مواضيع للحوار

في انتظار فلادي مسرحية عراقية عن المرتقب الذي لن يأتي

في انتظار فلادي مسرحية عراقية عن المرتقب الذي لن يأتي

945 مشاهدة

في انتظار فلادي مسرحية عراقية عن المرتقب الذي لن يأتي

 نضال قوشحة  

المصدر / العرب

المصدر: موقع الخشبة

1 . العرض يبحث في مصائر الناس في زمن باتت فيه الأحداث السياسية تعبث بمصائر الشعوب، فارضة إيقاعات من التغير على الأفراد.

على خشبة “المسرح المغلق” في مجمع دمر الثقافي بدمشق، عرضت مؤخرا مسرحية “في انتظار فلاديمير” للمخرج العراقي الشاب حيدر سلمان، وكتابة مثال غازي، وتمثيل للسوريين تاج الدين ضيف الله، وسليمان قطان، مع الطفلة سنينة غونوجوقة، في اقتباس عن مسرحية صموئيل بيكيت الشهيرة “في انتظار غودو”، لكن بمناخات وحيوات عربية خالصة.

قدمت في أوائل شهر نوفمبر الجاري بالعاصمة السورية دمشق مسرحية عراقية حملت عنوان “في انتظار فلاديمير” للكاتب المسرحي العراقي مثال غازي وإخراج الشاب العراقي حيدر سليمان.

وتندرج المسرحية ضمن إطار مسرح الفصل الواحد، وقد كان زمن عرض المسرحية على المنصة ما يقارب النصف ساعة فقط، وتنحو المسرحية بعنوانها وكذلك في أجوائها العبثية نحو فضاءات المسرحية الشهيرة لصموئيل بيكيت “في انتظار غودو” التي تعتبر أهم ما كتب في المسرح التجريبي، والتي تتمتع بشهرة عالمية وقدمت المئات من المرات على مسارح العالم.

وفي مسرحية بيكيت، يجري حوار بين شخصيتين معزولتين “استراغون” و”فلاديمير” وهما يثرثران في مدى لا متناهي، بحثا عن غودو الذي لن يأتي، وضمن الأجواء ذاتها يحيلنا كاتب مسرحية “في انتظار فلاديمير” العراقي مثال غازي نحو لقاء عابر بين شخصيتين، في جو عبثي، بحيث يجتمعان في ليلة ماطرة ليبدأ الكلام والثرثرة عن عوالم تخصهما وتجمع بينهما، لتبدأ علاقتهما بالتكشف في تواترت هادئة حينا وعنيفة تارة أخرى.

وعبر مسارات النص، يتغير موقعهما معا، ويكونان تارة صديقين وتارة على ضفتي عداء واضح، ليعلو صراخهما في بعض الحالات ويصل الأمر للتهديد بحمل السلاح.

الكاتب المسرحي العراقي مثال غازي، يبدو مسكونا بهاجس الكتابة عن الإنسان العربي، بما يحمله من أوجاع سياسية في الفترة الراهنة

وفي العرض المسرحي “في انتظار فلاديمير” بحث في مصائر الناس في زمن باتت فيه الأحداث السياسية تعبث بمصائر الشعوب، فارضة إيقاعات من التغير لا يمكن للأفراد إلاّ أن تقابلها بالمزيد من العبث والتمرد، ولو كانت النهايات المأساوية هي المصائر المحتومة لقاء ذلك.

واعتمد مخرج العمل، حيدر سليمان، إخراجيا على قوة الفكرة، وتطويع قدرات التمثيل لكل من تاج الدين ضيف الله وسليمان قطان للوصول بالعرض إلى طرح مقولاته بكثير من الجدية، ولم يعتمد حلولا بصرية فيها غنى تشكيلي، فكانت الإضاءة عادية اكتفت بتأطير الشخصيتين الرئيستين ضمن مساحات ضيقة، وكأنها إيحاء للمسارات الضيقة التي تعيشانها في حياتهما الفعلية.

كذلك كانت شخصية الفتاة سينة غونوجوقة التي ظهرت في مواضع محددة في العرض قليلة التأثير، وشكلت معادلا حكائيا للأحداث التي ستكون لاحقا بين الشخصيين الرئيستين.

واكتفت الفتاة بالوجود على أقصى يمين المنصة لتظهر ضمن حركة بسيطة وتحت مساحة ضوء خافت، بل إنها لم تنطق بأي جملة حوارية وكانت ردّات فعلها تتشكل بالبحث عن ردّات الفعل عبر موجات محطات الراديو أو من خلال النت، في إشارة إلى شباب اليوم وما يعانونه من قطيعة مع الكبار، هي عبثية اليوم.

وشكلت شاشة العرض التي رافقت المسرحية على امتداد زمنه حالة من الدهشة، بكونها عنصرا فنيا بصريا مستخدما في عرض مسرحي، وهي حالة فيها تجديد نوعي، لكن وجودها على امتداد كل زمن العرض أوجد شكلا من التشويش على المتلقي وخلق لديه تساؤلات عديدة.

ويبدو الكاتب المسرحي العراقي مثال غازي، مسكونا بهاجس الكتابة عن الإنسان العربي، بما يحمله من أوجاع سياسية في الفترة الراهنة، فهو معني بالكتابة عن القهر والخوف والعزلة التي يعاني منها الإنسان في ظل سطوة القوة والبطش التي تحيط به من كل الاتجاهات، والتي سببت حالة من القمع النفسي الذي بات يشكل ظاهرة واضحة في مجتمعاتنا العربية.

وفي أحد نصوصه يتصدى غازي لحكاية حقيقية تتحدث عن ثلاثة أشخاص وجدوا في قبو سري بعد فترة اعتقال طويلة، بحيث غدا هؤلاء الثلاثة جزءا من النسيان والفوضى التي ألمت بالمكان، فباتوا بالكاد يتذكرون أسماءهم الشخصية وحيواتهم العادية التي افتقدوها.