أخبار أدبية

في الذكرى الأولى لرحيل الشاعر خضر الحمصي

في الذكرى الأولى لرحيل الشاعر خضر الحمصي

1828 مشاهدة

في الذكرى الأولى لرحيل الشاعر الصديق خضر الحمصي أقدم الموضوع التالي ( الشاعر خضر الحمصي ورسائل عشق وهم متجددة ) وهو فصل في كتابي ( شعراء سلمية ) الذي هو قيد الطبع .. وأشير إلى أن الشاعر خضر من مواليد سورية – سلمية 1931 وقد عمل كضابط في القوات المسلحة السورية ثم تقاعد ليتفرغ للشعر والحياة أصدر إثنتا عشرة مجموعة شعرية كان أولها ( رسالة قلب ) عام 1955 وآخرها ( صوت الهوى قد أمر ) عام 2007 ، رحل الشاعر في 13/5/2008 بعد صراع مع المرض .

 

الشاعر خضر الحمصي

ورسائل عشق وهم متجددة

  

 

شاعر منذ نعومة أظفاره ، أنشد الشعر يافعاً ، وظل وفياً له زمناً ، وعندما سرقته ظروف عمله كضابط في القوات المسلحة ، أخفاه في خبايا أعماقه ، ثم انطلق به بعد ذلك يصدح للعشق والوطن ، يغني للناس ، يفرح ويحزن معهم .

نشر أشعاره الأولى في صحف الخمسينات كالنواعير والرائد العربي والثقافة والرقيب والدنيا و الغديروسواها . وعندما أتيحت له الفرصة لطباعة أشعاره ، كان ديوانه الأول الذي صدر عام 1955 بعنوان ( رسالة قلب ) الذي أهداه إلى شقرائه وملهمته (سعاد ) وقدمه فيه الشاعر الراحل ( أنور الجندي ) معتبراً أن في القصائد جمالاً صوفياً مخيفاً أغناه حرمان الشاعر الذي تجرعه في طفولته ، وعمق حبه لمعشوقة لم ينل منها إلا الذكريات فانطوى على نفسه يجتر آلامه بمقاطع شعرية جميلة فيها أشياء من روحه .

وقد لخص رسالة عشقه على غلاف المجموعة :

 

شقراء ياأملي وسؤلي في الهــوى                       ياجذوة القلب الكليم الحائـــــر

عزفتك أوتار الحياة فصفقــــــــت                       طرباً لأنغام الحياة مشـاعري

ورمتك في روض الفتون كزهـرة                      جاءت إلى الدنيا بنفح عاطـــر

أهديك من قلبي الجريح( رسالـــــة)                   ذكرى المودة من حبيب صابر

 

وظل يهمس لها في دعة ورقة :

 

عطريها وردة الحب فإنـــي                            هائم نشوان من خمر العيون

تمتميها نغمة تحلو لديـــــــنا                           من شفاه حلوة كالياسميــــــن    

فترف الروح فوقي ثم أدري                             أي حلم قد توارى عن عيوني

 

وفي الجزء الثاني من مجموعته خاض في طلائع الأمجاد والألم ، فقد قال في صرخة يعربي يرغب في تنسم الحرية وتقطيع الأغلال :

 

أنا شاعر والشــــــــعر عندي ثورة                        حمراء تذكي عزتي وإبائي

أنا غضبة الأعصار في دنيا الورى                        أنا شهقة النيران للعليــــاء

 

وأهدى مجموعته الثالثة ( دمشق ياحبيبتي ) الصادرة عام 1992 إلى دمشق التي تعيش في ذاكرته وإلى ورود سقاها من دمه . وقدم للمجموعة الأديب( مدحةعكاش ) مشيراً أن الشاعر الحمصي قد نقل صورة واضحة لما انطوت عليه نفسه من تذوق للجمال والحس المرهف ، كما أنه تمكن من إثبات قدرة الشعراء المعاصرين على استيعاب مفاهيم العصر دون التخلي عما ورثوه من أصالة في الوزن والتزام بالقافية وأداء للفكرة .

وتنوعت أغراض الشاعر في هذه المجموعة ، فقد تعرض لمعاناته وهمومه في مطلع قصائدها :

  

أنا طير لم يزل يفرد للريح جناحــــــــه

غامت الدنيا فهل يشكو إلى الدنيا نواحه

يرقد الليل بدربي وأنا أبغي صباحــــــه

 

كما أن العشق ووصف الحبيبة من أغراض الشاعر الهامة ، فهو يقول في لحظة عشق جميلة :

 

حدثيني صمت عينيك هوى                         وفؤادي ليس يرضى باعــــــتذار

مذ خلقنا فالدنا ملك لنـــــــا                          فانزعي القيد أعيدي لي اعتباري

لايلام القلب في تحنانــــــه                          فهو كالبحر سخي بالمحــــــــــار

 

ونالت دمشق حصتها من المجموعة المسماة باسمها :

 

رشفت كأس المنى ياشام ظمآنا                       ورحت أبحر في عينيك نشــوانا

تألق الدوح وانسابت قلائـــــده                       تنضد الدر اكليلاً وتيجـــــــــــانا

دمشق فاتنة والدل زينتــــهــــا                        والأرض تنفحها عطراً وريحانا

 

وهو دوماً يستذكر ( سلمية ) الطفولة والشباب :

 

بأرضك ياسلمية قد درجنــــــــا                        شربنا المجد جاماً بعد جام

جبال الخضر والزرقا عريــــن                        يثور الحق فيها إن تضامي

هنا الأدب الرفيع هنا القوافــــي                        قلائدها تزف إلى الأنــــام

ومنك تحدر الشعراء نبعـــــــــاً                         وغنوا للتآلف والوئـــــــام

 

في ( قطار العمر ) مجموعته الرابعةالصادرة عام 1994 التي يفضحها عنوانها ،العمر يمضي والهموم تتراكم ، هموم الحياة والعشق ، وربما انعكست إحداها في الأخرى :

 

متعب عمري مكوث وارتحال                      واحتراق في متاهات الخيال

حائر مابين أمس قد مضـــــى                      مثل طيف زاده الشك انعزال

 

وفي القصيدة الرئيسة التي أعطت المجموعة عنوانها ، يتحدث الشاعر عن عشقه المؤلم دوماً :

 

ياقلب حسبك أن تعيش مبرحاً                      تغريك للسفر البعيد بحار

أتظل في موج الغواية مرهقـاً                      تمضي ببحر ما إليه قرار

أغلى المشاعر في القلوب مودة                   ترقى وكأس بالوفاء تــدار

 

ولاينسى الشاعر أن يعرج على حبيبة تسحره مفاتنها :

 

في ثغرها جورية فتانــــــــة                         دمها على جمر الشفاه تلهــــبا

فكأنما غرس الإله نعيمـــــه                         في صدرها فأناخ فيه وأخصبا

 

وأهدى مجموعته السادسة ( العزف على قيثارة الحب والوطن ) الصادرة عام 1997 إلى الحبيبة وهي في عالم مسكون بالحزن والألم :

 

كلما رن على الدرب صدى صوت بعـــيدْ

خلت أني في دجى الليل على الدرب وحيد

فإذا الصوت هتاف رائع اللحن فريـــــــــد

وبقايا نغمات تقتل الحزن الشديــــــــــــــدْ

إنه صوتك يدعوني فأحيا من جديــــــــــدْ

يوم ألقاك كأني رغم أحزاني بعيــــــــــــدْ

 

وقد عزف في مجموعته هذه على أكثر من وتر ، وبدل أكثر من قيثارة ، وكانت جميعها تنضوي تحت لواء شعر لطيف سهل المعاني .

ففي معزوفات العشق المتعددة ، يقول في قصيدة يبث فيها ظمأه للعشق والشفاه المسكرة :

 

أنت دنيا تفتحت في شبابي                       فامنحيني من الشفاه مدامـــا

أنالولاكِ ماخلقــــتُ ولولا                        رفة الجفن ماعرفتُ الهياما

 

وفي معزوفة بكاء له على ماض تمتلئ ساحه بالعشق يقول :

 

لاتنسني ياليل واسكب خمرتــــــي             فلرب يوم تستفيق الذاكــــــــــــرة    

سالت على الأمس المهاجر أدمعي             ويلٌ لقلبي هل سيلقى هاجــــــــرة

أشتاق للبوح الوديع إذا ســـــــرى              وإلى السعير على الشفاه الساحرة

 

وعندما يعزف على قيثارة الوطن يقول :

 

وطني أضمامة من زهَر                        ومرايا سكبت من جوهرِ

وسماه درة منسوجــــــةٌ                         زينتها نيرات السحــــــر

إنه نغمة شوق عزفـــت                         من فم الناي ، وثغر الوتر

 

وسلمية هنا حاضرة أيضاً ، حاضرة في دمه وقصائده ، حتى وإن تحدث عن ظلم الدنيا لها :

 

غرثى سلمية والزمان  يخونها                   لو تظلم الدنيا تضيء عيونها

أسلمية والمجد من  أركانهـــــا                   أيان حط المجد فهو قرينهـــا

ولأنت أم الشعر  ميدان الحجى                   ولأنت للآساد أنت عرينهـــا

هي في دمي لوجف نبع حنانها                   وأنا على مر السنين سجينها

 

في مجموعته الثامنة ( ولو عشت في الفردوس ) الصادرة عام 2000 والتي تغلب على قصائدها الأخوانيات ، إلا أن العشق لايزال موضوعاً هاماً يتناوله الشاعر ، فهو يقول في لحظة عشق جميلة :

 

من نعمياتكِ هذا العطـــر والألق                  ومن صدودك قلب الصب يحترقُ

دمي على الثغر كم شبت حرائقه                  وكم غواهُ إلى أنفاسك الحبــــــــقُ

 

ورغم حب الشاعر للحياة إلا أنه يستذكر همومه دائماً :

 

 

هجرت عنادل روضتي أعشاشها

وذوى الشجر

وهفوت أنقل خطوتي متعثراً

قدماي تنزلقان مابين الحرائق والحفر

أدركت من تعبي بأن الجرح ينزف والدنى

في ناظري أمست صور

 

وقد قسم الشاعر مجموعته التاسعة ( الليل والطريق ) الصادرة عام 2001 إلى ثلاثة أقسام : الغزل والوجدانيات ــ أخوانيات ــ قصائد قومية ووطنية .

