أخبار فنية

مسرح الطفل بين الممارسة والإبداع

مسرح الطفل بين الممارسة والإبداع

3820 مشاهدة

المسرح الجهوي بسيدي بلعباس

مسرح الطفل بين الممارسة والإبداع

انتاجات واعدة وتحديات واردة

      يعتبر الطفل اللّبنة الأولى في بناء المجتمعات، وعملة ناذرة في حقل الإبداع بمختلف تّجاهاته  لاسيّما منه عالم الفن الرابع واللعبة الرّكحية ،  فالطفل مصطلح استوقف العديد من الدّراسات والباحثين للولوج أكثر في عالمه ومحاولة فهم بساطته وتعقيداته، فمسرح الطّفل يستوقف العديد من الدّراسات لالتقاط دلالاته وأنواعه .

لذا بات لزاما التّفكير الجديّ رصد محطاته والوقوف عند دلالاته ومزاياه لميلاد جيل يعنى بمسرح الطفل والاهتمام بقضاياه ورصد واقعه وأحلامه لرفع التحديّات التي من شأنها أن تكون في مستوى تطلعات وآفاق هذا الجيل الواعد .

ومسرح الطفل هو ذلك المسرح الذي يخدم الطفولة سواء أقام به الكبار أم الصغار مادام الهدف هو إمتاع الطفل والترفيه عنه وإثارة معارفه ووجدانه وحسه الحركي، أو يقصد به تشخيص الطفل لأدوار تمثيلية ومواقف درامية للتواصل مع الكبار أو الصغار.

وبهذا يكون مسرح الطفل مختلطا بين الكبار والصغار،  ويعني هذا أن الكبار يؤلفون ويخرجون للصغار ماداموا يمتلكون مهارات التنشيط والإخراج وتقنيات إدارة الخشبة، أما الصغار فيمثلون ويعبرون باللغة والحركة ويجسدون الشخصيات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة اعتمادا على الأقنعة.

 ومن هنا، فمسرح الصغار هو مسرح للطفل مادام الكبار يقومون بعملية التأطير، وهو كذلك مسرح الطفل إذا كان مسرحا يقوم به الطفل تمثيلا وإخراجا وتأليفا، فمسرح الطفل يعتمد تارة على التقليد والمحاكاة وتارة أخرى يعتمد على الإبداع الفني والإنتاج الجمالي.

من هنا بات لزاما المضيّ قدما نحو ترسيخ الأسس الأولى التي من شأنها الرقيّ بهذا النّوع المسرح الذي يعدّ من أكبر التحديّات الواجب الأخذ بمزاياها لرسم معالم مسرح فتيّ يمهّد الطريق نحو مسرح واعد شكلا ومضمونا.

المسرح الجهوي واهتماماته بمسرح الطفل :

المسرح الجهوي كإدارة إبداعية منتجة ومهتمة بالفن الرابع ، تركّز اهتمامها بالدّرجة الأولى على مسرح الطفل إيمانا منها بضرورة اكتساب جمهور الغد وإشراكه في العمل الإبداعي بطرق مباشرة أو غير مباشرة ، باعتبار الطفل الطرف الأساس في أي عمل مسرحي موجه له لما يمتلكه من روح التجاوب ونسبة الذّكاء وتفريقه بين العمل الجيّد والرّديء ، راح يصبّ اهتماماته نحو انتاجات مسرحية جديدة تعنى بمسرح الطفل وتعالج قضاياه الرّاهنة بأسلوب سلس فيه من الذّكاء ما يقرّب الفكرة إلى ذهن الجمهور الصّغير بعيدا عن التّعقيد .

إذ أنّ المسرح يعتبر أداة تربوية ممتازة بالنسبة للطفل، وهو عملية تثقيفية وتعليمية وتهذيبية متكاملة البنيان، متعددة الأبعاد، فمسرح الطفل يكتسي خصوصيات وفوائد وانعكاسات تربوية ونفسية لا يوفرها له لا التلفاز ولا السينما.

حيث أنّ لمسرح الطفل دور هام في حياة الجيل الصّاعد لما يكتسيه من أهمية نفسية وتربوية ، وبناء على السياسة المعتمدة من لدنّ المسرح الجهوي لبعث مسرح الطفل والعناية به ، ناهيك عن التّرسيخ لمبادئه وقيمه ، جاء نتيجة كلّ هذا التفكير الجديّ في بعث تظاهرة مسرحيّة وطنية لها أبعاد مستقبليّة واعدة، من شأنها التأسيس للغة مسرحية تعنى بالطفل وتفتح أمامه العديد من الأبواب التي بدورها تسهم بقدر وافر في تنمية ذكائه وتخصيب فكره الفنّي وتحضير جمهور الغد ، وذلك ليس بالمهمة السّهلة اذا ما أخذنا في الحسبان جلّ المعايير التي تحكم مسرح الطفل.، مع  التفتح على تجارب رائدة وفتح مجالات الحوار للوصول لمسرح طفل هادف فيه العديد من التحديّات ووجهات النّظر.

 من القصّة القصيرة الى عالم الخشبة :  " بيبو ومدينة الأحلام" يأسر قلوب الأطفال :

ولمّا بدأ الاهتمام الحصري بتلكم الشريحة من الأطفال ، وكيفية التوصل الى انبعاث مسرح الطفل من جديد ، كان من بين  الانتاجات المسرحية التي فتحت الآفاق نحو استقطاب شريحة جمهور الغد ، نجد العرض المسرحي " بيبو ومدينة الأحلام" لــمراد سنوسي ومن إنتاج المسرح الجهوي لسيدي بلعباس 2010 ، أين منحت فيه الفرصة لفئة من الشباب لخوض غمار التجربة ، أين كان ربّان تلك المغامرة المخرج الشاب " عبد القادر جريو" أين رأى ذات المخرج الفتيّ في أولى تحدياته الإخراجية في مسرح الطفل أنّه لابدّ من الالتفاتة الفعلية لتلكم الشريحة من فئة الأطفال التي تملك العديد من المؤهلات لعلّ في مقدّمتها الذكاء أين لابدّ ألاّ نستهين  بقدراتها ، وتلبية احتياجاتها الفنية .

العمل المسرحي تطلب منه سنتين من البحث في مكنونات كلّ كلمة ألّفها " مراد سنوسي" للمساس بجوهر كلّ كلمة وكيفية تحويلها الى لوحة مسرحية ذات لمسة جمالية .

العرض المسرحي تبلورت فكرته جرّاء مذكّرة تخرّجه الموسومة بـ " توظيف الحكاية في مسرح الطفل" أين اقتنع أنه بات لزاما العمل الجديّ نحو فتح آفاق واسعة لهته الشريحة التي تعدّ مهمّشة ، أين لابدّ من منحها كلّ الاهتمام ، كما يجب التركيز على عنصري المفاجأة والمغامرة لحمل الطفل على المشاركة في العمل الإبداعي بشكل عفوي .

وقد ركّز المخرج في عمله آنذاك على قاعدة الاحترافية مانحا الممثلين والطاقم الفني جلّ الإمكانيات التي منحت له في فترة معينة من ممارسته المسرحية ، وفي ترجمة النص الى عمل مسرحي ركّز على الجانب البسيكولوجي الذي يحكم الطفل وكيفية الانجذاب إليه بفعل العوامل المؤثرة ، بخاصة وأن الإسقاطات الإخراجية تماشت جنبا الى جنب والمعلوماتية التي تهيمن على الطفل وتحكم عالمه ، حيث أن كوريغرافيا " سليمان حابس" مع سينوغرافيا" حمزة جاب الله" ولمسة حياكة ملابس الممثلين للسيدة " قادري نصيرة"، مع توزيع موسيقي مميّز لـ" عمر عسّو" كلها طبعت بعامل تأثيري فيه فسحة للتأمل والفرجة .

وعليه ، فان تجربة الشاب " جريو عبد القادر" في عرض " بيبو ومدينة الأحلام" كانت رحلة مفعمة بالمفاجآت على لسان الحيوان كما حدث في التراث الشعبي مع " ابن المقفع"  في سلسلة " كليلة ودمنة" ، ومع " بيبو" كانت الفرجة مضمونة في رحلة الاكتشاف والبحث عن المصير بعيدا عن الدّيار ، للعودة الى الأصل والجذور ، ليكون العرض في مستوى التطلعات بعد برمجته في العديد من المناسبات وجولته لبعض المسارح الجهوية ودور الثقافة ، باعتباره عرضا مميزا بعيدا عن التقليد الأعمى والأساليب المبتذلة .

