أخبار فنية

فرقة أورنينا السورية للرقص المسرحي تعرض الإلياذة الكنعانية بالجزائر..

فرقة أورنينا السورية للرقص المسرحي تعرض الإلياذة الكنعانية بالجزائر..

2847 مشاهدة

فرقة " أورنينا " السورية للرقص المسرحي

تعرض " الإلياذة الكنعانية " بمسرح سيدي بلعباس

     فتحت عاصمة المكرة أبوابها لفرقة " أورنينا "  السورية للرقص المسرحي في إطار حقل التبادل الثقافي بين دولتي سوريا والجزائر ، حيث وبدعوة من الديوان الوطني للثقافة والإعلام حطت دولة سوريا الرحال بأرض الجزائر ممثلة بفرقة " أورنينا" للرقص المسرحي أين قدمت عرضا راقصا ولوحات فنية تعبيرية على ركح قاعة الأطلس بباب الواد في إطار تظاهرة القدس عاصمة أبدية للثقافة العربية كما أشرفت على اختتام عكاظية الشعر العربي .

    وقد اختيرت ذات الفرقة لتقديم عروضها المسرحية الراقصة بولاية عين الدفلى يوم الأربعاء المنصرم ، لتكون على موعد مع جمهور المكرة بالمسرح الجهوي لسيدي بلعباس لتقديم الملحمة التاريخية التعبيرية تحت عنوان الإلياذة الكنعانية من تأليف الأديب والشاعر"محمود عبد الكريم " ، الـتأليف الموسيقي والتوزيع أسند الى "وليد الهشيم " ، في حين لمسة السينوغرافيا والإضاءة كانت من توقيع " ماهر الهربش" ، أما اللمسة الساحرة للعرض الملحمي  من رؤية وإخراج كانت من إمضاء الكوريغراف المتألق " ناصر ابراهيم".

   إن " الإلياذة الكنعانية " كانت ملحمة غنائية تاريخية جريئة من حيث الطرح إذ وبلمسات إبداعية ساحرة وقعها جمع الراقصين والراقصات لخصت تاريخ كنعان قبيل ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد " 3000 ق.م"، لتطرح وبصورة فنية عالية كيف كانت أرض كنعان مهدا للحضارات  وجسر عبور لكل من شعوب آسيا وإفريقيا ، وشهدت أرضها كل الأجناس من عرب وعجم كل في حاجة معينة ، إلا أن الفرد الكنعاني الفلسطيني ظل متشبثا بالجذور وبأصالة الأرض التي كانت خير ملهم له ، الجميع من هكسوس وحيثيون ، فراعنة ،بيزنطيين وروم وغيرهم لكن الكنعاني زرع وحصد، ناضل وضحى بالنفس والنفيس لتبقى الأرض طيبة وهبها عاطفته ودمه .

    فكان ولايزال الكنعاني الفلسطيني حجر عثرة في وجه الطغاة والناهبين ، كسر شوكة العدو على مدى عقود ليحمي الأرض المقدسة لايكلّ ولايملّ، كان عاشقا وفيا للجذور ، أطرب جبال العليل بغنائه  ومروج ابن عامر بناياته ليوقع اللحن الشجي لالياذة الحرية المعشوقة .

   وللتلذّذ بطعم الحرية المنشود مافتئ الكنعاني يحمل المنجل بيد والسيف بالأخرى واهبا دمه لأرض ظمأى تأبى أن يطأها الإفرنج وكل مغتصب طامع في عذرية أرضها وعفاف هوائها .

    في ذروة النضال الملحمي تكسرت رايات " ريتشارد الانجليزي" والملوك الغازين لتكون أسوار القدس خير دليل على الدم المزكّى الذي سال من فوقها لنحت تمثال الحرية والسلام الأبدي والعدالة الاجتماعية.

    فمنذ دهور والإلياذة الكنعانية بأجيالها تسعى للتحرر من براثن كل عدوّ مدافعة عن المروج والهواء والزيتون أصل الوجود ،تلكم القيم والمبادئ الإنسانية السامية تجسّدت وبشكل احترافي على ركح المسرح الجهوي لسيدي بلعباس بلمسات ساحرة واستعراضات تعبيرية لفرقة " أورنينا" للرقص المسرحي ،بتسعة عشر مشهدا حاكى الإلياذة الكنعانية ووقع بالبنذ العريض استماتة شعب بغية معانقة نسيم الحرية .

لقد استهل العرض الملحمي بحضارة أهل كنعان وكيفية نشوئها في جو أسطوري صور ميلاد تلكم الحضارة التي كان أمامها العديد من المحطات لتقيم بذاتها، فكان البحارة الكنعانيين على السواحل والشواطئ الفلسطينية  لتوقيع بزوغ تلكم الحضارة وتم بصورة فنية جدّ راقية توقيع التمازج الاثني في أرض كنعان لتدبّ الحياة بالسواحل وتم استعراض لوحة فنية للنوارس بشكل جمالي يهدف الى مغزى الحياة بتلكم الأرض الطيبة بتصاعد الموسيقى وارتفاع حمى التواجد الإنساني.

ليصور المشهد الثاني مذبحة أريحا التي وقّعها "أوشع نون" أين نكّل بأهل كنعان ، وتكالب اليهود والغدر الذي وقت فيه أرض كنعان ليخمد نور الحضارة في تلكم الحقبة الزمنية التي طغت عليها الهمجية والتخريب والعبث بالقيم .

لتكون اللوحة الموالية عملا تراجيديا مؤلما صور فيه المخرج فظاعة الموقف والحزن الوارد في الأفق ، ليوقع في الأخير لمسة من الأمل القائم الذي يغذي كلّ أمة ، أين كان ميلاد المسيح منفذا مرفوقا بالتراتيل والشموع وطقوس الكنيسة .

لتتوالى اللوحات التعبيرية الاستعراضية مصورة الحكم الروماني بزعامة "هيرودوس" الذي عاث فسادا بالأرض محاولا طمس معالم المسيح والقضاء عليه ، بتحريض من الحاخامات اليهود الذين يفقهون لغة نشر الفساد والتضليل ، مع دخول سالومي بلوحة راقصة أنثوية ساحرة لتضع في قبضتها " هيرودوس" وتدفعه للقضاء على المسيح وصلبه، ليكون الكنعان في كل هذا شاهدا على المآسي وعلى التنكيل بالأنبياء ، على أمل بزوغ فجر جديد ينتشلهم من غياهب الظلمات والقهر الروماني .

وبصورة تعبيرية جد مؤثرة دخلت الرايات لتعلن الفتح الإسلامي الفجر الجديد والأمل الواعد ، مع موسيقى وإيقاعات إسلامية ممزوجة بصهيل الخيول لتعلن ميلاد الحقبة العمرية على سكان إيليا ، وتتمازج الموسيقى مع أجراس الكنائس وتتداخل معلنة التعايش السلمي وتعدد الأديان على أرض فلسطين الأبية .

ذلك التمازج والانصهار بين الأديان ساهم في النمو الحضاري في فلسطين أين عبر جمع الراقصين عن ذلك بلوحة وقع عليها النهضة الثقافية ، المعمارية والاستقرار بشتى أوجهه من اجتماعي وسياسي.، الأمر الذي صور صلاح الدين الأيوبي فاتحا معلنة أحقية العبادة لجميع المؤمنين واضعا حدا للحروب الصليبية التي نكلت بالأمم، الأمر الذي ساهم في رفع حمى الدّسائس والتآمر من لدنّ الحاخامات اليهود الذين دخلوا أرض فلسطين مع الجنرال الانجليزي " اللنبي" .

وبعمل فني تعبيري ملفت تمّ تصوير جسر العبور بعد النكبة التي ساهمت في تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه واقتلاع جذوره وانتمائه الحضاري ، ومع ذلك جاء التأكيد على أن الحرية تِخذ ولا تعطى هذا ما لمسناه من خلال الإلياذة الكنعانية التي صورت كيفية التعاضد للنيل من الدخلاء وضرورة التضحية للظفر بالحقوق المهضومة والحرية والتحدّي للتصدّي للجبروت ، فلا بديل للوطن الأمّ ولا مكان للمستبدّ.

وبين رائحة الدم لا تخمد الأعراس الفلسطينية ولا يذوب فتيل  شمعة العشق ، هذا ماكان في عرس فلسطيني بين محمد وفاطمة ، إلا أن الواجب ناداه وكان ضمن قافلة الشهداء فليلة زفافه اختارته الأرض زوجا بدل فاطمة كونه لبّى نداء الوطن، فعشق الأرض والوطن لا بديل عنهما فقد زفّ محمد لعرس الحرية المنشودة.

لتكون اللوحة الموالية سردا للانتفاضة التي صورت أبشع المشاهد للصهاينة من تنكيل بالبشر ومع ذلك كان الصمود الفلسطيني أسطوريا ليؤكد أحقيته في كنف الحرية وأن لا بديل عن الأرض المسقيّة بدماء قوافل  الشهداء.

على الرغم من التنكيل والمساس بالقيم الروحية للشعب الفلسطيني فقد ظل إيمانه قويا لم تزعزعه الدبّابات ولا المعتقلات ، ليؤمن بالفجر الجديد والأمل الواعد في عيش عفيف فالحرية لا تحاك إلا بدماء الضحايا والطفل لا ينعم بالشمس الدافئة إلا بالنضال بالحجارة في وجه الترسانة الصهيونية .

لتعبر اللوحة التالية عن جدار البراق وعن السرقات التاريخية التي تسهم في طمس المعالم في القدس الشريف وتغيير ملامح المدينة وتضليل الرأي العام.

