أخبار أدبية

مسرحية   الانقـــــــــــــــلاب للدكتور عز الدين جلاوجي

مسرحية الانقـــــــــــــــلاب للدكتور عز الدين جلاوجي

440 مشاهدة

مسرحية   الانقـــــــــــــــلاب للدكتور عز الدين جلاوجي

 من مجموعة نصوص مسرحية: #الأقنعة المثقوبة

#الدكتور _عز الدين _جلاوجي _الجزائر 

في بيت الحاج فَهُّوم الواسع يتمدد نشناش فوق الأريكة في ثيابه البيضاء، دون أن يتخلص من حذائه، يعبث بلحيته غير المتناسقة، مدندنا أغنية قديمة من أغاني الراي، يقف فجأة يقضم من حبة تفاح كانت في صحن مزين، ثم يعيدها حيث كانت، يقف متمشيا، يقلب بصره في البيت وأثاثه الفاخر، محدثا نفسه.

     أه أيها الغبي، لو أجد طريقا لأستولي على كل خيراتك فلن أتردد أيها المنافق، تسرق جهد الناس لتعيش ملكا ولا تدري أن الموت ينتظرك.

يفاجئه الحاج فَهُّوم داخلا وقد تغير شكله تماما، صار لباسه تقليديا أبيض، وغطت وجهه الحليق لحية كثة، وتوسطت جبهته خانة سمراء.

     أنت تحدث نفسك، لقد جننت يا نشناش.

يعدل نشناش من عمامته الخفيفة باضطراب قائلا:

     أبدا ياسيدي الحاج فَهُّوم، كنت أذكر الله وأدعو لك.

يربت الحاج فَهُّوم على رأسه كأنما يباركه.

     ماشاء الله، ماشاء الله، أنت رجل صالح مثلي.

يحس نشناش بسخريته فيغير دفة الحديث.

     انتظرتك طويلا.. خيرا إن شاء الله؟

يجلس الحاج فَهُّوم في قلق، في حين يبقى نشناش واقفا.

     من أين يأتي الخير؟ أصبحت لا أكاد أطيق رؤية الناس.

     لا تقلق يا سيدي الحاج فَهُّوم، فالقلق من الشيطان الرجيم.

     بارك الله فيك.. القلق من الشيطان.. الناس كلهم شياطين.. كيف لا تريدني أن أقلق؟ كيف لا تريدني أن أقلق؟ الأحوال غير مستقرة.. والناس تتبدل في الساعة ألف مرة.

     فلنتبدل نحن أيضا.. نتلون كما يتلونون.

يجلس نشناش إلى جواره وقد بدا في ملابسه الجديدة بدينا، يقول الحاج فَهُّوم.

     لقد تعبت يانشناش.. أنت تعرفني رجلا صريحا لا أحسن النفاق، ولا أغير لوني عند كل منعطف، أنا إنسان صادق، ولا أقدر على التعامل مع الملايين، وهذا..

يقاطعه نشناش.

     وأنت مالك وللملايين..؟ أنت الحاج فَهُّوم.. والحاج فَهُّوم له مكانته عند الله، وعند الناس، وعند رجال الدولة.

يهز الحاج فَهُّوم رأسه مؤيدا.

     طبعا طبعا أنا السيد الحاج فَهُّوم، لي مكانتي في المجتمع، والجميع يعرف قيمتي ولا أتعامل إلا مع علية القوم.

يحس نشناش بالقرف من كذبه وافتراءاته فيقوم مبتعدا مغيرا الحديث.

     فعلا أنت كذلك سيدي، ولكن لماذا تأخر الفار اليوم؟

     الفار.. الفار هذا مصيبة.. كارثة.. يجب أن نتخلص منه، وهل رأيت خيرا في فأر؟ هل رأيـ...

يقاطعه نشناش مهدئا.

     لكنه رجل مخلص يا سيدي.