" رميضة" عن بقرة اليتامى الى عمل مسرحي : آخر انتاجات المسرح الجهوي لسنة  2010 :

من بين الأعمال المسرحية الأخرى التي أضيفت الى أجندة المسرح الموجّه للطّفل ، نجد العرض المسرحي المستوحى من التراث الشعبي الشفهي ، من ماشاهو ، حكايات الجدّات وكان يا مكان ، " رميضة" التي  أستوحيت أحداثه من التراث الشعبي لـ" بقرة اليتامى" ، عمل على نصّها الحكواتي " ماحي مسلم صدّيق " في الوقت الذي أسند فيه العمل الإخراجي للفنان" قادري محمد"  الذي يعدّ صاحب مسيرة مسرحية رائدة تماوجت بين مسرح الكبار والصّغار .

وحسب ما أدلى لنا به المخرج الفنان " قادري" فان تجربته المسرحية بالنسبة لفئة البراءة انحصرت في حقل مسرح العرائس ، والعمل المسرحي " رميضة" يعدّ أوّل تجربة مسرحية يخوضها في مجال العمل على نص ذي طابع الحكاية الشعبية ، ليخوض غمار التجربة لاستنتاج جماليات تحويل الحكاية الشعبية الى عمل ركحيّ قائم بذاته له قواعده وميزاته من سينوغرافيا ، وموسيقى وإضاءة  لتحويل الحكاية الشعبية لعمل مسرحي يستقطب جمهور الصّغار .

والتقنية التي اعتمدها ذات المخرج في عمل رميضة ارتكزت على أساس المونولوج في مسرح الطفل وهي أول تجربة من نوعها عبر التراب الوطني ، أين كانت كل شخصيات رميضة تدور على لسان شخص واحد أسند إليه الدّور آنذاك وهي الشابة " عدنان وهيبة" التي لبست شخصيات " رميضة" مع إضفاء لمسة إخراجية لضمان تجاوب الأطفال الذين يمتلكون ميزات حسية لتعويدهم على تقنية الإصغاء ،إذ أنّ العمل على حقل الحكاية الشعبية يعتبر في حدّ ذاته عودة لجوهر الأمور ، وحنين الى الماضي مع حكايات الجدات والأسلاف " حاجيتك.... ماجيتك..." وعرض " رميضة" في حدّ ذاته عمل مسرحي مفتوح لكلّ الشرائح ، وللعديد من القراءات ، وجملة من شخصيات القصة مع التركيز على عاملي التشويق والمفاجأة .

ومن جهته يؤكد ذات المتحدث أن الاهتمام بمسرح الطفل وارد والمساعي متواصلة لتحقيق ذلك ، والمسرح الجهوي بشكل خاص يعمل كلّ سنة على ميلاد إنتاج جديد الى إنتاجين في السنة الواحدة كعمل مسرحي موجه للجمهور الصغير ، والقواعد تبقى كما هي لكن لابدّ من توافر الجديّة في طرح المواضيع وإتقان كيفية التعامل مع تلكم المواضيع وإدراجها في الإطار الأنسب لها ، كون المجالات مفتوحة للتشبّع من التراث المحليّ ، العربي وحتّى العالميّ منه ، لكن على النقّاد كيفية التعامل مع تلكم الانتاجات ومنحها النقد البنّاء والهادف بعيدا عن التجريح .

" رميضة" كان عملا مسرحيا ذا دلالات مميّزة باعتباره حافظ على لبّ الحكاية الشعبية ، في سرد الأحداث والمواقف مع موسيقى تناغمت وأداء الممثلة لــ" محمد عبد الغني" ، أمّا العمل السينوغرافي فقد  أسند للشاب " عبد الجواد عبابو" الذي حاكى العمل المسرحي بأسلوبه المبدع ، ليوفر المجال الخصب للممثلة في أولى تجاربه للكشف عن ميزته في السينوغرافيا ، ومع ذلك الشاب " عبّابو" يرى أن من أهداف أي شاب أن يطمح للأفضل والأجود إن تمّ رفع الحصار عنه ومنحه الأولوية لطرح إبداعاته ، والتجربة الأولى في السينوغرافيا فتحت أمامه العديد من الأماني .

ليبقى عرض " رميضة" رقما إضافيا في سلسلة العروض المسرحية الموجهة لجمهور الغد ، كما أنه لابدّ من البحث الجديّ في التراث الشعبي ومآثره والاستفادة منه بشكل احترافي .

" مغامرات الماكر" لـسنة 2011  مغامرة تستحق العناء ، من الرواية الى معانقة الستائر :

عندما تلتقي نقطة الكتابة الأدبية  الجادّة ونقطة مسار مسرحي حافل ، يشكّلان بعدا مستقيما نحو عمل مسرحي من شأنه أن يصنع الفارق ويحقّق المتعة لأطفال تعلّموا الحلم والتشبث بالأماني في ظل عالم طغت فيه العنكبوتية وبسطت نفوذها ، لتحول دون التمتّع بالجمال  الذي من شأنه قلب الموازين.

من بين الانتاجات المسرحية الجديدة للمسرح الجهوي لسيدي بلعباس التي رأت النور مؤخرا مطلع سنة 2011 ، نجد العرض المسرحي " مغامرات الماكر" للأديب " أحمد خياط" صاحب الأعمال القصصية ، الأدبية والروائية الرّائدة الموجهة لفئات متعدّدة لاسيما منها جمهور الأطفال والشباب  .

" مغامرات الماكر" أسند فيها العمل الإخراجي للفنان المخضرم " قادة بن سميشة" صاحب مسيرة مسرحية رائدة ، لاسيّما منها في حقل مسرح الطفل أين عمل هو الآخر بجهد وجنبا الى جنب مع الأستاذ" خياط" لإنجاح العمل المسرحي وتحقيق الغاية منه ، بعد أن تحوّل العمل الدرامي الضّخم لــ " مغامرات الماكر" الى عمل مسرحيّ بقواعده وميزاته ، مع كوكبة من الممثلين الذين بذلوا الجهد الكافي من عطائهم الفني وصبرهم لمنح العرض المسرحي الصورة الأكمل .

الأستاذ " أحمد خياط" لم يختر الكتابة بل هي من اختارته ، إذ يعدّ مفتشا سابقا للتربية ومع ذلك كان يحمل معه تذكرة أديب واعد سيحطّ الرّحال يوما ما في عالمه السّاحر ، بداياته كانت بمناسبة مرور قرن كامل على القصة العالمية المشهورة " معزاة السيد سوقان" – La Chèvre De Mr SOUGAIN

القصة التي كتبت عام 1892 ، ليترجمها سنة 1992 الى اللغة العربية تحت عنوان " الغزيلة أو معزاة السيد سوقان"  مستقيا منها الفكرة العامّة وبعض الأفكار الجزئية مسقطا عليها وقائع المجتمع العربي لاسيّما الجزائري منه ، لتصدر له الرّواية سنة 1994 .

من هنا كانت تأشيرته اللاّمحدودة نحو عالم الإبداع، أين يضيف الى رصيده ست قصص بين قصيرة وطويلة من  " كوزات"، " موغلي " الى " سرّ الأستاذ كورني" ، لينتهي حاليا من ترجمة الجزء الأول من " بلا عائلة" لـريمي .

المميز فيه كتابته باللّغتين العربية والفرنسية ، وابتسم له الحظّ  لتحصد روايته " مغامرات الماكر" جائزة أبوليوس للرواية باللّغة العربية سنة 2008 ، بعد أن شارك في مسابقة نظمتها المكتبة الوطنية بالحامة على مستوى الجزائر العاصمة، ليقرّ " أمين الزّاوي " أمام الملأ أن رواية " مغامرات الماكر" تعدّ بحقّ أوّل رواية للشباب .

وعن تحويل الرواية الى عمل مسرحيّ يؤكّد أنّ المبادرة جاءت من لدنّ السيد " أحسن عسوس" مدير المسرح الجهوي لسيدي بلعباس ، أين أعرب عن نيته في تحويل الرواية الى عمل مسرحي يضاف الى قائمة العروض المسرحية التي من أولوياتها الحفاظ على الخطّ المستقيم لسياسة مسرح الطفل المنتهجة .