ليختم جمع الراقصين والراقصات لفرقة " أورنينا" الإلياذة الكنعانية  بالرقصة الفلسطينية في شكل الدّبكة لتعبر عن الأمل الممزوج بالألم الدّفين ، ولتؤكّد مرة أخرى أن الكنعاني يتقن لغة الحوار بالسيف وبالطبل ، بالناي وبالمنجل ، وأنه مهما عتّم الرأي العام ومهما طال الزمن فان بزوغ فجر الحرية آت لا محالة ، وأن القدس مدينة الصلاة ،زهرة المدائن بهية المساكن ستظل شامخة صامدة ، ومهما تعددت قوافل الشهداء فان ميلاد كل صبي فلسطيني سيكون حجر عثرة في وجه العدو الغاشم.

 تجدر الإشارة الى أن فرقة " أورنينا" للرقص المسرحي رأت النور عام 1993 ,باحتضانها لمجموعة من الراقصين المحترفين , وقد استطاعت أن ُتعرّف عن نفسها كسفيرة للشرق ,وللوطن العربي بتقديمها العديد من الأعمال المتميزة التي تستلهم من الماضي وتوقع الحاضر وتنبئ بالمستقبل الذي هو أمل قائم بذاته ، فهي مؤسسة إبداعية ، ثقافية وفنية رسالتها حضارية وانسانية .

ومن أهم الأعمال التي وقعتها الفرقة نذكر الملحمة الغنائية ( الخيل والهيل )،  العمل الغنائي الراقص

( طوق الياسمين )، مسرحية الصوت،   أوبريت الربّان والقوافي ،  البانوراما الاحتفالية رايات العودة ،  العمل المسرحي وطن الأمجاد، أوبريت أنشودة العروبة، العمل المسرحي العود عبر التاريخ زد على ذلك  الأوبريت الاحتفالي ( الضوء الأول) ، الاحتفالية الغنائية ( الملاذ )، العمل المسرحي ( شرقيات) وآخر عمل مسرحي هو الالياذة الكنعانية.

وقد قدمت هذه الأعمال في العديد من دول العالم نذكر منها فرنسا ، تركيا ، مصر ، المغرب ، الجزائر ، الكويت ، الإمارات العربية المتحدة ،السعودية ،البحرين  قطر ، عُمان ،لبنان ، الأردن ،سوريا و بيلاروسيا،

كما حازت الفرقة في مجمل مشاركاتها على العديد من الجوائز وشهادات التقدير.

وقد أفادنا السيد " نبيل أيوب" المنسق الإعلامي أن فرقة "أورنينا" للرقص المسرحي تحتلّ المرتبة الأولى عربيا والمرتبة السابعة عالميا ، ورسالتها واضحة إذ تسعى لتقديم فن شرقي راق يعد سفيرا لدولة سوريا وللدول العربية لترسيخ لغة السلام والحرية المشروعة .، كما أكّد لنا أن ذات الفرقة قدّمت مشروعا لدولة الجزائر هو الآن بين أيدي السيدة معالي وزيرة الثقافة يتضمن مشروعا فنيا في الرقص المسرحي يحكي تاريخ الجزائر على أمل الموافقة والتعاون المستقبلي باعتبار الجزائر من بين الدول ذات البعد الحضاري والإنساني وقد عبرت عن موقفها التضامني مع جميع الشعوب المظلومة لاسيما الشعب الفلسطيني لذا نأمل أن تكون الموافقة لتقديم ولو جزء لهذا البلد الغالي بلد الأكثر من مليون شهيد، كما أكد أن أبواب الفرقة مفتوحة لكل عاشق للرقص التعبيري عبر كل دول العالم.

كما كانت لنا فرصة اللقاء مع السيد " ابراهيم ناصر" المدير الفني لفرقة " أورنينا" الكوريغراف الذي صرح لنا أن الفرقة ذات أبعاد إنسانية هادفة ، إذ تسعى لتكون سفيرة للوطن العربي عبر العالم بحكم أعمالها المتعددة  ومشاركاتها الواسعة لتجسيد لغة حوار الحضارات والثقافات الأخرى ، فهي تحمل بين طياتها فكرا ، ثقافة وهوية وجذورا للتاريخ العربي الأصيل الضارب في الأعماق ، ويصرح  بكل تواضع أنه منذ تأسيس الفرقة سنة 1993 أي بعد 17 سنة من عشرات الأعمال ماتزال الفرقة في ضوء التجريب ، فهي تعكس قيما جمالية للمجتمع العربي وتسعى لتحقيق التكامل والتعاون العربيين لإعلاء كلمة الحق وتوقيع لغة السلام.

والسيد " ابراهيم ناصر " من مواليد دمشق 1967 ، كان كوريغرافا ومدربا للفرقة القومية السورية " زنوبيا" لمدة خمس سنوات ، وعضو نقابة الفنانين السورية منذ سنة 1989 ،حائز على شهادة تدريب فن الرقص من فرانكفرت بألمانيا سنة  1993.

وعليه ، فان فرقة " أورنينا " للرقص المسرحي قدمت عرضا يستحق كل التشجيع ، فما أحوجنا لتلكم الأعمال الراقية التي تؤكد أصالة الفن وترجح الكفة للاختصاصيين والضالعين في المجال.

بقلم : عباسية مدوني – سيدي بلعباس- الجزائر

                       

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية