دراسات أدبية

قراءة ومشاعر انطباعية من وحيّ القصيدة

قراءة ومشاعر انطباعية من وحيّ القصيدة

762 مشاهدة

قراءة ومشاعر انطباعية من وحيّ القصيدة ...

#كنعان _محيميد _البني

من وحي ذاكرة الجريمة والعقاب ...

الشاعرة #ميا #جبر

..............

خطوتي

على الطريق افزعتني

عبث الطريق بخطوتي

 عواء ذئب

 وانياب انهكتني

بيتي بعيد

ويد الغريب

عانقتني

...........

  لست ذئب

قلبه

انهضي

وخذي أظافري

بك يليق هذا الحرير

 المع الزجاج

القاتم. بيننا

حتى اراك جيدا

وانا أطور حوافري

لأمضي صامتا

كي تعبري

هنا عوالق التاريخ

ومسامات جلد

لذكور وحيد القرن

فما قبله بلا قرون

...................

اتابع التنظيف

بوسع عينيكٍ

الزجاج أحمر

وصرختُ نظفي..

خذي نصيبك مني

قبليني وارحلي... لا ترحلي

جف الرصيف

...................

ناولتني احمر الشفاه

فمن ناحيتي احمر

ومن ناحية قلبها

 يصرخ التاريخ بها

ياعاهره

 

أشعلت قناديل الروح .. وشّرعت نوافذ النفس وأطلقتها .. كان البحر الجار الحميم .. لذا لا أسرار أخفيها عنه .. ابتسم مليا يمتع ناظريه  بالصراع بين القناديل الهائمة والروح التواقة للحرية والأمان .. وحورية البحر المشتهاة .. تُسخّر مهاراتها بلعبة القط والفأر .. ابتسم مرة أخرى وأنصت إليَّ وبدأت البوح ...

قلت بصراحة القصيدة شدتني وأغرتني أن أركب زورق المغامرة وأجدف بحثا بالمعاني والصور والمقاصد الرمزية والدلائل التي دفعت لخط هذا العنوان " من وحي ذاكرة الجريمة والعقاب " .. عنوان مثير للتفكير والبحث لماذا هذا الاختيار .. طبعا بعيدا عن مصادرة حرية الشاعرة في نسيج نصها الشعري واختيار العنوان الذي تراه منسجما مع جوهر فكرة النص .. ولكن ذائقتي قادتني بعد المشوار, لضرورة الهدوء والتحكم بردات الفعل بشقيها الإعجاب أو عكسه .. ورجعت بكل بساطة لتراث صاحب العنوان المستعار ومنجزه الفكري والفلسفي محمولا عبر الروايات والقصص التي كانت مدرسة للكثيرين من العظماء ..  وأشهر روايات الكاتب الروسي " فيودور دوستويفسكي " رواية " الجريمة والعقاب " .. ضحك الجار وهمس وطرف عينه يتابع المشهد خلسة كي لايفسد المعنى الموضوعي للإنصات .. جميل ياصاحبي .. وبوصفك مسرحي لا بد درست الشخصية الرئيس في الرواية والأسباب التي دفعت " راسكولنكوف " به لارتكاب الجريمة, أليس كذلك ؟

قلت بكل ثقة طبعا هو " الفقر المدقع والبؤس " ما يدفع الإنسان لارتكاب عمل يقيمه المجتمع بالشر؟؟؟ دون البحث بالأسباب؟؟؟!!!

صفق الجار بفرح كموجتين متلاحقتين تقبل الشاطئ بفرح طفوليّ. وأشار عليَّ بالمتابعة .. تابعت بزهو وقلت: وبوصفه يدرس الحقوق – راسكولنكوف – حلل عمل المرأة المرابية التي تقرض الطلاب بالفائدة وتجني ثروة مغرية .. لذا تشجع على القتل كحل لواقعه البائس .. ولكن وكما يُقال: " تجري الرياح بما لا تشتهي السفن " .. ويحصل الذي لم يكن بالحسبان .. قتله لأختها التي ساقتها الصدفة للموت .. لا حلَّ سوى ذلك أمامه .. ويخرج بالقليل, القليل .. ويعاني من الكثير .. الحمى، والقلق, والخوف, والضغط النفسي الذي تضاعف بوصفه حقوقي ويعرف القانون جيدا وماهية الجريمة اجتماعيا .. ويعرف أيضا العقاب قانونيا, وتقييم المجتمع له ليس لارتكابه الجريمة فقط, بل لكونه حقوقي؟؟؟  لذا ماتت والدته جراء مشاعرها وأحاسيسها بفعل ولدها ؟؟؟!!! 

