قصة قصيرة

رمزية العطر المتفرّد وصمود عروس المشرق دمشق

رمزية العطر المتفرّد وصمود عروس المشرق دمشق

598 مشاهدة

 ورق الغــار...

رمزية العطر المتفرّد وصمود عروس المشرق دمشق 

قـراءة  للإعلامية والـناقـدة#عباسية _مدوني_سيدي _بلعباس _الجزائر

في ضوء قصة للأديبة والقاصة – #فداء _سلوم _دمشق

     في قصّة متجدّدة بنفس متجدّد للأديبة والقاصة " فداء سلوم " من أرض الياسمين – دمشق ، تبدع وهي تغزل الذكريات وتعتصر الذاكرة محلّقة في سماء القصة ، لتغذّي الأرواح عطاء وإلهاما حيث تتجلّى روحها الماطرة شغفا وهي تعقد الوفاق مع الزمن والذاكرة مستحضرة ومضيئة الوجدان بنور الكلمة الصادقة والبعد الإنساني .

     لتكون قصتها حول ( ورق الغار )   مصدر قوّة تقتات منه في زمن قد تنفذ منه الطاقة في ظلّ الراهن وطاحونة الظروف القاهرة ، إلاّ أنّه وبفضل طاقة الحبّ والأمل والإيمان يمكن دحض كلّ قهر ، ونحتضن الإبداع بلمسة من الاحترافية والصدق والبراءة ، كل ذلك يمتزج بالصفاء وسلام روحيّ على مساحات المدى القصصيّ لحجب بشاعة العالم .

في ( ورق الغار ) نلفي الأديبة والقاصة " #فداء سلوم "  يافعة جدا حين أبرمت تلكم الصبية اتفاقية مع الحدائق وورق الغار ... هو الذي علّمها الشغف واللهفة ...هو وأوراقه المغموسة في جبّ الذكريات من علمها التحليق الحر ...والدتها ، جدتها ووالدها أنفقوا سنوات من العمر وهم ينثرون الحب والجمال بين دروب الحياة بحلوها ومرها ...بين جدران البيت وبين دهاليز الوجود وبين أزقة الروح ...وعلى عتبات ذلكم البيت العامر محبة ومودة تنمو بذور العطاء و عرائش الخير وحدائق الكرم ....وفي إبداعها القصصيّ تأتي لتطويع الذكريات ومنحها حياة متجددة حبلى بالذاكرة العذراء البكر كدمشق تماما عروس بهية مشرئبة العنق ، سامقة الحضور وبهية الملامح ...تعود القاصة بإغراء لتغزل من حقائق الماضي نبضا للحاضر ونسمة رطيبة ومنعشة المستقبل...تعود ليكون ورق الغار بكل مزاياه وأسراره وطنا متفردا بذاته ، متربعا على عرش الحرية والشموخ ...تعود مجددا لتكون الجدة والأب والأم وحتى الأخت محرّكا  أساس لمسار الأحداث والحبكة والزمكنة ،  أساسا لحكاية حيـّة  لم ولن تموت ولن ينطفئ فتيل وهجها لأنها ببساطة لينة بين روح أديبة تعي تماما كيف ومتى تنقل الحدث وترفع من وتيرته ايذانا بحدث آت أكثر مرونة وأكثر وهجا ....لتنصت بتمعّن إلى نبض الجدران التي ما تزال دافئة بالذكريات ...مبلّلة روح المتلقي بالسكينة والفرح والكثير من المشاعر حتى نستعيد وإيّاها كقرّاء ومتلقّين ضياء ما نزال نرنو إليــه ، حتى نتغلغل في  قدسيّة الأرواح والذكريات السامقة .

هذا هو القاص المتمكن من آليات سرده ...الواعي بحجم مسؤوليته تجاه المتلقي ....وليبق ورق الغار رمزا لعطر الوطن ونبضه وشموخه ورفعته...

ورق الغار لـــ : " فداء سلوم " - دمشق

 قصفتها وأنا التي لا تؤمن بفصل زر الورد عن أمّه  !

قصفتها مبتسمة وبكل حنان فصلتها عن أمها ، وبكل محبة ضممتها لعيوني ،وقربتها من أنفي واستنشقتها من كل قلبي ...فرحة أن أنفي لا يزال يعمل و يشــمّ .

نعم والحمد لله فتحات أنـفي تميّز الروائح بزمن الوباء اللعين، بزمن أعاد للإنسان المغرور حجمه الحقيقي ليعلم أنّه ضعيف وأنّ قوة الله فوق كل شيء ؛ بعد أقل من عام تم فتح حدائق الشام كلها بعد ان أغلقت منعا للتجمعات وحفاظا على أرواح  السوريين الذين تصدّوا لجحيم الحرب مدمنين دروب الشام وحدائقها وحاراتها  ، بالرغم من وابل الرصاص وشلالات القذائف بقي السوري بين الطرقات وأسوار الحدائق وظلال الياسمين ...

لكن ... ضعف السوري كما ضعف الكون وخرّ ولم يسجد أمام ذلك الفيروس الرهيب الغامض الذي أرعب الأرض برؤاسها... وعلمائها ....وأطبائها!

بحديقة حيّـنا  ( غارة ) جميلة خضراء ...خضراء ...زيتية الأوراق ، تــمّ سجنها مع باقي الأشـجار بسياج حديدي لتغلق أغلبية الحدائق بدمشق ؛

اليوم تفاجأت بفكّ أسر غارتي الجميلة وقد كبرت وزادت أغصانها طولا وعرضا وارتفاعا  اليوم سمحت ليدي أن تقطف طرابين الغار ... وأنا مكللة بالغار فرحا ، بهجة ونعيما

 التفتت بكل الاتجاهات وتأكدت أنني بهذا الركن لوحدي ألتقي بغارتي وأقطف ورقها وأرميـه فوق رأسي كالمجنونة وأضحك !

للغار بقلبي ذكريات ذاكرة ....

فغارة أبـي بحكورته شامخة جميلة كشموخه وجماله ،وكم كسح منها( جـذوع )  أغصان وغطى بهم سلل العنب والتين... ليزيد البركات والرزق الوفير بحكورته ، وورق الغار      لا تهمله أمي ومن المستحيل ان ترميه ! وكيف ترمي نعم الله  وخيراته ...

جـذوع الغار تــرمـى بطنجرة أمي لتسلق الشلوف أو اللحم ، فيتبارك وتهرب زفرته الكريهة ويتكلّل برائحة الطيب والغار! وتزداد الشهية ويكثر الإقبال على أكل أمــّي  ...

  ورق الغار ببيتنا يعانق ماء الاستحمام لينتشر البخار المحمل بأطيب وأروع وأزكــى

 رائحة ..........

لم تعترف أمّــي على الشامبو وروائحه المصطنعة المخربة لفروة الرأس وللشعر!

لم تعترف أمّــي على صابون العطور والكاردينيا والايديال !

اعترافها الوحيد على زيت الزيتون الأصلي الصافي مؤكدة علينا نحن بناتها أن نفرك جلدة رأسنا وشعرنا به قبل الاستحمام  ، لتقوى بصيلات شعرنا ويصبح شلالات...

 فجمال البنت بشعرها وكثافته ، يتبعه حمام بورق الغار والبخار يتكاثف من حولنا ليفتح مسامات الجلد ، والبشرة تصبح نضرة متجددة وهنا قــمّة الجمال الطبيعي ، وما أكّدتــه أمّــي أن الغار والرئة أصدقاء وهو سبب لطول العمر واستمرار الجمال !

وأضحك مستهزئة بـأمّــي وســتـّي وصداقتهما الوثيقة بصابون الغار !

وأفتعل المشاكل كلما ناديتهم بالمتخلفات المحافظات على أهل الكهف وعلى العصور    البدائية!

فـأمّــي عشقها صابونة الغار وكذلك ستـّي الرافضة للاستحمام الأســبــوعي وبخاصة في الشتاء وبرده القارس ...

   أمـــّا بليالي الصيف الجميلة فأنا وأختي اختصاصنا فرك ستــّي، وتحميمها بالغار لنكلّلها بالغار ونمازحها وهي الأرمـلــة مرتين ...

إنّ هذا حمام العرس وسنزوجها قريبا كلما رضيت أن نحـمّمها ونطمرها برائحة الغار، كان حمام بيتنا المكسي بالبورسلان يخيف ستــّي الختيارة!!! لأنها تتخيل أنّــها ستزحط وتقع وتكسر رجلها لذلك تضع هذه الحجة لتهرب من أناملنا الصغيرة التي تحب أن تنظف جدتها الرافضة للاستحمام وللشامبو ولأيّ صابون آخـر غير صابونة الغار ، وكان حجم لوح صابونة الغار كبيرا لا تستطيع يدنا الصغيرة أن تمسكـه لأنه يتزحلق ويهرب من كفنا لذلك نكتفي بإغراق ستــّي بالماء المغلي مع ورق الغار وهي ترغي صابونتها الغارية على رأسـها وليفتها ونحن نضحك ونغني لها  :

على دلعونا ... على دلعونا ... ستــّي بدها حبيبها أسمر اللونـى

وتضحك نيرتها دون أسـنان وترفع يديها للسماء وتدعي لي ولأختي قائلة :

الله يستر عليكون ويكللكون بالغار.....