مواضيع للحوار

مسرحية هزلية تستعرض وضع المرأة الفرنسية عبر أربعة أجيال

مسرحية هزلية تستعرض وضع المرأة الفرنسية عبر أربعة أجيال

900 مشاهدة

 مسرحية هزلية تستعرض وضع المرأة الفرنسية عبر أربعة أجيال

أبو بكر العيادي

المصدر: موقع الخشبة

في الأثناء تتولى سيمون الحراسة” مسرحية تتناول تطور وضع المرأة الفرنسية منذ خمسينات القرن الماضي إلى الآن، بأسلوب هزلي يجمع بين الكوميديا والاستعراض الغنائي.

في الأثناء تتولى سيمون الحراسة” عنوان لمسرحية فرنسية تعرض حاليا على مسرح “الباستيل” الباريسي، ويقوم العنوان في لغته الأصلية، أي الفرنسية، على ما يسميه النحويون جِناسا لفظيا، أي تشابه لفظين مع اختلافهما في المعنى.

فلفظة veille فعل مصرّف يعني هنا تحرس أو تسهر على.. واللفظ الثاني Veil يحيل إلى سيمون فاي (1927-2017) وهي كاتبة ودبلوماسية فرنسية من أصول يهودية، كانت أول رئيسة للبرلمان الأوروبي من 1979 إلى 1982، وتولّت بعدها حقائب وزارية في حكومة إدوار بالادور، ثم انتخبت عام 2008 عضوا في الأكاديمية الفرنسية.

 ولكن اسمها ظل مقترنا بالقانون الذي أصدرته عام 1974، ولا يزال يحمل اسمها، عندما عينت على رأس وزارة الصحة في عهد الرئيس الأسبق جيسكار ديستان، وهو قانون يمنح المرأة الفرنسية لأول مرة حقها في الإجهاض، أو ما عرف بالإيقاف العَمد للحَمل، فصارت منذ ذلك التاريخ أيقونة الصراع ضد الميز تجاه النساء.

 وكأن سيمون فاي، بفضل قانونها، تحرس النساء من تجاوزات الرجال، وتحميهنّ من الميز الذي كنّ يلقينه، وقد وقع الاختيار عليها لأنها، “هي التي جعلت من المرأة شخصا”، كما تقول ترينيداد، التي لا تعرف سوى باسم ترينيداد وهي مؤلفة وممثلة درست علم النفس قبل أن تتجه إلى المسرح، فبدأت بعرض اسكتشات من تألفيها في الكباريهات والفضاءات الثقافية، ثم قدّمت في المسارح الصغرى أعمالها الأولى مثل “كرما اللعينة” و”أنا وبولينغ” و”ارقصي مع الفرجة” و”تحوّل اللقلق”. كما عملت أيضا في تلك الفترة معلقة ساخرة بإذاعة فرنسا الدولية “فرانس أنتر” من 2003 إلى 2011 في برنامجها الصباحي “مهرج الملك”.

و”في الأثناء تتولى سيمون الحراسة” مسرحية تروي بأسلوب فكه تطور وضعية المرأة في فرنسا منذ خمسينات القرن الماضي إلى الآن، عبر مشاهد من الحياة اليومية يتخللها الغناء والرقص والباروديا (المحاكاة الساخرة)، دون نبرة نضالية عدوانية ضدّ الرجال، للتذكير بالمراحل التي مرت بها المرأة الفرنسية قبل تحررها وحصولها على حقوقها كاملة، لا سيما بعد ثورة مايو 68، التي رفعت شعار “يُمنَعُ المَنْع″.

“في الأثناء تتولى سيمون الحراسة” مسرحية تروي بأسلوب فكه تطور وضعية المرأة في فرنسا، دون نبرة نضالية عدوانية ضد الرجال

أربع نساء على الخشبة هنّ هيلين سير، وماري مونتويا، ونتالي بورتال، وترينيداد طبعا يتولين إلى جانب التمثيل تأدية أغان من وضع ترينيداد وألحان بونبون، وجعل المشاهد نابضة بالفن والرقص والمواقف الضاحكة والحذر ممّا قد يجيء به المستقبل، على امتداد ساعة وربع الساعة.

والغاية، وإن بدت في ظاهرها تسلية الجمهور، هي في الحقيقة ملتحمة بالواقع، تذكّر الجيل الحاضر من الفتيات ببعض ما كانت تلقاه المرأة من ضيم وغبن قبل أن تكتسب حرية قرارها وحرية جسدها، دون الوقوع في خطاب الحركات النسائية.

ومن ورائهنّ تتوالى أربعة أجيال من النساء في هذه الرحلة، رحلة إلى زمن يمتد من النضال لأجل التمتع بحق الإجهاض إلى الإنجاب بمساعدة طبية، تنهض فيه شخصية سيمون التي تتولى الحراسة للتذكير بالمحطات المهمة، بدءا بمعركة المساواة بين المرأة والرجل، وهي معركة لم تتحقّق تماما حتى الآن في شتى مجالات الحياة، لا في الوظيف، ولا في الرتب، ولا في الأجر، ولا في الجوائز الأدبية، إذ لا يتعدى عدد الفائزات بجائزة غونكور على مدى قرن وأربع عشرة سنة اثنتي عشرة كاتبة.

تقول ترينيداد إن الفكرة تولدت لديها عقب قضية دومنيك ستروس كان، المدير الأسبق لصندوق النقد الدولي، وما تلاها من غمز لمكانة المرأة المغتصبة، وكأن مركزها الاجتماعي المتواضع كخادمة زنجية بنزل لا يسمح لها بالدفاع عن شرفها، وإنها أرادت أن تحوّل الغضب الذي استبد بها حينها حول احتقار المرأة كإنسان إلى عمل إيجابي، تطرح من خلاله المسألة التالية: بعد قرون من صراع النساء لأجل انعتاقهنّ وحريتهنّ، ماذا بوسعنا أن نفعل اليوم؟ هل نعود إلى الوراء، أم نقرر أخيرا أن نتقدّم معا، رجالا ونساء؟

وتقول أيضا إن كل النساء اللاتي عرضت حكاياتهنّ في مسرحيتها، عرفتهنّ عن قرب، وكل جيل منهنّ، على غرار مارسيل إحدى بطلات المسرحية، كان يعقد الأمل في أن يحظى الجيل الموالي بمصير أفضل.

ومارسيل كانت زوجة سكير، يُحبّلها كل عام، ولم تكن تملك حيلة لفراقه لأنه عائلها الوحيد، ومن ثم رضيت بما كتب لها خاضعة خانعة، ولكنها كانت تحمل بين جوانحها أمنية، وهو ألاّ تلقى ابنتها المصير نفسه، وأن تنشأ على حب المعرفة، وتتخرج مُدرّسة، فليست كل النساء طيبات، ولكن نمط حياتهنّ الخالي من متع الحياة، على اختلاف أوضاعهنّ، هو الذي دفعها إلى تخير تلك الشخصيات.