هزَّ الجار رأسه بجدية وعيونه تحدق بي وأنا أتكلم وقاطعني متأسفا لحال بطل الرواية: كم حظه عائر هذا الإنسان ؟؟؟

ثم استدرك واعتذر وطلب المتابعة.

نعم لقد كان حظه هكذا عاثر .. تصور خلال إعداده وتخطيطه للجريمة لم يتعظ بحكاية السكير الذي التقاه وحدثه عن طيشه وبعثرته لثروة كبيرة وتشتيته لعائلته وكيف اضطرت ابنته " سونيا " لممارسة الدعارة لتعيل أسرتها .. واستمرت صداقتهما بعد الجريمة ونشأت علاقة عاطفية طاهرة بين "  راسكولنكوف " و " سونيا " التي شجعته بعد مصارحته لها بفعلته, على ضرورة الاعتراف كي يرتاح من العذاب النفسيّ الذي كان ينكد عليه عيشته .. وانتفض جاري كموجة في يوم عاصف وقال والدهشة مرسومة على مقاطعته المفاجئة: وهل اعترف؟؟؟

تابعت الحديث وعيوني في عيون جاري, وبهدوء قلت له: تصور بعد انتشار الحكاية في المدينة, وتجواله الزائد بشوارع المدينة أثار انتباه الكثيرين إليه, ومنهم صديقه المحقق الذي تعرف عليه, ولعب الفأر بعب المحقق,  أن صديقه هذا ونتيجة مراقبته لردات الفعل عند سماعه من أحدهم قصة الجريمة, أن له علاقة وطيدة بالجريمة, ولكن ليس لديه دليل, وأيضا اعتراف أحدهم بأنه هو مرتكب جريمة القتل.

زادت دهشة جاري وصرخ مقاطعا: طيب وما بلغ عنوووووو؟؟؟!!!

رديت ورجفة بصوتي نتيجة مقاطعته وصراخه وقلت: ياجاري هدي من انفعالاتك ألم أقل لك أن ليس لديه دليل عليه؟؟؟

اعتذر وعاد لهدوئه المغري, وقال: طيب هل اعترف لحبيبته؟

أجبته: نعم ياجاري العزيز .. وسَبّقت عليه قبل الجواب, أن لا ينفعل ويرفع صوته ..

قال: والقلق باد على محياه وبعدين؟؟؟

قلت: اعترف, وأخذ جزاءه بالسجن ثمان سنوات مع الأعمال الشاقة والسجن كان في " سيبيريا "!!!

حلَّ الصمت على جاري, ثم نطق مزعوجا من تصرف الحبيبة وتشجيعها له على الاعتراف .. في الوقت الذي لا شيء يدينه ..

ابتسمت له بكل تقدير ومحبة واحترام .. لقد فعلت ما يمليه عليها وعيها وفهمها وحبها له وتقديرها لاعترافه لها .. لذا تبعته إلى " سيبيريا " وكان سعيدا وفرحا بأنه تخلص من الضغط النفسي الذي كان يعاني منه.

ساد بيننا صمت دام لبرهة لا بأس بها .. ثم نطق جاري مستفسرا ومستوضحا .. طيب هاد تحليل لشخصية الرواية .. طيب .. طيب وماهو تحليلك وقراءتك للقصيدة .. أكيد سيكون مليئا بالمفاجآت. وراح نظره باتجاه الفضاء ليسرق نظرة للمشهد الذي يجري وتتزعمه حورية البحر .. ثم عاد مبتسما مسرورا من دخول شخصية أخرى على المشهد لتزيد من الصراع الدرامي حرارة بعض من طيور النورس. ثم استدرك وقال: أنا معك أتحفنا بما توصلت إليه؟؟؟

طبعاً ياصاحبي العتيق, وهل أقدر على خذلانك يابو الزرقة الممنوحة من فضاء العمق والصمت والشغف لعطر حورية البحر ...

قلت: شوف ياصاحبي النص الأدبي جاء على أربع مقاطع, وزعت الشاعرة أفكارها ومشاعرها وتأثرها بفلسفة الروائي العظيم, وتحليله لنفسية المجرم والجريمة والعلاقة الجدلية بينهما .. وهي منطلقة من واقعها الموضوعي وحنكتها وحرفيتها في الاستعارات والتشابيه والكنايات, وبشيء من المواربة كي لا تقع في فجاجة السرد القاتل في بعض الأحيان.

في المقطع الأول تتجلى أثار الرواية وشخصيتها الرئيس " راسكولنكوف " على تماهي الفكرة النفسية بقول الكاتبة " عَبثَ الطريق بخطوتي ", مؤكدة بحرفية تجريد الذئب من التعريف؟؟؟ واستعارة أنياب الذئب لتعبر عن اضطرابها وقلقها وسعيها للأمان الذي تشعر ببعده. ثم فجأة مدهشة ترمينا ببركان وحميمية العاشق الغريب وعناقه.

ياسلام .. ياسلام صرخ الجار منتشيا هاد الكلام الحلو ياعمي .. ثم عاد للصمت والإصغاء معتذرا متأسفا واعدا أن لا يعود لذلك؟

لاعليك المقطع الثاني ياصاحبي " وهنا وضعنا الجمال كما يقول المثل الشعبي .. تقول الكاتبة " لستُ ذئب ... قلبه " لقطة رائعة وفق ذائقتي الجمالية .. استعارة في مكانها وببعد حداثوي جميل بسيط قوي, تصف الغريب/العاشق. توحي لنا بعطر العلاقة بين "   راسكولنكوف " و " سونيا " عندما تقول ببوح حميم " انهضي .. خذي أظافري " خطاب العاشق أن تقوي بأدواتي وقفي " .. ثم التشجيع وزرع الثقة بالنفس والتحفيز بتغريد من الكاتبة " بك يليق الحرير " .. تتابع التغريد الشجي بالقول " ألمع الزجاج القاتم. بيننا " .. أزيل الشوائب عن الرؤيا الاجتماعية كصفة قاتمة, وتُفرد المساحة لكلمة " بيننا " لتشير للبلاغة عند الكاتبة .. ثم إعطاء الإجابة في الشطر الذي بيليه " حتى أراك جيداً ".

ثم تتابع السحر – الكاتبة – " وأنا أطور حوافري .. لأمضي صامتاً .. كي تعبري " .. وهنا نرى كيف وظفت الكاتبة اعتراف " راسكولنكوف " لحبيبته " سونيا " ليس فقط بجريمته / القتل .. بل حبه لها وشغفه بها رغم السمة التي ألصقها بها المجتمع الجاحد – المشتهي جسدها, والناكر لنبلها في استمرار الحياة. ثم تتابع سخريتها من العادات والتقاليد البالية " ومسامات جلد " .. هذا التجريد الرائع – أتبعته بجهل الذكورة التي استخدمت التشبيه بحيوان ضخم – ليس هو كذلك في بدء الخليقة الإنسانية.

في المقطع الثالث تتابع بهدوء توصف حالة النشوة التي ارتقى إليها العاشق " راسكولنكوف " بتشجيع من " سونيا " حيث عبر عن امتنانه وشكره وعرفانه للحبيبة حيث شعر بالراحة النفسية بفنية عالية " لا ترحلي " .. ثم تتبعها .. لا عليك لا ينتظرك سوى قلبي على رصيف العاشقين.

ومسك الختام .. حيث تختتم النص الأدبي الشعري بمقارنة مع الواقع المعاش وروح الفكرة التي اشتغل عليها الكاتب العظيم "  فيودور دوستويفسكي " في هذه الرواية والتي وسمها ب " الجريمة والعقاب " .. وهذا العنوان وكما أعتقد ذكرني بالشاعر والمفكر والفيلسوف الحكيم " محمد الماغوط " عند اعلانه قائلاً " سأخون وطني " قمة الدراما والكوميديا السوداء .. حيث التركيز على عهر الجهل المجتمعي الذي ينسى كل شيء جميل ويعود راضخاً للسائد لدى العامة .. ويشير بإصبع الظلم والقهر .. يا عاهرة ؟؟؟

تلك رؤيتي الانطباعية عن النص الأدبي / القصيدة يا جاري العزيز الغالي.

نظر نحوي مليا .. ثم همَّ بالحديث .. ولكن صمت وراح نظره باتجاه الزرقة ليرى حورية البحر تغني وتلقي القصائد والحكمة والجميع نوارس وقناديل مأخوذة بسحر المعنى وعمق البلاغة التي انتصرت وعلت على التفاهات زبدا للزوال ...

بلمح البصر ودعني وانحسر عن الرمال التي رسمت القلب وسهم الشكر يكتب بحروف مضيئة كل التقدير للشاعرة الجميلة التي منحتنا متعة منجزها المميز الجميل.