مواضيع للحوار

لماذا نحتفي بالمسرح العراقي

لماذا نحتفي بالمسرح العراقي

311 مشاهدة

يوميات متصوف في رحاب مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي

لماذا نحتفي بالمسرح العراقي؟

بقلم /حسام الدين مسعد

لقد أثلج صدري قرار إدارة المهرجان الشبابي في دورته السابعة بتخصيص يوم للاحتفاء بالمسرح العراقي، وصُناعه ضمن فاعليات المهرجان التي ستنطلق في مدينة السلام في الفترة من ٢٥-٣٠ نوفمبر ٢٠٢٢بمشاركات عربية ،وعالمية باذخة العطاء، والجمال، والمتعة

 لهذا الفن العريق .

  • لم يتوارد علي عقلي سؤال يبدأ بأداة الاستفهام لماذا نحتفي بالمسرح العراقي؟

ولماذا تخصص إدارة المهرجان يوم للحديث عن نشأة، ومسيرة، وأثر المسرح العراقي في وطننا العربي ؟

بل بدت لي صور متعددة إذ لاحت لي في الأفق صورة الراحل الذي عمل محامياً في أول مشواره ثم انتقل الي عشق المسرحليكونرائد الحركة المسرحية في العراق، أنه الراحل " حقي الشبلي" والذي قام بأول دور تمثيلي في عام 1926 في فرقة "جورج أبيض المصرية"، وهو مؤسس أول فرقة مسرحية عراقية في عام 1927 باسم الفرقة التمثيلية الوطنية.

إن الروابط بين العراق ومصر ليست روابط اللغة، والعرق، الدين وحدها، لكنها الرابطة الثقافية والمسرحية التي امتدت عبر ما يقارب  قرن من الزمن استطاعت فيها الحركة المسرحية العراقية أن تجني الآثار السيسيوثقافي، او مجموع تأويل المتلقين العرب للخطاب المسرحي العراقي الذي بات يشكل انعكاس للراهن من قضايا المجتمعات العربية، فتجاوز حدوده المحلية، لينطلق عبر الحدود الأقليمية مستهدفا جمهور المتلقين العرب ليناقش قضاياهم اليومية والإنسانية في جمالية تشير الي قدرة صناعه وحرفيتهم .

-كما لاحت لي في الأفق صورة آخر المبدعين العراقيين الراحلين وهو الممثل، والمخرج، والكاتب، "سعد هدابي" الذي رحل عن عالمنا في شهر رمضان المنصرم وترك للعراق والقارئ العربي إرثاً ثرياً من النصوص المسرحية المتنوعة التي تناولتها أيادي المبدعين، والمخرجين في شتي بقاع الوطن العربي، بل أن مهرجاننا الشبابي الوليد حظي بأكثر من مشاركة ضمن فاعليات دوراته السابقة لعروض مسرحية كانت تبني علي نصوص الراحل "سعد هدابي" لاسيما في محور مسرح الشارع والفضاءات غير تقليدية الذي حظي بعرضين أحدهما من الجماهيرية الليبية، والآخر من الجزائر لنصين للراحل  هما "عجاف"، "الجار" من إخراج الليبي "وسيم بورويص"،والجزائري" مهدي قصدي" وتم عرضهما في فاعليات الدورتين الخامسة، والسادسة علي الترتيب .

- لاشك أن الخطاب المسرحي العراقي تجاوز المحلية، وانطلق بخطي ثابتة نحو الإقليمية، يعود السبب في ذلك الي التطور، ومواكبة المستحدثات علي صعيد العلوم المسرحية، والثقافات التي استقطبها العراق، فشكلت جيل جديد من المسرحيين متسلح بالعلم، والمعرفة، والانفتاح علي ثقافات متعددة بجانب ارثه الثقافي والحضاري الذي ساهم في طرح العديد من الإشكاليات، والقضايا الإنسانية عبر الخطاب المسرحي العراقي الذي خرج من دائرة الاستنساخ الي فعل التأثير والتأثر ومن ثم التجديد في هذا الخطاب .

لقد حاول المسرحيون العراقيون منح المسرح العربي هوية عربية خالصة مما جعلهم يذهبون باتجاه التراث لإيجاد قوالب مسرحية، وموضوعات عربية خالصة في محاولات بائسة منهم لنفي التبعية للمسرح الغربي . لكن مثل هذه المحاولات التأصيلية لم تعد جاذبة للمتلقي الراهن في تحقيق ألفته التي غادرته فعزف عن قراءة النص او ارتياد قاعات العرض المسرحي واصبح ملول يضجر من طول النص أو العرض واصبح لا خيار أمام الكتاب سوي الاختزال اللغوي للنص الدرامي شريطة أن تكتب المسرحية لتمثل وليست  لتقرأ. وهذا هو جواز مرورها أي المسرحية لأنها تحمل أحداثا مثيرة ومشوقة للمتلقي لشرعيتها في تطور صراعها السريع والمنطقي لناموس الحياة.

الأمر الذي بات ظاهرة جلية كشفت عن  النص الدرامي العراقي القصير، و"النانو تياترو " او النص المسرحي القصير جداً، والذي برع المؤلف المسرحي العراقي في محمولات الخطاب الفكرية فيه، بل ساهمت الظاهرة  في  الكشف عن المفهوم الجمالي لفعل التأثير والتأثر وأثره علي الاختزال الفني للنص بشكل ابتكاري ينأي به عن فعل الاستنساخ إلي التجديد ومن ثم يحقق فعل التثاقف، فمجمل التأويلات للملفوظات، والنصوص، والخطابات التي تتضمن حوارية صريحة، أو تحوي تعددية في الأصوات ووجهات النظر والضمائر والفضاءات والأطروحات الفكرية والإيديولوجية ،شكلت بنية الخطاب المسرحي العراقي الراهن دون فرض وجهة نظر كاتبه علي المتلقي الذي بات يتذوق جماليات النص المسرحي العراقي الخالق لفضاء عمومي حجاجي، ونقاشي مع القارئ المتلقي من أجل تفعيل الوظيفة النقدية بتكوين رأي عام غير رسمي يمثل سلطة جديدة تتساوي فيها جميع الآراء .

  • إن الاحتفاء بتخصيص يوم للحديث عن المسرح العراقي ضمن فاعليات المحور الفكري لمهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي في دورته السابعة هو في الأصل تكريم للمسرح العراقي ومبدعيه، وشريعة ينتهجها المهرجان الشبابي للتعريف بالحركات المسرحية التي حصدت الأثر السيسيوثقافي، وكان لها الدور الفاعل في تنشيط وتقديم رؤي مغايرة لقراءة الواقع العالمي، والإنساني باستمرار ليتوازى الدور التثقيفي للمهرجان الشبابي مع ما يحمله الخطاب المسرحي من حمولات فكرية ،ومعرفية .