يغضب الحاج فَهُّوم فيضرب على الأرضية بعصاه.

     لا أريد إخلاصه.. أريد الفطن الذكي.. أما الخامل الذي ينام حتى العاشرة.. هذا لا أريده.. نعم لا أريده.

يعود نشناش للجلوس إلى جوار الحاج.

     الفار يا سيدي يعيش مشاكل.. مشاكل عويصة جدا.

     الناس كلهم يعيشون مشاكل، من منا يخلو من المشاكل؟ قل لي، أخبرني.

يرتسم الحزن على ملامح نشناش، ويقول بهدوء.

     و لكن مشاكل الفار يا سيدي أخطر.. لقد طلق زوجته وضيع أولاده، ثم ارتكب تلك الجريمة الشنعاء، ودخل السجن سنوات، فلما خرج وجد نفسه وحيدا.. لقد ماتت أمه فلم يجد من سلوى سوى معاقرة الخمرة وتناول المخدرات، ولولا أنك أنقذته ياحاج لكان في خبر كان.

يقوم الحاج فَهُّوم غاضبا، وقد عاوده الألم، يجرع من كأس كان أمامه قائلا:

     ولكنه بالغ في الفساد والانحراف، وصار يقضي شطرا من وقته يلهث مع أنصار الحزب الجديد، همه الصلاة وحضور الولائم.

يضحك نشناش قائلا:

     ومن منا لا يحب الولائم الفاخرة يا حاج، والفار المسكين صحراء من الجوع والفاقة، أما الصلاة فلا علاقة له بها، أنت تعلم أنه يصلي معهم دون وضوء.

يسكت نشناش، ثم يقوم، وهو يسمع وقع أقدام تقترب، يفتح الباب ويدخل الفار، فيصرخ الحاج فَهُّوم.

     ها هو قد جاء الفار المكار ذيل الحمار، ينام حتى منتصف النهار.

يرد الفار وهو يحاول أن يعدل من ملابسه الجديدة.

     والله بت مريضا يا سيدي الحاج فَهُّوم، لم أنم حتى الفجر.

يتأمله الحاج فَهُّوم جيدا.

     وما هذه اللحية؟

     لحية؟ أنت أمرتنا بإسدالها ففعلنا، وإن شئت حلقناها الآن.

     هذه لحية مجنون.. أنا أريدها نظيفة منظمة.

     صدقت، ولكن..

يقاطعه الحاج فَهُّوم بقوة غاضبا.

     قص الشارب سنةٌ يا غبي.

يتلمس الفار شاربيه ويمسد لحيته قائلا:

     والله ياسيدي، في اللحية فقط ألف رأي ورأي، وألف مذهب ومذهب، واحترت في من أتبع من العلماء.

يضربه الحاج فَهُّوم على رأسه فينط متألما.

     يا أحمق تتركني أنا وتتبع الآخرين؟، أنا باب العلم، وإياك أن تأخذ برأي غيري.

يعود الفار إلى مكانه، وهو يمعن في حك رأسه.

     أصدقك القول ياحاج أنا كرهت الشكليات.

يبتسم الحاج فَهُّوم في سخرية.

     وهي الأهم يا أحمق.. الحياة كلها شكليات.. القانون، العدالة، الأخلاق، التدين، كلها زيف وكذب.

     وأخشى أن ينهار كل ذلك ونسقط في الهاوية.

يعلق الفار، فيضربه الحاج فَهُّوم على رأسه مرة ثانية، وهو يقول:

     بل سنحقق ما نريد.. وسنحقق ما نطمح إليه.. وسنصل إلى أرقى المناصب وحين أشفى من هذه العلة ستريان ما أفعل، أنا الحاج فَهُّوم، أنا...

يقاطعه نشناش وهو يقف إلى جواره.

     يظهر أنك ما زلت تحلم برتبة وزير يا معالي الوزير.

يضرب الحاج فَهُّوم البلاط بعصاه واثقا من نفسه.

     وستراني وزيرا يوما ما، لا تخش شيئا كل الأحزاب تشترى بالمال، والناس جميعا عندنا سيان مهما اختلف لون لباسهم.

يبتسم نشناش معلقا بسخرية.

     خاصة وقد ازدهرت مشاريعنا هذه الأيام.. المصنع.. الشركة.. الحقول.. المقهى.. المخازن..

يظهر الاستياء على وجه الحاج فَهُّوم وقد أحس بألم السخرية، لكن رنين الهاتف يقطع كل شيء، يندفع الحاج فَهُّوم نحو السماعة.

     خيرا إن شاء الله.

يجلس على الكرسي المجاور للهاتف ويرفع السماعة.

     أهلا من؟ سليمان.. لا لم أسمع ماذا وقع.. بشرني بشرك الله بالخير.. أرجوك أسرع، أخبرني ماذا وقع؟ الرئيس.. مستحيل.. أزيح الجميع.. لابد من إعادة الانتخاب؟ لا أرجعه الله..، كنت أعرف أن الانتخابات كانت مزورة.. مع السلامة.. مع السلامة.

يقترب الفار منه مستفسرا وعلامات الحيرة عليه.

     ماذا وقع ياحاج؟ بشرنا معك بشرك الله بكل خير.

يقوم الحاج فَهُّوم ويندفع راقصا فرحا.

     تغير كل شيء، تغير كل شيء.

يندفع نشناش إليه مندهشا.

     ماذا تقصد ياحاج؟ ماذا تقصد؟

     تدخل الرئيس شخصيا، وأعلن عن تزوير الانتخابات السابقة، ولابد من إعادة إجرائها مرة أخرى.

يقاطعه نشناش في حيرة.

     و لكن.. الانتخابات.

     لا انتخابات، ولا فوز، ولا هم يفرحون، القضية قضية...

     هذا ظلم ياحاج، هم حقا دراويش، ولكن فازوا بالانتخابات ياحاج.

يتدخل الفار، يدفعه الحاج فَهُّوم بقوة غاضبا.

     اخرس يافار يا ذيل الحمار، نحن مع القوي ولو كان ظالما.. وما يهمك أنت ظالم أو مظلوم، المهم من يفيدنا، ونحن منذ البداية لسنا مع الدراويش.. نحن..

يقاطعه نشناش وهو يشير إلى ملابسه.

     ولكن..

يصرخ الحاج فَهُّوم فيهما.

     إلى الحمام، إلى الحمام، لابد من حلق اللحية، وتغيير اللباس، والعودة إلى البدلة، وربطة العنق، الرجوع إلى الأصل فضيلة.

يوقفه الفار سائلا.

     وبطاقات الانخراط؟

     هات بطاقتك، وأنت هات بطاقتك.

يتسلم منهما البطاقتين، يجمعهما مع بطاقته ويمزقها.

     انتهى كل شيء، انتهى كل شيء، شمس جديدة ستشرق الآن، تحيا الحرية، تحيا الحرية.

     و تريدنا أن ننخرط في الحزب الجديد؟

يسأله الفار فيجيب الحاج فهوم بحماسة.

     طبعا غدا صباحا سنكون من أقوى أنصاره، طبعا من أقوى أنصاره، كي نجني الفوائد، لا لنتلهى بفوضى السياسة.

يأمرهما زاجرا، ثم يدفعهما أمامه بقوة.

     هيا ادخلا الحمام بسرعة لتفسحا لي المجال، اجمعا هذه الملابس، وما تحصدانه من لحى لنحرقها.

يدخلان الحمام، في حين يواصل الحاج فَهُّوم حديثه مع نفسه.

     عجيب، كل شيء يتبدل ويتغير في لمح البصر، الدول.. الحكومات.. الناس.. الأرض.. الأوجه.. القلوب.. وسبحان الحي المعبود، إنها من علامات الساعة.. من علامات الساعة.. الساعة.. الساعة.

ينتبه الحاج فَهُّوم من حيرته، يجلس على الأريكة، يواصل حديثه.

     كل إنسان يغفل تقوم عليه الساعة.. افتح عينيك ياحاج يا فهّوووم، كل الذين يحيطون بك ذئاب، ويجب أن تكون ذئبا مفترسا يقظا.. لا لا بل أسدا هصورا لتستعبدهم.. هؤلاء العبيد لا يخضعون إلا للقوة، والقوة مصدرها المال.. والمال لا يأتي إلا باحتلال المواقع.. اضحك لهم واذبحهم.. أولاد الكلاب.

يخرج الفأر ونشناش وقد غيرا ملابسهما وحلقا لحيتيهما، يفرح الحاج فَهُّوم بهما، يقوم إليهما.

     هكذا أحسن..، وجه حسن جميل، وهندام بديع.. إن الله جميل يحب الجمال.. والآن مباشرة إلى الحزب الجديد، تباركان له باسمي الخاص، وتعتذران عن عدم زيارتي الشخصية لأنني مريض، وتطلبان ثلاث بطاقات انخراط، فهمتما؟ هيا انطلقا انطلقا إلى..

يقاطعه الفار.

     يا حاج كان من الواجب أن تذهب معنا.

يتدخل نشناش معلقا بتهكم.

     الحاج فَهُّوم يعرف من أين تؤكل الكتف، وكيف تؤكل، يعرف متى يذهب وكيف يذهب، فلا تحشر أنفك فيما لا يعنيك يا أحمق.

يلكم نشناش الفار على ظهره، ويدفعه أمامه باتجاه الباب، يخرجان، يثبت الحاج فَهُّوم لحظات في مكانه مفكرا، ثم ينطلق محدثا نفسه.

     أنا الغبي.. لو كنت ذكيا لانخرطنا في كل الأحزاب دفعة واحدة وأيُّها فاز كنا معه.. من يملك السلطة يملك كل شيء.. كل هذا الصراع هو صراع بطون.. صراع مصالح.. صراع امتيازات لا أفكار ولا مبادئ.. بل صراع الأغنياء والفقراء.. صراع الأقوياء والضعفاء.. وإذا تسابقت الأفيال فالخاسر الوحيد هو الحشيش.. ياويح من كان حشيشا، أما أنا.

يضرب صدره، وهو يتأمل وجهه في المرآة.

     فلا بد أن أكون فيلا، بل كبير الفيلة.

يعاوده الألم والقلق فجأة، فيبتلع قرص الدواء.

     يظهر أن نسبة السكر قد ارتفعت في الدم.. القلق، الضغط، في اليوم الواحد أشرب عشرة فناجين قهوة.. أين هو مراد؟ لماذا يغيب عني طويلا؟ لا بد أن أتصل به هاتفيا لأرسله بدلي إلى المسؤول عن الحزب الجديد.

يدخل الفار مندفعا في حالة فزع ورعب فيقفز الحاج فَهُّوم إليه، وقد شحب وجهه فزعا.

     سيدي الحاج فَهُّوم .. سيدي الحاج فَهُّوم.

     اسكت سود الله وجهك، مالك تغلي هكذا؟

     الطامة الطامة يا سيدي الحاج فَهُّوم.

يحملق الحاج فهوم فيه فزعا.

     أفصح أفصح قتلتني بالخوف.

     إنها الكارثة يا سيدي.

يحمل الحاج فهوم عصاه ويضربه بها على رأسه، فيهدأ الفار، يسأل الحاج فَهُّوم.

     ماذا تقصد، ويلك عليك اللعنة؟

     ماذا أقول لك؟

يتهاوى أرضا، فيزداد خوف الحاج فَهُّوم، ينحني عليه.

     قم، قم، قل ما تريد أن تقوله.

     أخاف عليك.

     تخاف علي؟ مم؟

ينحني عليه الحاج فهوم فزعا.

     أخاف عليك أن تموت خوفا وفزعا.

     انتظر حتى آكل قرص السكر، وقرص قلق، ثم أخبرني بهدوء.

يندفع الحاج فَهُّوم إلى خزانة الأدوية، يأكل منها بعض الأقراص ويعود.

     الأحسن أن تأكل علبة كاملة.

     لماذا يا مجنون؟

     لتموت وتستريح.

يخنقه الحاج فهوم بقوة ساخطا.

     وأنت؟

يجيب الفار وهو يكاد يختنق.

     سآكل مثلك وألحق بك إلى نار جهنم خالدين فيها أبدا.

     هل عاد حزب الأصالة للحكم؟

     لا.. لا.

     اكتشفوا أمر صفقة المخدرات؟

     ليتهم فعلوا.

يسحب الحاج فَهُّوم الفار، ويجلسه إلى جواره، مواصلا حديثه.

     إذن أمر السلع الفاسدة التي بعناها؟

     لا أبدا.

     وثائق المصنع المزورة؟

     لا لا، هذا أمر لا يعنيني أبدا.

     إذن ماذا يا لعين؟

يغرس الفار وجهه بين يديه فزعا، يخضه الحاج فَهُّوم قائلا:

     قل وخلصني قبل أن أموت.

     تــ... ففففاحة.

يندفع الحاج فَهُّوم واقفا خائفا لايكاد يستطيع بلع ريقه.

     ما لها تفاحة؟ وضعت؟

     نعم وضعت في بيتي.

يزفر بعمق مستبشرا.

     الحمد لله هذا خبر يفرح.. كنت متأكدا من مقدرة العجوز، إنها أشهر قابلة في المدينة كلها.. ستعود تفاحة إلى بيت والديها ونتجنب الفضائح.. أما الطفل فسنرسله إلى إحدى المستشفيات.. أو أو نفعل به ما نشاء.. ولماذا أنت خائف، أم تريد إزعاجي يا فار يا مكار؟

يقف الفار إلى جانبه، يقول ساخرا.

     و لكنك تحلم يا سيدي.

     ماذا تقصد؟

     تفاحة ماتت.

يلتفت الحاج فهوم إليه بقوة من شدة الهلع، ثم يعود إلى الجلوس، ينهار الفار على الأريكة كالمغمى عليه.

     ماذا تقول؟ ماتت ماتت؟!

لا يجيب الفار، يخضه الحاج فهوم مرارا دون جدوى، يصب على وجهه كأس الماء صارخا.

     أجبني، ماذا تقول؟ ماتت ماتت؟!

     نعم ماتت وهي تضع مولودها.

يصرخ الحاج فهوم في وجهه، في هستيرية شديدة.

     مستحيل مستحيل، تكذب، كذاب كذاب كذاب كذاب، يا فار يا ذيل الحمار.

يستوي الفار قاعدا، يثني رجليه، يرفع عينيه إلى الحاج فَهُّوم.

     لا مستحيل في الموت.. ماتت وسنموت نحن أيضا.. أنا وأنت، الفار وفهووووم، سنعدم.. هل تعرف معنى سنعدم؟

يسقط الحاج فَهُّوم في شبه إغماء، يهرع إليه الفار يوقظه بقوة.

     لا لا، يجب أن تفطن، إياك أن تموت لتفر من المشكلة وتترك الحمل كله فوق رأسي.. يجب أن نكون معا.. نموت معا.. ننتحر معا.. أو ندخل السجن معا.

يسرع إلى الطاولة، يحمل إناء الماء، يصبه عليه، ينتفض الحاج فَهُّوم، يستوي في جلسته وهو يمسح الماء، قائلا:

     إني أشك في حديثك يافار يامكار.

     و لكنك ترى روحي تكاد تزهق.

     ومن أخبرك؟ هل استطعت أن تصل في هذا الوقت الوجيز إلى البيت وتعود؟ لا هذا مستحيل إنك تكذب تكذب.

     بل التقيت العجوز خرفية مقبلة إلينا لتخبرنا بالكارثة العظيمة.

يضرب رأسه بلكمتيه وقد زاغت عيناه.

     كارثة.. طامة ماذا نفعل؟

     تسألني وأنت حلال مشاكل؟ وأنت الحاج فَهُّوم؟

يعتدل الحاج فهوم في جلسته، تضطرب في نفسه الأفكار، يتكئ على حافة الأريكة.

     اسمع يافار، ليلا يجب أن ندفن الجثة.

     أين؟

يسكت لحظات مفكرا.

     في القرية حيث بيتي.. هناك بئر مهجورة جفت منذ عامين استعملناها لرمي الأوساخ.. نرميها هناك ونملأ البئر بالتراب.

     ومن أين نأتي بالتراب؟

يقف الحاج فهوم ثائرا في وجه الفار.

     اللعنة عليك، تغلق دوني كل الأبواب.. عليك اللعنة، نكتري صباحا شاحنات خاصة، تنقل التراب ونملأ البئر وهكذا يدفن السر في البئر.

يسأل الفار مضطربا.

     وأصحاب الشاحنات؟

     ما لهم؟

     ألا يعلمون بالأمر، فيشيعونه؟

     في هذه الليلة نأخذها أنا وأنت نرميها هناك، ونغطيها بالتربة المتراكمة قرب البئر، حتى نزيل أثرها، ثم تكمل الشاحنات ما تبقى صباحا.. البئر ضيقة ولا تحتاج إلى مجهود كبير.

     والولد إلى أي مستشفى نأخذه؟

يندهش الحاج فهوم فيحملق فاغرا فاه مفكرا، ثم ينتبه فجأة.

     الولد.. الولد.. نأخذه إلى مستشفى البئر.

يصرخ الفار في الحاج فهوم متعجبا.  

     ماذا تقول؟

     نخنقه هكذا، وندفنه مع أمه، ليس له أدفأ من حضن أمه يا أحمق، نعم نخنقه.

يمد أصابعه إلى رقبة الفار يجرب حتى يكاد يخنقه، فيدفعه عنه بعيدا مندهشا، وهو يقوم.

     نزهق روحا؟ من يقدر على ذلك؟

يضحك الحاج فهوم بسخرية.

     طبعا أنت، أنت يا صاحب المهام القذرة.

يقاطعه الفار بصرامة.

     مستحيل.

     ماذا؟

يصيح الفار في وجه الحاج فهوم.

     مستحيل مستحيل، لن أفعل لن أفعل.

يندهش الحاج فهوم، يقترب من الفار مشهرا في وجهه عصاه.

     إما أن تفعل، أو أفعل.

يسأل الفار بحيرة.

     تقتله أنت؟

يصيح فيه الحاج فهوم، حتى يتطاير بصاقه على وجهه.

     لا، بل أزهق روحك أنت.. أنت تعرفني يا ملعون يا فار يا مكار يا ذيل الحمار يا قذر.. وإن فررت سأقدم ملفاتك إلى الشرطة، وسيقبض عليك كالكلب.. كل شيء مسجل باسمك أنت تعرف ذلك.

     ولكن ياسيدي.

يصرخ الحاج فَهُّوم في وجهه.

     اخرج اخرج.. اغرب عن وجهي، لا أحب أن أراك حين آتي ليلا يجب أن أجد الولد ميتا في كيس محكم الإغلاق.. اخرج اخرج.

يخرج الفأر ويسقط الحاج فَهُّوم هائما باكيا لا يسعه المكان، تندلع موسيقى مرعبة، يتملكه الفزع، يخطو في اتجاهات مختلفة، ثم يفر خارجا.