يؤكّد الأستاذ " خياط" على أن المبادرة لتحويل " مغامرات الماكر" من رواية الى عمل مسرحي جاءت من لدنّ السيد " أحسن عسوس" مدير المسرح الجهوي لسيدي بلعباس ، في محاولة خوض مغامرة أخرى في حقل مسرح الطفل ، وللحفاظ على  سلّم الاحترافية الخاص بالترويج لمسرح الطفل ورصّ أسسه المتينة .

 في هذا ترتكز رواية الأستاذ " خياط" على نسبة 30 بالمائة من الحوار ، أين استغرقه العمل مدّة 120 ساعة بالتحديد للتحول الى كتابة الرواية على شكل نص مسرحي ملمّ بكلّ الشخصيات والعناصر ، مركّزا في ذلك على الدّعم الذي تلقاه من الجهات المعنية ، والمخرج " قادة بن سميشة" هذا الأخير الذي وجّه  نداء الى زمرة النقاد والمثقفين على توجيه النقد الى مساره البنّاء وأنه يجب الحفاظ على خيط التواصل بين الجهتين حتى لا تحدث القطيعة، فحسب رأيه ثمة أزمة توجيه بنّاء لا أزمة نصوص.

وحسب السيد " خياط أحمد" فان النصوص موجودة لكن وجب التنقيب عنها واستخلاص الأجود منها ، ففي رصيده حتى الآن مجموع 40 كتابا ، 07 منها باللغة الفرنسية ، وواحد ترجم الى اللغة الانجليزية مع قرص مضغوط ، فــ" مغامرات الماكر" قد تحوّل بفعل مجهودات  الى روح مسرحية استقطبت الأنظار .

حيث أن العرض المسرحي في مجمله عالج العديد من القضايا التربوية الهادفة على لسان الحيوان ، أين تمّ إثارة موضوع المكر والخداع ، ناهيك عن التكبر والتجبر وعاقبة كلّ من يلمّ بتلكم الصفات غير الحميدة التي توصل الى إيذاء الفرد والمحيطين به .

العرض الذي استهلّ بوصلة غنائية كافتتاحية للعمل المسرحي مشيرين فيها الى أهمية الحكاية والفضاء المعتمد أين كانت الغابة مسرحا للأحداث السارية ، وتقاسم الممثلون الأدوار مرتكزين على الراوي لبّ الحكاية الذي واكب الأحداث وكان مفتاحها الى نهاية المغامرة التي لا تزال مفتوحة .

أين استغلّ الذئب صحبته لسلطان الغابة معتقدا أنّ تلكم الصحبة قد تفيده متخليّا بذلك عن أهله وناسه ، أين اعتراه التكبّر فأضحى ذئبا غطريسا ، ولمّا فات الأوان ندم حيث لا ينفع النّدم.

لتكون اليمامة من صنف الطيور الشريفة واحدة من الشهود على غطرسته محاولة كلّ مرّة تنبيهه للعواقب ، لكن ما حدث قد حدث وخسر شخصيته والمقربين إليه .

الثعلب من جهته كان بطل الحكاية بحكم مكره وحيله التسع والتسعين التي استغل منها رقما كلّ مرّة ليطيح بضحيته ، متناسيا في ذلك هو الآخر عاقبة خداعه وتحايله على الغير ، حيوانات الغابة في ذلك لم يكن في حيلتها شئ سوى الصّبر على مكره ، متيقّنين أنه سيأتي اليوم الذي ينال فيه جزاءه .

وفي كل هذا تسارعت وتيرة الأحداث أين أطاح ببائعي السّمك وسلبهم رزقهم ، لتكون نهايته حتمية أين طولب بالرّحيل الى أرض غير الغابة التي منحته الأمان ، هنا أضحى ذليلا مغادرا الغابة وكلّه خزي وندم .

مغامراته لم تنته عند هذا الحدّ ، بل انتقل الى أرض  وغابة أخرى ، أين التقى بالقنفذ هذا الأخير الذي اعتبره صديقه ، ومع ذلك قد أضاف الماكر حيلة أخرى وخسر صديقا آخر ، والقط البريّ هو الآخر الذي لا يملك في جعبته إلا حيلة واحدة ، تلاعب به الماكر وسلبه مؤونته ، كما احتال على إحدى العجائز وسلبها مؤونتها لكنّها فاقته ذكاء ورمت به في شباكها أين كانت نهايته على يد كلبها الوفيّ .

الرّعاة من جهتهم صنعوا الفرجة وقضوا على الماكر الى الأبد ، لتكون نهاية العرض بوصلة غنائية مشيدة بجمال الربيع وروعة الطبيعة فيه من خرير للمياه وخضرة المروج .

" مغامرات الماكر"  التي اتّخذت في شكلها ومضمونها أسلوب الحوار والجماليات ، انتهت باعتراف الماكر أنّ دور الثعلب لم يتماش بشخصيته ولا يريد هذا الدّور بتاتا ، وهي انفتاح بذلك لمغامرة أخرى ربّما ترى النور في المستقبل القريب ، فالمغامرات لا تنتهي ولابدّ من تحديد إطارها .

والسيد المخرج  قد  أعرب عن مدى تفاؤله بالعمل على نص " مغامرات الماكر" بلغة عربية راقية ، واضعا عليه لمساته الإخراجية أين كان ثمة تفاعل مع الطاقم الفني والممثلين مركّزين على لغة الحوار سبب إنجاح أي عمل فني لاسيّما المسرحي منه ، والأمر المميز أن طاقم الممثلين من صفوة الشباب وهذا الأمر الذي يعتز به المسرح الجهوي ، ليكون هؤلاء خير خلف لخير سلف .

وتبقى " مغامرات الماكر" من أهمّ المغامرات التي خاضها ، وهي لا تزال في أوجّ بداياتها على أمل توزيعها لأكبر شريحة ممكنة ، وعلى مستوى عدّة ولايات لتحصيل الفائدة وطرح الأهداف المتبنّاة على المدى البعيد.

 المسرح الجهوي لسيدي بلعباس والآفاق :

ما تزال المساعي سارية المفعول نحو تفعيل ثقافة مسرح الطفل ، ومنحها المجال الخصب للإبداع مع التركيز على أجود النصوص ذات الأهداف التربوية والمساعي النبيلة ، لتضيف لمسة معينة في تنشئة الطفل وتوجيه آماله والوقوف عند أحلامه وطموحاته ، في هذا الصدد يعتزم المسرح الجهوي لسيدي بلعباس انتاج مولود مسرحي واعد في حقل مسرح العرائس ، لم يتمّ الكشف عنه بعد .

ومع ذلك تبقى النية في التركيز على هذا النوع من الأولويات والآفاق المستقبلية ، للتوصل بشكل أو بآخر الى نقل الطفل على التفاعل وتنمية قدراته .

 كما هو يصدد التحضير لميلاد تظاهرة الأيام الوطنية لمسرح الطفل من شأنها مدّ جسور العطاء والتواصل وتبادل الخبرات والتجارب ، ناهيك عن التفتح عن تجارب رائدة وفتح مجالات الحوار للوصول لمسرح طفل هادف فيه العديد من التحديّات ووجهات النّظر.

وأهم الأهداف المدرجة ضمن تظاهرة الأيام الوطنية لمسرح الطفل نجد على سبيل الذّكر تنمية الأحاسيس الإيجابية والإدراك السليم عند الطفل بإثارة الكثير من العواطف لديه كالإعجاب والخوف والشفقة.، مع دمجه في الجماعة من خلال مشاهدته أو مشاركته في صنع الحدث.

زد على ذلك الإسهام في تخلص الطفل من بعض الأمراض النفسية كأمراض النطق وعيوب الكلام والانطواء، والخوف مع تربية الفعل الحركي المندفع لدى الطفل، كالمشي والجلوس والتعامل مع الأشياء بطريقة صحية وسليمة.
ناهيك عن الكشف عن المهارات الكامنة لدى الطفل والمواهب الخاصة.

وعليه ، فان المسار المحدد نحو تفعيل ثقافة مسرح الطفل وإشراكه في العمل الإبداعي تبقى من المسؤوليات التي لا يجب الاستهانة بها في ظل التطور المذهل وتوفر الإمكانيات .

بقلم : عباسية مدوني – سيدي بلعباس-الجزائر

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية