دراسات أدبية

كريم الفحل الشرقاوي رائد الفنتازيا في المسرح العربي

كريم الفحل الشرقاوي رائد الفنتازيا في المسرح العربي

452 مشاهدة

  كريم الفحل الشرقاوي رائد الفنتازيا في المسرح العربي    

#هلال _العطية    

#جماعة المسرح المعاصر             

 #العراق – البصرة   

 

" #كريم _الفحل _الشرقاوي رائد الفنتازيا في المسرح العربي" بقلم الناقد و المبدع العراقي #هلال _العطية. 

 " في حضرة #الشيخ القوقل " نص مسرحي عولمي غرائبي ساخر .. يلقي بنا  قسرا في غياهب الفنتازيا و عوالمها العجائبية الماكرة و المثخنة بلغة كروتيسكية لاذعة و لاسعة تخترق بنيتها الكوميديا السوداء بكل ما تحمله من سخرية قاتمة و كوميديا دامعة و هو ما يؤكده الدكتور "خالد أمين" حين يؤشر على أن " المتتبع لأعمال #كريم الفحل الشرقاوي سيلمس هذه الرؤية الكابوسية بوصفها استشرافا لجمالية الكروتيسك الذي يعمل على المزج بين المأسوية و السخرية . حيث تنصهر تلك الرؤية المأساوية بسخرية لاذعة و اضعة المتلقي أمام حالات وجدانية تجعله و جها لوجه مع الضحك و البكاء في اللحظة نفسها " .

و يرصد نص " في حضرة الشيخ القوقل " شخصية فنتازية هي شخصية الشيخ غوغل الذي سيسعى بعد انقراض الزمن الورقي و اختفاء الكتب و كل المنشورات الورقية إلى إبرام عقد احتكاري مع آخر بائع للكتب في كل الأزمنة المدعو "مسرور بن عاشور الكتبي بن دهشور المطبعي بن منشور الناشر بن شحرور الخطاط بن بعرور الناسخ بن قنطرور الوراق بن الفهرستاني الكبير .

غير أن مسرور خاتم الكتبيين أجمعين لم يتعرض كأسلافه الوراقين و الناسخين إلى منافسة المطابع الورقية الحديثة التي أجهزت على مهنهم العتيقة بقدر ما تعرض لسطوة الزمن الرقمي وجبروت شيخ شيوخ العارفين أجمعين الشيخ القوقل( غوغل) لهذا سيطلق صرخته المدوية في وجه العالم " أيها الناس .. إن سبب مصائبي و غربتي و اغترابي هو الشيخ غوغل .. إنه غول متغول و متغلغل في كل شيء .. و أي شيء .. إنه المصادر الأول لكل المصادر و المناهل و المراجع .. و المبتلع الأكبر لكل المخطوطات و المطبوعات و المجلدات و المصنفات .. إنه الملتهم الأشرس لكل المعارف  و العلوم و الفلسفات و  النظريات ... إنه ثقب أسود رهيب .. يريد أن يبتلع كل ما دونه الجنس البشري منذ آدم الأول إلى آدم الذي لم يولد بعد .. و أنا واحد من ضحاياه .. واحد ممن شفطته بلوعة هذا الثقب الأسود السحيق " .

 هكذا يفتح  #كريم الفحل الشرقاوي ملف الاجتياح الغوغلي الذي  لم يسبقه مؤلف مسرحي إلى  تناوله .. واضعآ يده على ظاهرة الثورة المعلوماتية التي غزت العالم و تداهم بكل إلحاح المثقف العربي والعالمي و  المتمثلة في هيمنة الزمن الرقمي على الزمن الورقي و هي التيمة الدرامية التي يتناولها الكاتب من خلال رؤية فنتازية تخييلية  تستحضر صراع آخر بائع للكتب في كل الأزمنة "مسرور" بن عاشور الكتبي  مع  الشيخ القوقل / غوغل google  . هذا الأخير سيحاول إبرام عقد احتكاري مع  " مسرور " قيد حياته بهدف وضعه في قفص زجاجي بمتحف غوغل العظيم . و أيضا بعد مماته بتحنيط جثته حتى يظل مزارا أبديا للأجيال المتعاقبة .

 و بالإضافة إلى صراع "مسرور" الوجودي مع الشيخ القوقل يواجه أيضا صراعا و تدافعا مع زوجته  " شبشوبة المسعورة " و معاناته اليومية  من جحيم حممها البركانية المشحونة .. شبشوبة التي ستهجر زوجها رافضة العيش مع دودة الكتب البائدة لتتحول إلى راقصة كباريه. شبشوبة  الحاضرة الغائبة التي جعل منها المؤلف عنصرآ مكملآ للصراع متعدد الدلالات لواقع مسرور المنشطر بين تمزقه العاطفي و تمزقه الوجودي. هكذا يضع الكاتب شخصية بطله في معمعان العديد من التساؤلات حول مصير ذاكرتنا و وجداننا و تراثنا أمام هذا الاجتياح العولمي و المعلوماتي الرهيب السحيق .

إن عوالم النص وفضاءاته و علاماته و دلالاته  تنم عن وعي سوسيومعرفي للكاتب الذي سيعمد إلى تفكيك الخيوط العنكبوتية  للهيمنة المعلوماتية بأدوات درامية متمكنة و لغة فرجوية ساخرة حادة الزوايا .. حيث تمكن المؤلف و بنجاح من مسرحة  شخصية غوغل أو شيخ شيوخ العارفين أجمعين   ليعلن لنا عن نص سيقف عنده الكثير من المهتمين بشؤون المسرح العربي .

نص " في حضرة الشيخ القوقل " كتب بلغة ساخرة لاذعة محكمة المعاني ... ملحمة فنتازية درامية نسج  أحداثها بلغة حوارية تصنف في خانة السهل الممتنع . لذلك  لا غرابة وانت تقرأ نصآ مسرحيا للشرقاوي صاحب التجربة الثرية  على صعيدي التأليف والإخراج من أن  يحيلك  على نصوص الكاتب العراقي الكبير " علي الزيدي " الذي حظيت نصوصه بمساحة واسعة ونصيبآ متميزآ من خلال إخراجها مسرحيآ و ركحيا و تقديمها في العديد من  المهرجانات المحلية و العربية و الدولية .. لقد اكتشفت حالة من القرابة الإبداعية بين نصوص( الشرقاوي) و( الزيدي) في اللغة واستخدام المفردة والحوارات التي تستفز القاريء .. و تثير الجدل  وتتحدى الواقع بمعالجة درامية قلة من الكتاب العرب  استطاعوا الاقتراب من شعلتها و الإمساك بلهيبها .

كريم الفحل الشرقاوي بهذا النص يؤشر لنا وبالدليل القاطع ان الكاتب المسرحي العربي يتخطى الحدود ويعبر الى العالمية .