا لوحتين فنيّتين للفنانة التشكيلية (سلام برهوم) من سوريا في محاولة استقراء أبعاد كل لوحة على حدة ، كما عنونت قراءاتي للوحة الأولى بـ" عــذراء" والثانية بـ " حــنــوّ " .

اللـوحـة الأولـى: عـــــذراء

المساحات ضيقة ، القلوب شاخصة ، والأكفّ متضرّعة ، بكْــرٌ هي لم تتلاش تحت ضغط الضربات ، لا حكايات ههنا عن الانكسار ، شموخ وعزّة ... منذ عصور وللآن وللأبد لن نتوسل فتات الأحلام ولا أضغاث الحريات ، اللون هنا فسحة مشرقة إشراقة الغد القريب ، شرعية وجود لولا إغراء المساحات ، وعلى هامش البوح على البياض نلفّ بؤس العالم حيث لا بقاء للمحبطين ، وبكل تلكم الشرفات المخطوطة والهندسية نساق إلى الفرح بمنأى عن القنوط ، كل غرفة هناك شاهد عيان على حكايات آسرة ، وعلى عذرية النور الذي يسطع كل فجر من قمقم الوجع ...

بتلكم الغرف لربّما الخالية من نبض غداة شتات ، ما تزال تحتفظ بأطياف المرح وبنكهة القهوة وصدى فيروز كل مساء ، من تلكم النوافذ والشرفات نستحضر ماضينا ونطرّز حاضرنا ، ونقتني ألوان المستقبل ، تلكم العذراء ما تزال تحمل كل ورود الوجود وتنثرها على أرجاء الوطن حارة ، حارة.

بين مساحات اللون ثمّة ما يكفي لنرويه سرّا وعلانيّة ، وتلكم العيون الشاخصة شاهد عيان على الدمار زمنا ، وعلى الحرية المغْتصَبة دهرا وعلى الضحكات الموشومة بالفجع ، وستظل شاخصة امام الظلال وعلى فرحة الأطفال وفجر قريب جدا لنودع تلكم الجدران والشرفات والغرف والمساحات آخر الصيحات وآخر الصدى .

لن نسمح للعتمة بالتسلل داخلنا ، لن نقوى على ملامسة الكلمات التي لم نَبحْ بها بعد ، لكنّ اللون يباغتنا غداة شغف ، نحن الضاجون بالصمت وسط الفصول سنديانة العمر والزمن والطموح ، ونشدو دوما وأبدا مواجهة للعدم ، لنضيء في زخم الحياة ، ويظل التواطؤ مع اللون والشكل الهندسي والموضوع المحاكى راقيا ، حيث يبزغ الجمال الروحي والإبداعيّ أين تداهمنا الخطى ويسكننا الحنين مساحات شاهقة .

اللــوحـة الـثانيـة: حــــنــــــو ّ

حين زمن متوقف ، أو حتى محطة مزيّفة ، تتصارع شتى النزعات ، نلفي مكانا ما داخلنا ما يزال مزهرا ، ليكون استثناء ، حيث تكون المساحة خصبة للعبور ن للولوج إلى هذا العالم والاصطدام بمراياه ، لنبحث عن الحماية وعن مكان أين نخبئ الأسرار ، ولوحة ننثر من خلالها بوحنا الملغّم .

في ذلكم العالم نبحث عن مدار الحنوّ ، حيث ما يزال في القلب متسّع للعطاء وللحلم ، للجنون وللتمرّد ، وحدها مصدر الحنوّ ما تزال تهلّل لأبناء هذا الوطن أن في الوجود ما يزال هناك متّسع لنا لنحيا ولو بندوب وإن كان الموت مباركا ، فسلاما لنور الشمس وضياء القمر ، وللفراشات المحلّقة داخلنا .

مصدر الحنوّ تلكم ومع كل نزيف ما تزال مورقة ، شامخة ، باسطة صدقها، مدثّرة أبنائها ، حامية لهم من كل الفوضى رغم كل الوخز ، فهي تنسج لحن الحرية والانتماء ، لتقرع كل أجراس الغد ، حامية الديار ، كل البدايات كانت من صنيعها وما تزال تسعى برباطة جأش أن تواصل الثبات .

لتنصتوا قليلا إلى أنينها ، ولتترجموا غداة صفاء لغة فوضاها ، وبين صومعة مسجد وجرس كنيسة ما تزال تحتفي بالإنسان ، وتعانق الإنسانية.

حنوّ تجسيد للكمال ، كيف لنا ؟ وهي أيقونة الوطن والأمومة ، في انسجام الألوان والأشكال الهندسة معركة من نوع آخر ن معركة للجمال ، للحرية ، للسلام الروحي ، ركض بين الألوان ، ركض مغر بخطوات عميقة ، وهي تنصت للفرح ، ليتم الأمنيات التي ستنضج غداة تبرعم الياسمين ، وتضخم الكلمات بين دروب الروح ، حيث المواسم ضاجّة بالمحاكاة .

بكل بساطة ، حنوّ فتنة الاكتفاء بما ننتمي إليه ، الأمل إلى ما نساق إليه ، عزف على كمنجة الروح حيث نرتشف الصرخات على مهل ونمضي معتّقين بالحلم وبالحب وبمتعة ما يملأنا من دلال وغنج ، إنّه حنوّ الذاكرة .