مواضيع للحوار

مسلسل  حارس القدس  شريط دعائي الناقد أنور محمد

مسلسل حارس القدس شريط دعائي الناقد أنور محمد

601 مشاهدة

 مسلسل  حارس القدس  شريط دعائي الناقد أنور محمد

ضفة ثالثة: 28 / 5 / 2020

#أنور _محمد _ناقد _مسرحي _سوري

 

هنا/الآن

#المطران كبوجي ألبسَ فلسطين رداءها النضالي بصفته رداء قداسة

من إنتاج المