أخبار فنية

كتب الفنان الأستاذ الياس الحاج‏ الكبير أسعد فضة القبطان

كتب الفنان الأستاذ الياس الحاج‏ الكبير أسعد فضة القبطان

708 مشاهدة

‏كتب الفنان الأستاذ الياس الحاج‏ الكبير أسعد فضة القبطان

أيام ...

#الكبير _أسعد _فضة.. ( القبطان )

#الفنان _الأستاذ _الياس _الحاج

#البورتري بريشة المبدع Issam Ismandar

 

ليلة أمس .. جاء صوته في حديث الموبايل، فتياً، حيوياً، نابضاً بالحب، وبقوة الحضور، وبذات الثقة واللباقة والكياسة التي عرفته فيها قبل أكثر من أربعين سنة.

- أنا : اشتقتلك كتير أستاذ أسعد ..

- أسعد : وأنا أكتر .. وينك بهالأيام ؟

- أنا : بين اللادقية والشام ؟ .

- أسعد : أنت اليوم وين ؟..

- أنا : باللادقية ..

- أسعد : يا بختك .. ( وضحك ) ..

- أنا : بتعرفني معلق باللادقية وبحرها ..

- أسعد : نيالك .. مين ما بيحبها ..

- أنا : حقك تحبها أستاذ .. مدينتك .. والمسرح فيها بأسمك ..

- أسعد : نبسط باللادقية قد ما فيك .. هالمدينة الأحلى عقلبي ما بينشبع منها .

- أنا : اٍسألني أنا .. أنا اللي بعرف أديش معلق فيها ..

- أسعد : بتتذكر شو قلت عنها ( هذه المدينة بهية المحاسن، مدينة الرعد والمطر، عرفت الحب، حب الوطن والإنسان، حب الجمال في بحرها وجبالها وسهولها وجداولها وأغنياتها ).

- أنا : ولو أستاذ أسعد .. أنا اللي بتذكر .. هالحكي ناشره عن لسانك قبل أكتر من عشرين سنة بمادة كتبتها للحياة المسرحية، تحت عنوان ( ذكريات لا تنسى مع أسعد فضة ) .

- أسعد : طبعاً .. وبتذكر لهلأ شو كتبت يومها ..

- أنا : عكل بكرا رح أقعد أكتب عنك بسلسلة أيام اللي عم أكتب فيها عن شركاء الفن .. وأنشرها وضمنها اللي كتبته عنك وقتها .

- أسعد : لك أنت أبو اللوس اللي ما في منك ..

- أنا : وفي رسام مهم .. اسمه عصام اسمندر .. طلبت منه يرسملك بورتريه ..

- أسعد : عظيم كتير ..

- أنا : طلع راسمك من سنة 1997 ..

- أسعد : والله ؟! ..

- أنا : والبورتريه بطير العقل .. بس أنشر المادة عنك .. عن " القبطان " متل ما لقبتك بالفيلم اللي عملته عن سيرة حياتك .. بتشوف الرسمه ..

- أسعد : أكيد رح أقرا المادة وشوفها .. سلم كتير عالفنان اسمندر .. وتشكره عن لساني..

- أنا : وصل أستاذ أسعد ..

- أسعد : بس تجي عالشام حاكيني خليني شوفك .

- أنا : أكيد .. واللادقية اشتاقتلك أستاذ ..

- أسعد .. وأنا اشتقت لكلشي فيها .. قريب رح أجيك ..

- أنا : بس تجي حاكيني كمان .. اشتقتلك كتيررررررررررررر .

- أسعد : أكيد .. يالله بكرا بس أقرا شو كتبت بدقلك ومنحكي ..

- أنا : الله معك أستاذ أسعد ..

وكما في كل لقاء .. أو حديث هاتفي .. رحت أتأمل الرجل الذي أحب .. الكبير أسعد فضة أمد الله بعمره وحفظ صحته وقوة قلبه النقي .. ففي المرة السابقة اتصل بي فقط ليطمئن عني وعن أحوالي .. ولأنه الكبير كما هو دائماً شعرت بعد اتصاله بالحرج الشديد أمام نفسي لتقصيري، فالأب أسعد الذي تجاوز الثمانين يسبقني بسؤاله عني ويلومني أنني لا أتصل به ولا نلتقي وقد اعتدنا على أن نجتمع بسهرات دورية مع الكبار ( الدكتور فائز الصايغ، الموسيقا أمين خياط، والمخرج محمد عنقا.. وأحياناً وزير الإعلام الراحل عمران الزعبي وغيره من المقربين ) .. وقد باعدتنا ظروف الحرب الشرسة على بلدنا ..

وكم من مرات ومرات كان السباق لفعل كل ما هو خير لأجلي .. ولأجل الكثيرين ممن عرفهم عن قرب .. من أهل الفن ومن يقصده من الناس المقربين .. لكن ما يستحق التأمل أكثر اليوم كم نحن بحاجة لنتعلم من دروس حياة رجل نجم كبير تجاوز لا يزال بعد الثمانين ينبض بالفتوة والحيوية والحب والنشاط والأهم الأناقة والرقي .. اختياره لكل كلمة تخرج من قلبه .. روحه .. على لسانه .. إنه المخرج المخضرم والمؤسس لنهضة مسرحية هامة ومتميزة ، وكاتباً مسرحياً مبدعاً رغم قلة أعماله، وممثلاً كبيراً صاحب إطلالة شامخة كالسنديان العتيق، كالسواري فوق أشرعة الحياة، المستحق عن مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء وقيادته لدفة الكثير من المواقع لقب ( القبطان ) الذي أطلقته عليه في فيلم توثيقي أنجزته عنه قبل بضع سنوات.

** كتبت غير مرة في مجلة الحياة المسرحية الفصلية، الصادرة عن وزارة الثقافة السورية / العدد 58 سنة 2006 / تحت عنوان ( ذكريات لا تنسى .. مع أسعد فضة ).

لا أنسى أنني عندما كنت لا أزال في الثامنة عشرة من عمري كنت أحلم كبحار متمرد على الشاطئ، همه الأول والأخير هواجس وسحر رؤى الإبحار في مجال التأليف والإخراج والتمثيل.

ولا أنسى أنني كنت يومها بأمس الحاجة لأن أجد من يفتح لي الباب الأول فيمنحني جواز سفر أدخل به إلى عالم الفن والكتابة في طريق الاحتراف بعد أن أمضيت على شاطئ الحلم الأول – لاذقيتي – ربيع الطفولة والفتوة، أتخبط بين أمواج هوايات عدة مثل صياد قصية – سنارة – لا يعرف أي نوع من طعم السمك أو قياس نمر السنانير يختار، فهو بالطبع لن يعرف أي نوع من الأسماك ستلتقط سنارته، فرحت أمارس هوايات تناسب ذلك العمر، وأهمها التعلق بألق المسرح الذي لا أعرف إلى هذه الساعة مالذي جذبني إليه لاختاره الهواية الأكثر تأثراً وتأثيراً في رحاب بحر الحياة.

طلبت مقابلته، ولم أوقع أنني سأكون في حضرته خلال لحظات، شاب في مقتبل العمر، يتحدث حول مشروع نص مسرحي بإحساس لا يخلو من القلق والإرباك، أمام نجم كبير ومدير للمسارح والموسيقا في وزارة الثقافة، كان قد ترك البريد الذي بدأ يذيل توقيعه عليه وراح يصغي باهتمام لمتاهات بحار صغير قرر تحديد انطلاق رحلته بأحداث درامية يحاول التقاط جزئياتها فيرمي بملامح ظلالها بسرعة من يرجو استبصار الأمل كمن وقع في مأزق فحاول أن يجد لنفسه مكاناً كفيلسوف يرسم الكلمة في جانب ومبدع فنان في جانب آخر،ـ وفي الحالتين كانت لدي مشكلة في إقناع صمته أو نظراته المتوجسة لكل خلجاتي الخارجية وربما الداخلية .. وما أن انتهيت من سرد حكاية مسرحيتي رسم ابتسامته الطيبة وسألني :

ماسم المسرحية ؟ .. فأجبته دون تردد " رحلة البحار الصغير "، وسألني ثانية : أين النص ؟ .. لماذا لم تحمله معك ؟ .. فاختلجت جوانب نفسي وأجبته بنبرة حرج : هو ليس معي الآن .. فقال مبتسماً وبلهجة أبوية حنونة : عليك أن تحضره غداً وتسجله في الديوان .. ثم ودعني كما استقبلني بود واحترام رجال البحر ـ

وما أن أغلقت الباب خلفي حتى بدأت الأسئلة تجول بخاطري حول من أين وكيف سأحضر له نص المسرحية وأنا لم أخطها بعد ... وعلى الفور شرعت بكتابة الأحداث التي كنت قد رويتها على مسامع النجم المدير، إلى أن أنجزت مخطوط النص كاملاً، وفي أقل من أسبوع تمت قراءة مسرحيتي، وتمت موافقة لجنة النصوص على تملكها وأصدرت السيدة الدكتورة نجاح العطار وزيرة الثقافة آنذاك قراراً ينشر في الجريدة الرسمية متضمناً اقتناء النص .. والمفاجأة غير المتوقعة كانت صرف مكافئة مالية للمؤلف قدرها أربعة ألاف وخمسمائة ليرة سورية كانت حلماً بالنسبة لشاب في عمري يتقاضى المبلغ الأول عن نص من تأليفه، وقد تحققت فيما بعد أـ نه اقتراح من النجم المدير الذي كان عادة يقترح أقل من ذلك المبلغ لأسماء كانت شهيرة في حينها.

ولا أنسى أنه لم يتردد بعدها في إعطائي أول فرصة للإخراج المسرحي لصالح وزارة الثقافة لنص ثانٍ من تأليفي، ولم يكتف بذلك الدعم أمام ما كنت أحققه من نتائج فاقترح بكتاب رسمي وجهه للسيدة وزيرة الثقافة دعم تجربتي، فوجهت السيدة الوزيرة كتاباً للمسارح والمراكز الثقافية في المحافظات لاستقبال عروضي المسرحية الجوالة، وتقديم كل الخدمات اللازمة لها .. وفي مرة لاحقة وجه للسيدة الوزيرة اقتراحه لتصدر قرارها بتكليفي في تأسيس مسرح الأطفال والفتيان التابع لوزارة الثقافة في منتصف الثمانينيات.

واليوم وبعد مرور نحو ربع قرن على منحك لي جواز سفر الإبحار، وتلك الذكريات التي كان لا بد من تسجيلها وفاء لمحبتك الأقوى والتي عجزت أمامها في التعبير عن الشكر لك بطريقتي يوم حضرت إلى مكتبك أحمل فرحي بأول عمل تلفزيوني ينتج من تأليفي طالباً موافقتك على تجسيد دور البطولة فيه، ولم أوفق بذلك لانشغالك بأعمال عدة، كما تكررت الظروف التي لم يتسن لي تحقيق طموحي في التعبير عن قدر وحجم ما تركته بي من أثر، إلى أن سنحت الفرصة فلعبت أحد أدوار البطولة في مسلسل " أنشودة المطر " آخر عمل من تأليفي وإخراج المبدع باسل الخطيب، فاكتشفت أن ذلك غير كاف أو جدير بما هو أمر طبيعي أمام ما يدفعني دائماً إلى رغبة أبعد من الطموح بمشاركتك بأعمال من تأليفي، أو حاجتي لاستضافتك كنجم في البرامج التلفزيونية التي كنت أعدها في سنوات سابقة، أو الكتابة عن أعمالك في الصحف الدورية والمجلات الفنية ، فأنت دون شك قامة تستحق الأكثر كفنان نجم له حضوره الاستثنائي في المسرح والسينما والتلفزيون، عرفته عن قرب في كل الأيام أباً حنوناً خبر الحياة والفن بكل أبعادهما الإنسانية والإبداعية.

كبيرنا النجم المدير ....

اعترف لك أنني لا أزال عاجزاً عن التعبير أمام فضلك الأول بما قدمته لي مع بدايات رحلتي في دمشق، وأعترف أيضاً أنني عاجز عن التعبير بأحرف أبجدية مثل ما قيل بك في كلمات الشاعر أدونيس، الفنان جمال سليمان، الفنان أيمن زيدان، الكاتب والأديب وليد إخلاصي، الناقد د . نبيل الحفار، الفنان جهاد الزعبي مدير المسارح والموسيقا يوم تكريمك بمناسبة إعلان تسمية " مسرح أسعد فضة " على صالة المسرح القومي في اللاذقية، لكنني أستطيع القول إنني كنت أحلم يوماً بمسرح أسعد فضة على غرار مسرح القباني ذكراً للحب والإبداع، ومثالاً يحتذى نهنئ أنفسنا به قبل أن نهنئك بتكريم مستحق، فنهنئ المسرح بك تقديراً لحقيقة جهودك المثمرة حاضراً معاصراً بيننا، تخلدك مدينتك لاذقيتنا التي قلت عنها : " هذه المدينة بهية المحاسن، مدينة الرعد والمطر، عرفت الحب، حب الوطن والإنسان، حب الجمال في بحرها وجبالها وسهولها وجداولها وأغنياتها ".

** واليوم .. وبعد مرور أكثر من ستة عشرة سنة على مقالي في الحياة المسرحية، ماذا يمكن أن أضيف عن حكاية كنت فيها الأول في دروس الحياة والمحبة، منها مشاركتي بصفة ( ضيف شرف هذا العام ) في مهرجان الفجيرة الدولي، الذي اكتشفت بعد التكريم أنك كنت صاحب الفضل في ترشيحي لسعادة الرجل الراقي المهندس الأستاذ محمد سيف الأفخم مدير عام بلدية الفجيرة، ورئيس الهيئة الدولية للمسرح، مدير المهرجان .. وكيف أنسى أنك اتصلت بي لتدعوني إلى تناول العشاء مع كأس نبيذ لتحتفل بي بعد أن قدم لك تعويض مالي كنجم كبير في أحد برامجي، فقلت لي " المبلغ الذي قبضته ليس من حقي وحدي، فاستغربت الأمر، وسألتك : إذا كان المبلغ قليل فأقسم أنني دافعت عنه ليكون المبلغ الأكبر بل أضعاف مبالغ المشاركين، وأنت بالطبع تستحق الأكثر ... فضحك الأستاذ أسعد، وقال: هل سألت يوماً عن مبلغ أو لا حظت مرة أنني أسعى لا سمح الله للمال .. ؟ .. فأجبت : الحقيقة .. أشهد أنك لست كذلك أبداً .. فقال : لذلك وجدت أنك شريكي بالمبلغ الذي تقاضيته ، فقلت لننفقه معاً ....

وبعد تلك السهرة التي جمعتنا معاً وحدنا .. رجعت في ذاكرتي لحفاوته في مكتبه أول مرة .. وفي بيته .. وفي مكتبه كنقيب للفنانين .. ولعلاقتنا معاً في مؤتمرات النقابة .. ولسهرات عديدة جمعتنا وسعادتي التي لا توصف حين يوافق أن نخرج معاً إلى سهرات دمشق القديمة ونعود معاً بسيارتي بعد أن أكون قد رجوته ركن سيارته كي لا ينتظر سائقه أو يربك في زحمة الشوارع الضيقة في دمشق القديمة .. وفي كل مرة كنت أصغي أليه كأب يغار على مصالح وطموحات أبنه في حين كان يشعرني بأننا شركاء حياة وفن وليس هناك ثمة فارق بالعمر أو النجومية بيننا .. هو هكذا دائماً الكبير أسعد فضة، أحد أبرز الأسماء اللامعة والأكثر شهرة عالم الدراما السورية والعربية، مؤلفاً درامياً ومخرجاً وممثلاً وناقداً ومعداً ببرامج في مجال المسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون .. لتنوع تجاربه التي لا تعد ولا تحصى في مسيرة تستحق التوقف طويلاً عند كل منها لغنى أثرها الإبداعي ..

** ربما احتاج الحديث عنه، سلسلة من الحلقات التوثيقية حول كل محطة من حياته الفنية والقيادية لمواقع إدارية تعنى بالشأن المسرحي والفني والمهرجانات العديدة .. وربما لن أتمكن من إنصافه وإعطاءه حقه خلال عرضي لجوانب من سيرته، غير أن القامة الكبيرة ومن وجهة نظرنا أكبر من أن تعرف لتربعه لسنوات طويلة على عرش النجم الأول في معظم الأعمال المشارك بها .. وهو الذي قال قبل وقت ليس ببعيد : آخر مسرحية لي كانت بعنوان حكاية بلا نهاية وكنت انا المؤلف والمخرج وأتاني الكثير من الاعتراضات لكنني أكملت المسرحية بعد العديد من النقاشات وكانت من بطولة ايمن زيدان، زيناتي قدسية نجاح سفكوني وتيسير ادريس.

وكانت تتكلم عن كل شيء في المجتمع العربي وعن معاناة الإنسان العربي أي ليس فقط في سوريا وحكايته التي لا تنتهي. وانا اعمالي واختياراتي للمسرحيات تؤكد أننا يجب ان ننتهي من موضوع الرقابة لكن بالمفهوم الايجابي وبالمفهوم الحر لتطور البلد وتطور الحركة الفنية.

ولا ابحث ان اكون شهيداً، إطلاقا الهدف الأساسي هو توسيع هامش الحرية للفنان ليعمل في مناخ حرية صحيحة ويبدع ويقول ما يريد و يجب ان تكون خلفيته دائما في مصلحة البلد والحفاظ على بلده وتراثه بشكل عام ووقتها لن يكون هناك أي اشكال.

واعتقد اننا سنتخلص من مفهوم الرقابة فإذا منعوني من قول ما أريد سأقوله على شاشة ثانية لذلك لم يعد مقبولا موضوع الرقابة.

ولكن من ناحية أخرى يجب ان نراعي المراحل التاريخية التي تمر بها البلد ويجب ان نكون واعيين لحركة التاريخ لأننا جزء من هذا البلد ويجب أن نراعي الوضع العام.  وهذا مافي سوريا عرض أقل.

** الكبير أسعد فضة :

ولد عام 1938 في منطقة بكسا الساحرة بطبيعتها الريفية الساحلية والواقعة قضاء اللاذقية ..

عاش طفولته ببراءة ونقاء كطبعيه قريته الهادئة الوادعة الواقعة على رابية مطلة على شاطئ البحر التي نشأ فيها في أسرة لم تعرف في حياتها سوى الخير كل الخير لكل الناس .. والتمسك بالأرض الطيبة كتمسك جزوع السنديان في التربة ..

اكتشفت أسرته ولعه الشديد بالقراءة للأدب العربي والعالمي منذ تفتحه على الحياة فكان منذ مرحلته الابتدائية والإعدادية الطالب الأكثر حضوراً وتميزاً في اهتماماته الفكرية والفنية .. بل والأكثر التلاميذ الغيورين على الاهتمام بالثقافة الإنسانية والمسرحية ..

وأيضاً من الراغبين دائماً بالمشاركة في مختلف الأنشطة المدرسية، ولإعجاب أساتذته باهتماماته الأديبة وحواراته الثقافية اللافتة للجميع كان الأنموذج الدائم والقدوة المثالية لأقرانه من ـ بناء مدرسته وقريته ومدينته اللاذقية ..

حصل على الثانوية العامة عام 1958 ولتميزه واهتمامه بالشأن الثقافي والفني ولندرة الخريجين الاكاديميين تم ايفاده للدراسة في المعهد العالي للفنون المسرحية في القاهرة قسم الاخراج و التمثيل ..

ومن القاهرة بدأت المسيرة الجادة لطالب متفوق شغل اهتمام أساتذته وكبار نجوم مصر ممن يدرسون في المعهد أمثال محمود مرسي ، نبيل الألفي ، الدكتور علي فهمي ، وكان أيضاً الأنموذج والقدوة لجميع الطلاب في المبادرة المستمرة لتحقيق أفضل الإنجازات المسرحية إلى يوم تخرجه في مسرحية الشيطان والاله الطيب لسارت وعدوته ثانية إلى دمشق عام 1963 يحمل في جعبته الكثير من المشاريع والطموحات لنهضة مسرحية في سورية ..

بعد الدراسة الأكاديمية، التحق في المسرح القومي بوزارة الثقافة، مقرراً البدء بالعمل مباشرة في الوقت الذي بدا فيه المسرح السوري بحاجة لمن ينهض بأعماله .. واضعاً صيغة جديدة بل خطة يمكن أن نطلق عليها بورشة العمل المسرحي السوري ، مستفيداً من كل ما درس وأخذ من خبرات أساتذته المخضرمين..

وهكذا اعتبر ومنذ بداياته الاحترافية مؤسساً لحراك مسرحي شغل بنشاطه وبراعة قيادته للممثل اهتمام الإدارة والفنانين الذين تحلقوا حوله وطالبه معظمهم للمشاركة بأعماله الإخراجية والتي تعتبر الأهم في تلك المرحلة من نهضة المسرح السوري .

ولشغفه الدائم في الاطلاع والبحث عن كل ما هو جديد ومبتكر في مجال الفن، تم إيفاده بعد ثلاث سنوات من عدوته من القاهرة أي في عام 1966 إلى فرنسا لمزيد من الدراسة والتطوير الأكاديمي والاطلاع على تجارب المسرحيين هناك ..

وفي غيابه تم دراسة واقع المسرح القومي فقررت وزارة الثقافة آنذاك أن تسلم دفة مركب العمل والإدارة له، وبعودته من فرنسا تم تعينه مباشرة كمدير للمسرح القومي في سورية.

مرت السنوات القليلة، وكان أسم الفنان فضة يكبر وينتشر أكثر فأكثر في عالم المسرح السينما والإذاعة والتلفزيون، مما دفع بالقائمين من وزارة الثقافة التي اشانته على المركز الدولي للمسرح في سورية بتسليمه رئاسة المركز عام 1968.. ولنجاحه أعماله وحضور شخصيته الثقافية والفنية الاستثنائية وبسبب ما حققه من إنجازات مسرحية للمسرح القومي ، تم تعينه عام 1974 مديراً للمسارح والموسيقا في سورية، إلى تقاعده..

المواقع الإدارية والفنية العديدة التي كلف بمهامها حملت في مضامينها وطموحاتها الكثير من المشاريع والأحلام التي أثمرت بقيادته لها إلى شط الأمان عن نجاحات كبيرة بعد رحلة شاقة وممتعة حصد في كل مرحلة منها القبطان والبحارة الكنوز الثمينة ، لكن الحلم الأكثر أهمية في حياته منذ عودته من مصر تأسيس المعهد العالي للفنون المسرحية في سورية.

وبالتعاون مع عدد من زملائه الإداريين والمبدعين من العاملين بوزارة الثقافة أمثال أديب اللجمي وفواز الساجر وغيرهم .. وبإشراف الدكتورة نجاح العطار وزيرة الثقافة آنذاك تم في عام 1976 تأسيس المعهد، ناقلاً فضة ثقافته الواسعة وخبرته العلمية والعملية إلى خريجي الدفعة الأولى كمدرس أستاذ لمادة فن التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية، والذين أصبحوا وغيرهم من الخريجين شركاء نجوميته في كثير من الأعمال.

تفرغه لمشروعه الفني كنجم أول في معظم الأعمال التي يشارك فيها، وأيضاً انشغاله المخلص في إدارة المسارح والموسيقا والمهرجانات العديدة منها مهرجان دمشق المسرحي ومهرجان بصرى الدولي، ومهرجان المحبة وغيرها من المهرجانات والمؤتمرات المحلية والعربية والدولية التي كان المشارك الأبرز في معظمها جعلته يعتذر مراراً عن المساهمة في العمل النقابي في نقابة الفنانين ..

غير أن رغبة زملائه وخاصة من نقابة الفنانين فرع اللاذقية الذي ينتسب إليه وجدوا ضرورة تمثيله لهم في المؤتمر العام، فرجوه بتقديم ترشيحه، ونجح بامتياز للمؤتمر العام الذي انتخبه للمجلس المركزي، وبدوره المجلس المركزي انتخبه كنجم كبير وقيادي فني متميز يمتلك الدربة والإدارة وبعد الرؤى الإنفتاحية ليكون بذلك نقيباً للفنانين في سورية ولدورتين متتاليتين .. حقق خلالهما المزيد من المكاسب للفنانين وأهمها رفع سقف التقاعد والضمان الصحي، والحماية الأفضل للفنان في تعامله مع القطاعين العام والخاص.

الجوائز وشهادات التقدير والتكريم الذي حصدها القبطان الفنان أسعد فضة في العديد من المحافل والمهرجانات المحلية والعربية والدولية كثيرة، ويمكن الإشارة لبعضها، كجائزة افضل ممثل عن فيلم "ليالي أبن آوى" في مهرجان دمشق السينمائي، وجائزة أفضل ممثل دور تاريخي عن مسلسل "العوسج" في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون وجائزة تقديرية عن مسلسل "الجوارح" في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون، وجوائز عديدة أخرى.

كما تم اختياره رجل العام المسرحي لعام 1997 من المعهد الامريكي للسير الذاتية، وفي عام 2002 كرّم كأحد المسرحين العرب في فعاليات مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي وكرّم في مهرجان دمشق السينمائي عام 2003، وفي عام 2006 نال درع تكريمياً تقديراً لدوره الإبداعي في مسيرته الفنية، بالحفل التكريمي الذي أقامته مديرية المسارح والموسيقا، في صالة المسرح القومي باللاذقية ، التي أطلق عليها ( صالة أسعد فضة ).

عمل كمخرج يقوم بإعادة معالجة جميع النصوص التي ينجزها، وأيضاً مؤلفاً لبعضها، ومن الأعمال التي لا تنسى من ذاكرة المسرح السوري والعربي التي حملت اسمه مخرجاً مبدعاً : الأخوة كارمازوف - دون جوان - لكل حقيقته - عرس الدم - دخان الأقنبية - التين - السيل - الملك العاري الغريب - السعد - أيام ميسلون - سهرة مع ابي الخليل القباني - دمشق انتظرناك والحب جاء - سيزيف الندلسي - الملك هو الملك - المفتاح - رقصة التانغو - حرم سعادة الوزير - عيد الشحادين - براويظ - حكاية بلا نهاية - حكايات ريفية - مغامرة رأس المملوك جابر –السعد .. وغيرها .. كما شارك كممثل قدير في معظم أعماله الإخراجية ومع مخرجين زملاء في المسرح القومي أمثال محمد الطيب وفواز ساجر وعلي عقله عرسان وغيرهم، ومع تأسيسه المسرح التجريبي قدم عام 1976 في افتتاح الموسم المسرحي لمديرية المسارح والموسيقا ( مونو دراما ) يوميات مجنون لغوغول، ليكون بذلك صاحب أول مونو دراما – الممثل الواحد - في الوطن العربي، والتي قدمت أيضاً في مهرجان دمشق المسرحي، ومن أعماله المسرحية أيضاً كممثل : شيخ المنافقين - الأخوة كارمازوف - دون جوان - عرس الدم الشرك - المأساة المتفائلة - السيل - وفاة بائع جوال - زيارة السيدة العجوز - جان دارك - أوديب ملكاً - عيد الشحادين .. وغيرها..

يعتبر من الأوائل الذين عملوا في السينما السورية وخاصة في أعمال المؤسسة العامة للسينما ، نذكر منها ( القلعة الخامسة - حبيبتي ياحب التوت - ليالي ابن آوى - رسائل شفهية - وقصة شرقية الفيلم السوري المشترك عام 1988 مع الاتحاد السوفيتي حينها وغيرها ..

كما يعتبر من القلائل الذين استمروا في العمل الإذاعي في مختلف البرامجي الدورية الدرامية والمسلسلات والتمثيليات مثل حكم العدالة وظواهر مدهشة والحب والعبقرية وغيرها، ولضيق وقته ظل محافظاً على المشاركة الدائمة في البرنامج الأسبوعي ( آفاق مسرحية ) .

أما مشاركاته التلفزيونية والتي تعود إلى نهاية ستينيات ومطلع سبعينيات القرن الفائت فيصعب حصرها، ومنها : مسلسل "النهر الكبير، البواسل، رجل الساعة، عز الدين القسام، وضاح اليمن، الأميرة الخضراء، أولاد بلدي، إنتقام الزباء، برج العدالة، أبو كامل ج1-2، الطبيبة، بصمات على جدار الزمن، الوسيط، الموت القادم إلى الشرق، الذئاب، قلعة الفخار، بنت الضرة، طبول الحرية، أبو البنات .. هجرة القلوب إلى القلوب، العبابيد، الكواسر، الفوارس العوسج، حرب السنوات الأربع، ذي قار، الجوارح، العائد، قبل الغروب ، سيف بن ذي يزن، مخالب الياسمسن، الداية، ماء و دماء، قتل الربيع، الخيط الأبيض، سيد العشاق، نزار قباني، التحولات، العصاة، حسيبة، انتقام الوردة، في حضرة الغياب، أنشودة المطر، والمصابيح الزرق، سوق الحرير ... إلخ .

الكبير أسعد فضة ( القبطان ) تحية وفاء

إلى من ردد مراراً أنه مولود من رحم البحر فانطلق بحاراً يصارع أمواج الحياة والرياح، محققاً لإنسانه الراقي وفنه الإبداعي المكانة المرموقة في كل موقع حل فيه ..

إلى رجل المسرح بامتياز والمؤسس لنهضة مسرحية سورية استمرت برعايته وإشرافه وإدارته وقيادته للأعمال لسنوات.

المؤسس لشركة إنتاج تلفزيوني إكراماُ لزوجته شريكة عمره ومسيرته الفنية الفنانة القديرة الراحلة مها الصالح التي أنجزنا فيلماً توثيقياً سابقاً عن سيرة حياتها كان الشاهد الوحيد فيه .. بعنوان ( إمرأة لا تعرف اليأس ) وهو عنوان أحد الأعمال التي أنتجها إضافة إلى مسلسل برج العدالة وفاءً لحياتهما معاً ـ

إلى كل ما أنجز نجم المسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون الشامخ كالقلاع والسنديان، الواقف دائماً بكبرياء الأشرعة والسواري القبطان الفنان الكبير أسعد فضة .. تحية وفاء لكل ما صنعت في ألق مسيرتك من براعة إنسانية خلاقة وإبداعية استثنائية.