أخبار أدبية

كتب الاستاذ سعد حميد مقدمة لمسرحية غيّ للكاتب المسرحي عمار نعمه جابر‏

كتب الاستاذ سعد حميد مقدمة لمسرحية غيّ للكاتب المسرحي عمار نعمه جابر‏

527 مشاهدة

‏كتب الاستاذ سعد حميد مقدمة لمسرحية غيّ للكاتب المسرحي عمار نعمه جابر‏

" ظل( الأول) هو سيد الوعي والبحث وصاحب العقل والرجاحة ويبحث ويسعى عبر خطابه كسر التابوات ... أما (الثاني) فهو ليس سوى (سيد) سلطة غاشمة يريد أن يورثها إلى أبناء أبناءه ... و صرخة هذا النص هي ب سقوط (اللوحة) قانونه الذي خطه ل نفسه ... سقوط لابد أن يحقق العدالة والإنصاف و تكافئ الفرص... الكل له حق العيش والحرية والعدالة ... انت انسان ... أنا إنسان ... ليس فيه فضل على آخر ... انه تقدير رباني ... دمت مبدعا متألقا زاخرا بعطائك المسرحي الثر ... تحياتي"

#مسرحية غَيّ

#الكاتب _المسرحي _عمار _نعمة _جابر _العراق

الاول : ربما يكون تعليقها هنا ، غير موفق سيدي !

الثاني : على العكس تماما ، هذا هو اكثر مكان بارز على الجدار .

الاول : ولكن ! ربما لو وضعت هناك ، في ذلك الاتجاه ، ستبدو اكثر تأثيرا .

الثاني : كلا ، أبدا ، هذا المكان اكثر الأمكنة تأثيرا .

الاول : طيب ، ربما لو وضعت هناك ، في ذلك الاتجاه ، ستبدو اكثر إقناعا .

الثاني : كلا ، هذا المكان ،هو الأكثر إقناعا .

الاول : ولكن ، ماذا لو وضعت ، هناك في الاعلى ، هناك ستكون عالية ، فوق الجميع ، وستكون أكثر سلطة يا سيدي .

الثاني :  ليس كل الأمكنة المرتفعة ، قد تمثل سلطة .

الاول : وماذا لو .. ( يقاطعه الثاني )

الثاني : ( بحدّة ) اسمع ، هذا هو المكان ، الذي يجب أن تعلق فيه الايقونة المقدسة ، وليس مكان آخر  ، أرجو أن يكون ذلك واضحا تماما .

الاول : تحت أمرك يا سيدي ، أنا تحت أمرك .

الثاني : حسنا ، ثبّتها جيدا على الجدار .

الأول : سأثبتها بما أملك من قوة سيدي .

الثاني : ( بتأكيد ) بل ثبتها بما يضمن لها ،  أن تبقى معلقة على الجدار ، لثمانمائة عام أخرى .

الأول : ولكن يا سيدي ، هذا رقم كبير جدا ، زمن طويل للغاية !

الثاني : لو كنت أستطيع أن أثبتها في مكانها لألفي عام أخرى لفعلت ، ولكن هذا صعب للغاية .

الأول : ألفي عام !

الثاني : نعم ، يجب أن لا تهتز من مكانها ، يجب أن تبقى راسخة ، ثابتة ، تهز وجدان الجميع .

الأول : ماذا لو تخلخلت عن مكانها قبل الثمانمائة عام .

الثاني : كارثة !

الأول : ربما ، سيكون هناك من يأتي لترميمها وإصلاحها ، وربما يُحدث التغيير المناسب عليها.

الثاني : ماذا تقول انت ! أنت لا تعي عن أي شيء تتحدث !

الأول : أنا أسف سيدي ، لم أقصد الإهانة ابدا .

الثاني : نحن نريد للأيقونة المقدسة ، ان تكون ثابتة لا تتغير ، لا نريد لأي شخص أن يتلاعب بها .

الأول : ولكن قد يصلحها بشكل احترافي ، كما صنعتم أنتم هذه المرة ، وتصبح افضل .

الثاني : الكمال في هذه الايقونة ، إنها صورة الرب الذي لا يتغير ، صورة الكامل الذي لا نقص فيه .

الأول : قد تكون هناك أفكار جديدة ، وأساليب جديدة ، وقد تظهر مفاهيم جديدة .

الثاني : جميعها ستشوهها ، ستحدث فيها فعلا ناقصا ، ينبع من ذات صغيرة وتافهة .

الأول :   ارجوك سيدي ، ولكني أرى أنها مجرد لوحة ، لوحة فيها خطوط ، قام احدهم بتشكيلها ، لوحة فيها ألوان بعضها باهت ، سيدي حتما  سيأتي بعدنا من يحدث فيها ، تغيير ، ثورة ، انعطافة في الفهم ، ارجوك ، العالم في العادة لا يتوقف عند شكل واحد ، اقترحه أحدهم ، في وقت ما ، وفي حالة ما !

الثاني : ويحك ، هل جننت ! ماذا تقول ، هل انت مدرك لكل هذا الهراء الذي تتحدث به !

الاول : عفوا سيدي ، أنا لا أقصد الاهانة ، ولكن احاول ان اطرح رأي فقط .

الثاني : رأي جاحد وكافر  ، لا ، بل قنبلة موقوته ، قنبلة نووية ، صاروخ عابر للقارات .

الاول :  ولكن أنا ..

الثاني : ماذا أنت ، ها ، ماذا انت ؟

الاول : احاول ان أقول ، أن هذه اللوحة…  ( يقاطعه الثاني )

الثاني : أيقونة ، هذه أيقونة مقدسة ، هذه صورة الرب ، هذه الطريق والسبيل ، الهدى والنور ، البوصلة والشراع ..

الاول : انها مجرد لوحة ، تشبه آلاف اللوحات في الارض !

الثاني : انها ليست مجرد لوحة ،  انها الايقونة المقدسة ، معلقة على أقدس جدار ، في أقدس مكان على وجه الأرض ، هل تفهم كلامي ؟

الاول : نعم أفهم كلامك ، ولكن ..

الثاني : أنت لا تدري حجم ما تقول ، انت تشك بكل الرسل .

الاول : أنا !

الثاني : أنت تشك بالكتاب المقدس .

الاول : أنا !

الثاني : أنت تشك في الله .

الاول : يا سبحان الله !

الثاني : سيكون مصيرك الجحيم .

الاول : لماذا الجحيم ، لأنني قلت أنه قد يجئ في يوم ما ، من يرمم هذه اللوحة ..

الثاني : قلت لك أيقونة مقدسة ، وليست لوحة ..

الاول : هذه الايقونة ، لا شك أنها بحاجة الى تغيير ، وترميم ، وتحديث ، هكذا تجري كل الاشياء .

الثاني : الا الرب ، ثابت لا يتغير .

الاول : نعم يا سيدي ، الرب ثابت لا يتغير ، ما يجب أن يتغير هو صورته في اذهاننا .

الثاني : قلت لك اترك هذا الحديث ، هل تفهم ؟

الاول : ( يتحرك ) حسنا ، حسنا ، لا تغضب يا سيدي ، أنا أعتذر لك ، سامحني .

الثاني : ( يتحرك ) حسنا ، هل ثبّتّ الايقونة جيدا ؟

الاول : ربما ستبقى ثابتة ، على هذا الجدار ، لمئات السنين . لن تتحرك .

الثاني : حسنا ، تبدو غير مستوية .

الاول : الى اليمين أم الى الشمال ؟

الثاني : الى الشمال .

الاول : تميل الى الشمال ؟

الثاني : ( يتحرك ) لا ، انتظر ، إنها تميل الى اليمين .

الاول : الى اليمين .

الثاني : ( يتحرك ) توقف ، ارى انها تميل كثيرا للشمال .

الاول : سيدي ارجوك ، حدد في اي اتجاه تميل !

الثاني : لا ادري ماذا اقول لك ، عندما اقف في الشمال ، اراها تميل لليمين ، وعندما أقف في اليمين ، اراها تميل للشمال .

الاول : هذا ما يجري في العادة ، تميل الاشياء ، بحسب مكان وقوفنا .

الثاني : وماذا سنفعل حيال ذلك برأيك ؟

الاول : علينا جميعا أن نقف ، تماما ، في المنتصف ، لتبدو الامور على حقيقتها .

الثاني : ماذا تقصد بهذا الكلام !

الاول : لا اقصد شيئا ، أقصد هذه اللوحة .

الثاني : الايقونة المقدسة . هل فهمت ؟

الاول : فهمت ، نعم فهمت ، لا تزعج نفسك ارجوك ، الامور لا تستحق الانفعال .

الثاني : ( غاضبا ) كيف لا تستحق الانفعال ، ها ، كيف !

الاول : انه أمر بسيط يا سيدي ، لا تنفعل .

الثاني : انه حديث عن الرب ، كيف يمكن ان يكون بسيطا برأيك !

الاول : أقصد اننا يجب ان نأخذ الامور ببساطة .

الثاني : ولكن الامور ليست بسيطة ابدا .

الاول : ليست بسيطة !

الثاني : نعم ، ليست بسيطة ، لأنها تتعلق بالله .

الاول : ما الحكمة من بقاء الامور التي تتعلق بالله بهذا التعقيد ، وتلك الالتواءات والعقد الكثيرة ، فكيف بنا نحن البسطاء جدا ، الا يجب ان تكون لنا صورنا البسيطة عن الله .

الثاني : نعم ،  ليس على الجميع فهم كل الملابسات .

الاول : ولكن ، بدون فهم ،  سيبقى لا يعرفه سواكم سيدي ، سوف نبقى عديمي المنفعة .!

الثاني : نعم ، يجب أن يبقى الكثير ، عديمي المنفعة .

الاول : هل تقصد ان مجيئنا خطأ فادح ؟

الثاني : أنا لم اقل ذلك .

الاول : هل نحن مجرد حشو ، بلا اي قيمة .

الثاني : قلت لك ، لم أقل ذلك  .

الاول : هل نحن كائنات لا قيمة لوجودها ؟

الثاني : اردت ان اقول ، أن المخلوقات متباينة .

الاول : اجابة غير واضحة سيدي .

الثاني : وهو كذلك ، لا يجب ان تكون كل الاجابات واضحة ، وخصوصا حول هذه المواضيع ، هل يبدو الامر واضحا الآن ؟

الاول : أمورنا ليست على ما يرام !

الثاني : خذو الخطوط العامة فقط ، اتركوا التفاصيل لنا .

الأول : ولكنها مجرد وجهة نظر يا سيدي !

الثاني : لا أفهم ما تقصد ؟

الأول : كل ما رسم على الجدار هناك ، وجهة نظر فقط ،  لوحة رسم فيها خطوط محددة ، بأشكال والوان وانحناءات محددة  . أنت تريدها ان تبقى كما هي لألفي عام .  وسيادتك تريدنا أن نفهم الخطوط والاشكال المحددة بشكل عام ! طلبك يا سيدي ، يشبه تماما ، أن ترسم سفينة بأشرعة عالية ، وتطلب أن لا نهتم بما يدور في ذهن القبطان !

الثاني : وما دخلك انت بما في ذهن القبطان ، قدس السفينة ، وكفى .

الأول : كيف لا يهمني أمره ، أنا أرى سفينة كبيرة بأشرعة عالية ، إذن أنا أدخل فيها ، أعيش فيها  ، أحلم وأتنفس فيها ، كيف لا يخطر في بالي أن أسأل نفسي ، في أي مكان هي ، وأين تتجه ، وما سبب ابحارها ، وكم فيها من البحارة ، وهل هناك نساء جميلات تبحر مع البحارة .

الثاني : نساء جميلات !

الأول : أنا افترض فقط يا سيدي ، أرجوك لا تغضب مني .

الثاني : بهذه الطريقة سيحدث الضلال ، يحدث الغيّ ، وتدخلون التيه .

الاول : وهل معرفة الرب ، اقصد القبطان ضلال وغيّ ؟

الثاني : لا تسألوا عن اشياء إن تبد لكم تسؤكم .

الاول : هل يريد الله منا أن نبقى هكذا ، لا نعرفه عن كثب ، ولكن سيدي ارجوك ، كيف سنحبه ، كيف سنحب من لا نعرف ، من لا نفهم !

الثاني : الفهم والقرب يحتاج الى مجهود كبير ، الامور بالغة التعقيد .

الاول : اليس من واجبكم ان تبسطوا لنا هذه الامور .

الثاني : ومن تقصد ، بواجبكم ؟

الاول : جميع من شارك برسم هذه اللوحة ، جميع من يقول أنها نسخة عن الرب ، جميع من يطلبون منا أن نقدسها .

الثاني : ( بغضب ) لا اعرف من اين جاءوا بك إليّ ، من ارسلك لتكلمني بهذا الشكل ، اخبرني ، من يتآمر على الرب معك ، من ارسلك لتقوض هذا القدس المتعالي ، من دفعك لتدنس بيت الرب ، لتدنس ملكوت الله .

الاول : أنا ادنس ملكوت الله ! ابدا ، العفو يا سيدي ، أنا مجرد مستأجر يثبت لك اللوحة في مكانها .

الثاني : قلت لك ايقونة ايها المتآمر .

الاول : سيدي ارجوك ، انا مجرد انسان بسيط ، لم يدفعني احد ، كنت احاول أن أفهم ، في هذه اللحظة ، حيث تحدد قداستك ، شكل الله ، والوانه ، وتعابير وجهه ، وملامح وجوده ، وافكاره ، وقراراته ، في ترميم جديد لهذه الايقونة البالغة القدم ،  وحيث تريد لها ان تمتد لثمانمائة عام ، هذا كل شيء .

الثاني : انت تستفزني ، في هذه اللحظة الحاسمة ، لا تتركني اركز في مدى أثر الايقونة ، وجوانب رؤيتها من قبل المؤمنين .

الاول : اكرر أسفي من قداستك . قلت لك انا مجرد مستأجر بسيط ، يحمل مطرقة ، ويرغب في الحصول على مبلغ من المال ، مقابل عمله .

الثاني : لا تقلق ، سيكون لك مبلغ كبير ، انها مناسبة عظيمة ، لا ، انها منعطف كبير في حياة ، الانسانية جمعاء .

الأول : كرم كبير من قداستك .

الثاني : انت تعمل بجد ، تستحق ذلك ، فقط لا توجع رأسك بالأسئلة ، ستجهد نفسك ، فكر بأمر الخبز لك ولعيالك ، اترك الرب في علياه ، فكر بنفسك فقط .

الأول : تقدست أسماؤه ..

الثاني : بوركت .

الاول : ( بعد برهة ) ولكن لو سمحت سيدي ، هل طلب الرب بصريح العبارة ، أن نعلق صورته في مكان بارز في بيته ؟

الثاني : الصور تستعبد الأذهان ، تقيد حركاتها ، توجهها نحو فكرة محددة

الاول : ولكن تأثيرها يختلف ، من شخص الى آخر .

الثاني : في الصورة تنزل الارواح ، فتتحول الى أيقونة .

الاول : هل تريد أن تقول أنه يجب أن نعبد الصورة ؟

الثاني : لا يا بني ، يجب ان نعبد الله .

الاول : ولكنك تقول أنه ، تقدست اسماؤه ، نزل الى داخل الصورة !

الثاني : هذه وسائل مادية فقط ، نحن نحتاج الى ملموس نراه حولنا ونتقرب منه .

الاول : ولكن ، هذه وثنية يا سيدي .

الثاني : ( ينفجر غاضبا ) ماذا تقول ايها الكافر !

الاول : هذا هو عيبي يا سيدي ، لا اقدر أن أمسك لساني ، لساني منفلت .

الثاني : اذا لم تمسكه سأقطعه لك ، فهو لسان افعى ، يفح سماً رُعاف .

الاول : ارجوك سيدي ، سامحني ، انا صاحب عائلة كبيرة ، أب لستة اطفال ، سامحني ارجوك ، عيبي في طول لساني ، أنا انسان بسيط جدا .

الثاني : سيطر على لسانك أيها السفيه ، والا تسبب في مقتلك .

الاول : أعرف ، أقسم لك أنني أعرف ، فأنا أشعر بأهمية  اختياري ، لمهمة تعليق هذه اللوحة ،

الثاني : (يقاطعه) أيقونة ، هذه أيقونه .

الاول : نعم سيدي ، كما تريد ، ولكنني كنت منذ البداية اخاف من طول لساني .

الثاني : حسنا ، لا تخف ، سامحتك هذه المرة أيضا ، ولكن اسمع ، ستكون هذه آخر مرة ، هل فهمت ؟

الاول : نعم يا سيدي فهمت ( يتحرك ) نحن نخاف كثيرا من الله ، حتى لو كان على شكل لوحة معلقة على جدار ، ونحن نخاف منكم أيضا ، فأنتم تتكلمون باسم الله .

الثاني : نحن نريد لكم سعادة العالم الآخر .

الاول : وهذا العالم البائس !

الثاني : إنه مجرد اختبار عابر ، سينتهي سريعا ، لتذهبوا للحياة الابدية .

الاول : ولكن !  أنا أخاف على أطفالي ، أخاف عليهم كثيرا ..

الثاني : ولماذا تخاف عليهم الان ؟

الاول : أنا يا سيدي ، عندي كلام كثير ، وأخاف إذا تكلمت به ، أخاف أن تعاقبني ، سماحتك .

الثاني : لقد حذرتك ، لن أسامحك مرة أخرى ، سأقطع لسانك ، سأسجنك ، سأجعلهم يعلقونك في المشنقة ، هل فهمت ؟

الاول : ولكنه كلام كثير ، كثير جدا يا سيدي ..

الثاني : ولا كلمة ، ولا حرف ، ولا نَفَس ، هل فهمت ؟

الأول : ولكنه كلام كثير جدا ، أرجوك سيدي ..

الثاني : ولا حتى إشارة واحدة .

الاول : ولكن !

الثاني : ( يصرخ ) قلت لك ، اخرس ، هل تفهم ؟ ( يصرخ بقوة ) اخرس ، اخرس .

( تسقط الايقونة من مكانها الى الارض ، فتتهشم كليا ، الثاني في حالة ذهول تام )

الاول : سيدي ، ماذا سيجري لأطفالي ؟ هل ستكون هناك ثمانمائة عام أخرى ؟

ستار –

تركيا – سامسون