ففي وصف حبيبة غاضبة ، وما أكثرهن في قصائده :

 

اغضبي ماشئت ياسيدتي                           في رؤى عينيك أحببت الغضبْ

حلوة أحلى من البدر سناً                           حينما أشرقتِ حيّا وانسحــــــبْ

وتمنت كل أنوار الدجــى                           لو توارت خلف شعر من ذهبْ

 

وفي مكابدته للهموم دوماً محطة لاينساها :

 

فإلى متى ؟ والليل يقتل فرحتي

وأنا هنا في مركب الأيام

يغريني المسير

أين الربيع وكيف ولى العمر

والحلم الوديع

عمري يكفنه الشقاء ويستحم بناره

قلبي فأغدو

نبتة صفراء أذبلها الصقيعْ

 

أما في قصيدته الرئيسة ( الليل والطريق ) فقد لخص مشوار حياته قائلاً :

 

أضعنا الطريق وهمنا سدى                         ولم يبق في الدرب إلا الحفرْ

 

أما مجموعته الأخيرة ( نعم إليكِ أغني ) الصادرة عام2004 فقد أهداها إلى أحفاده

 الصغار ــ الصغار ، وبدأها برشة عطر لهم :

 

أرنو إليهم وقلبي في توجّــــده                        حب تجذر في الأحنـــاء وانطلقا

كأن طلعتهم عند الدجى غسقٌ                         وفي المساء وجوه تكسف الشفقا

 

ثم اتبع اسلوب تقسيمه في أعماله السابقة ، فقسم المجموعة إلى وجدانيات وغزل ــ أخوانيات ــ الرثاء ــ الشعر القومي .

ويبدأ وجدانياته بهموم العمر المتقدم :

 

ياحبيبي أقفر العمــــر ، وجفت شفتانا

وابتعدنا وحقول الورد لم تعشق سوانا

ذبلت من شوقها تبكي ليالينا الحزانـى

وعاد للجمال الملهم يصوره لنا كعادته في بهاء وروعة :

 

عبرت يوشحها الجمال الملهــــــمُ                         والنور كاد بوجهها يتكلـــــمُ

سلبت عيون الناظرين لحســــــنها                        فليسلم الحسن المنور يســـلمُ

من أي عصر جئت عاطرة الندى                         فينوس أنت بحسنها أم مريمُ

 

وفي رثاء منه للشاعر الراحل( أنور الجندي ) الذي قدم له مجموعته الأولى يقول :

 

ياشاعر الصحراء غاب حداؤها                        وشكت حمائمها ، ومات هديلها

قدمت للأجيال قلبك يافعــــــــــاً                        فلأنت إن ذكر الوفاء رسولهـــا

 

والشاعر يعيش هموم الوطن وآلامه ، كما أسلفنا ، ولكنه يعلن بتفاؤل واضح أنْ لابد للصبح إشراق :

 

إنا هنا وهموم العرب تشغلنا                          نرنو وقد كثرت في ساحنا العللُ

لابد للصبح إشراق يطالعنــا                          وليلنا من عيون الشمس يكتحــلُ

 

كما أن الشاعر كان مهتما بكتابة أناشيد وأغانٍ ، قدمها للإذاعة السورية ، غنى بعضها عدد من مطربي ومطربات الإذاعة ، وقام بجمعها في مجموعة أسماها ( أغاني الصبا والجمال ) .

 

خضر الحمصي ... شاعر لايزال يصدح رغم العمر الذي يسرقه ...

شاعر في شعره الأصالة والجزالة والتعبير الجميل ....

وفي كلماته بوح وعشق وحنين وحس مرهف ...

شاعر نبضت القصيدة بين يديه ...

شاعر ظل يعيش إحساس الشباب ، يغني للحب تارة ويغمز من هموم العمر تارة أخرى ...

يغني للبطولة ، للعروبة ، لدمشق وسلمية ، يبكي على أحباب رحلوا ، ويحاور أصدقاء لازالوا يعيشون معه ، يبتسم عبر قوافيه الجميلة ، يدفعك دون أن تدري كي تعشق معه سمراء أو شقراء يناجيها بابتسامة ومودة خالصة ...

شاعر لايزال رغم هموم المرض والشيخوخة ، يدفعك لأن تعشق مجالسته وسماع المزيد من أخبار العشق والشعر ورفاق دربه الطويل ... الطويل

 

          محمد عزوز
 

صدر للشاعر مجموعة ( صوت الهوى قد أمر ) خلال الإعداد لطباعة هذا العمل .

توفي الشاعر في 13/5/2008 بعد صراع مع المرض .

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية