مواضيع للحوار

كتبت الدكتورة زينب لوت  سَتَائِرُ المَسرح تُعرِي الفَقر ..

كتبت الدكتورة زينب لوت سَتَائِرُ المَسرح تُعرِي الفَقر ..

1009 مشاهدة

 كتبت الدكتورة زينب لوت  سَتَائِرُ المَسرح تُعرِي الفَقر ..

في مسرحية (واسيني) للمخرج الإماراتي "صالح كرامة العامري"

تقديم: زينب لوت /الجزائر

 

ترهل العلاقات الإنسانية وانفلات الحقائق على سطح الواقع يُثير منبر الفن لتوظيف إيقاعه الحِسِّي مع مسرحية (واسيـــــــــــــــــني) التي عرضت أول مرة سنة2013 وتكرر عرضها في عديد الدُول عبر العالم آخرها سنة2019 أمام اتحاد الكتاب وأدباء الامارات فرع أبو ظبي.

 تُعري المسرحية ظاهرة الفقر الشُّعوري والمادي الملامس للتَّأليف بين مستويات  الأنساق الثَقَافِية  للذَوَات والنَّوَازِع  من خلال مؤلفها ومخرجها الاماراتي(صالح كرامة العامري)  وهو من مواليد أبوظبي  بمنطقة (الباورهاوس)  أحد مؤسسي مسرح الاتحاد عام 1977 معاصراً لتجربتي صقر الرشود وابراهيم جلال  مع المسرح الاماراتي المحلي، تخرج من جامعة الامارات باكالوريوس اعلام 1987 ، نال العديد من الجوائز أهمها:

 جائزة لجنة التحكيم للأفلام من الامارات عام 2004 عن فيلم روائي طويل بعنوان (ماتبقى )

كما تحولت أعماله  القصصية للسينما من خلال المخرج البريطاني (كورناد كلارك ) إلى فيلم بعنوان (عربة الروح) وقد تم تصويره بالصين عام 2006 وحاز على جائزة الصدفة الذهبية والّتي عُدَّت أوّل جائزة دولية تحصدها الامارات في مجال السينما في مهرجان (سيبستيان)بأسبانيا وبالمقابل العربي حصل فيلم (ماتبقى)على الجائزة التقديرية في المهرجان الدولي للأفلام بالدار البيضاء عام 2008 إضافة لجائزة أفضل كاتب عربي بالمهرجان العربي بالقاهرة عام 2008 عن مسرحيته (حاول مرة أخرى ) والتي اخرجها المخرج المصري خليل تمام وقدمتها فرقة قصور الثقافة بجمهورية مصر واستطاعت هذه المسرحية أن تحقق نجاحات وتشارك بمهرجان الديمغوجي بالمغرب وتم تكريم المؤلف (صالح كرامه)، أما جوائز التأليف المسرحي حصد عام 2009 بدائرة الثقافة والاعلام بالشارقة بمسابقة التأليف المسرحي عن مسرحية (هواء بحري )و افتك المركز الثاني عام 2010 على مستوى الدولة التي تنظمه دائرة الثقافة والاعلام بالشارقة عن مسرحية (خذ الأرض) وأحسن مؤلف لعام 2011 عن مسرحيته (حديث المساء) كما نالها مجددا في عام 2012 عن مسرحيته (الاول مكرر) وقد تم تكريمه من قبل جمعية كتاب وأدباء الامارات على انجازاته واحتفى به مركز الشيخ سلطان بن زايد الثقافي وجائزة التأليف عن مسرحية (سيادة المخلص) لعام 2013 عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة إضافة لجائزة العويس الثقافية لعام 2014 عن مسرحيته سراب.

فاز بدولة الكويت بمهرجان الكويت المسرحي بالجائزة الكبرى كأفضل نص مسرحي عن مسرحية حاول مرة اخرى 2014 وتحصل على الجائزة الذهبية بالأردن عن نص مسرحية حاول مرة اخرى عام 2015.

كما كتب العديد من المسرحيات والأفلام وشارك في التحكيم والإخراج ونال العديد من التكريمات وقد أدرجت مسرحية (واسينــــي) ضمن المنهاج الدراسي لجامعة (أرجون) بأمريكا التي يقدمها طلاب الدراما واعتبرت من أحسن النصوص المسرحية وظاهرة سابقة من نوعها بأن تُعدَّ أولى المسرحيات العربية الّتي يتمُ تداولها في تاريخ الجامعة وحظيت بالإعجاب الاشادة من قبل هيئة التدريس علما بأن جامعة (أرجون) بأمريكا من أفضل خمسين جامعة على مستوى العالم.

تقع مسرحية (واسيني) بين مواجهات الوعي في منطقة الذات كهوية تقبعُ في المعطى التكويني لفكر متجذر، حيث يرفض المتسول(قن) هبة تمنح له باعتبارها تخالف مبدأ التَّسول الذي يستدعي الاستجداء وبالمقابل يترك الحرية للآخر في منح المال والمساعدة أو الرفض ويضفي جدلية المفارقات والتشظي الفكري المقنن،  تترتب في البنية الفقيرة الّتي تُغير الاغراءات مكانتها لتتغير ظروفها لكن دون أن تقهر القوى المسيطرة عليها ، تنضدُ قناعة الانسان بالخير أو النقيض لتفتح جانبا مهما بين ما يعُده الناس استحقاقا أو تنافياً لقيمة تتموقع في السلوك ذاته ، يترك الريبة الّتي تجعل من المؤلف يشكل له قامة بالرفض أو القبول في تقمص التفكير.

  يتصاعد الفن إلى مراتب مستقلة بموضوعاتها لكنها تقترب بواقع مشهود لفكرة الاستعباد واستقلالية الشعور، تنبلجُ بؤرة استخدامات رمزية تحقق  ذلك الامتداد كما يظهر العري الفاضح لمخلفات الآخر المهيمن، نحو مقاربة الأنا في كامل قناعتها الوجودية وسط متناقضات التفكير ونقيض الفكرة.

ستائر المسرح تعري الفقر الذي تسيره أفكار الشحاذ (قن) نحو خفايا فكرية، وخلفيات تترجم،  درجة انفتاح المؤلف (صالح كرامة العامري) على هذا الحضور المعبئ بالروية والحس والكينونة، والاستدلال بالحدس لتبسيط وضعية الممثلين فوق الخشبة كما رسمها المخرج: (يُفتح الستار على مقهى يقع على الرصيف بمنطقة شعبية وبه يجلس مجموعة من الزبائن ويتنقل عامل المقهى بين الزبائن لتلبية طلباتهم بحيث يتحرك رجل شحات اسمه قن  رث الثياب في الخمسينيات من العمر يتحرك الشحات قن ويستجدي رواد المقهى  يظل في ثنايا المقهى مجموعة من الشحاتين يتحركون في خلفية المقهى يقفون كنوع من (الفنتازيا) في العمل وكذلك يقف في عمق المسرح الرجل الملاحظ الذي يرتدي معطفا ونظارة سوداء ). تمثيل الواقع وتحريك شخصياته ينتجُ الجسد المنهك في تفاصيل الحياة والموازي لإنسانية تمارسُ التَّعايش مع الوجود المفعم برؤية الظواهر السلطوية بين الفقر والمستضعفين بين متوقع بريء وبراءة الواقع من سلوكيات تتحكم فيها  

يظهر الممثل في شخصية (قن)المتنامية الذي يرفض أخذ المال من الرجل المتعالي والفرار مع المرأة الحسناء التي سرعان ما تحاول إقناعه بأخذ الحقيبة والسفر بالقطار حيث يلقى حذفه من أصدقائه المتسولين الناقمين عليه رغم إصراره ببراءة موقفه وتبريره، لتعود الأشياء نحو طبيعتها ويستجدي الضعفاء الرجل الثري مرة أخرى الذي منحهم مفاتيح حريتهم من وهم المهنة المفترضة في عقولهم التي تجيد تعليب تلك الحرية وتصديرها للاستبداد وتموقع في رؤية أحادية المشهد متعدد الفلسفة بعد معاقبة (قن) على قبول المال بالموت تحت عجلات القطار واعادته لصاحبه

تظهر طوبولوجيا  الحوار المسرحي في المشهد الثالث:

" الشحاتون : (يصرخون بصوت واحد ) يامحسنين ..

(بينما تظل عجلات القطار تدوي وهو يمر سريعا مع تقاطع اضوأئه .. عندها يدخل الرجل حاملا حقيبة وبرفقته المرأة فيندفع ناحيته الشحاتون وهم يصرخون )

الشحاتون: (يصرخون على الرجل والمرأة ) يامحسنين ..

(يقوم الرجل سريعا ويصعد فوق الطاولة وهو يحمل حقيبة ملئ بالنقود والشحاتون تحته وقوفا ينظرون إليه بشفقه   )

الرجل : (بتعالي )  من لكم غيري ؟!

الشحاتون : (بصوت واحد ) أنت لنا

الرجل : من غيركم لي ..! ؟

الشحاتون : (بصوت واحد ) لا أحد .."

ترتسم بلاغة التنامي والتصاعد الرخو حول السلطة المشدودة بالخوف وعدمية التقدم فالقطار في المسرحية هو سرعة لا يمكن اللحاق بها إذا تجاوزت خط الوصول وفقدان المتسول (قن) رأسه يمنح الجمهور خصوبة مشهد مظلم تتداخل فيه الأصوات ليكون هذا الجزء الحامل للتفكير وللتوجه الإنساني باستمرارية والنظام المسير للانفعالات حقلا للتشفير الجمالي نحو موجه العقلاني، ينثر المخرج (صالح كرامة العامري) الخيال مساحاته في النهايات المفتوحة، تتيح وصول فعل الفهم إلى ممارسة قدرة التلقي الممكن للحدث وممكنات الخطاب في مكاشفة الوعي المدرك المنطوي خلال الحدث المباغث في تحول المتسول لرجل يتساوى وجوده مع الأثرياء وانقلاب القوانين التي يسُنُها أقرَانه من المهنة، تنفجر دلالات اللحظة المكانية إلى تزامن مع المفهوم التأويلي عند المتلقي وتأويل الصورة الحركية باللغة التي تكسر رتابة الواقع، وترتب منزلة التفاعل حيث التميز والتمييز الفني.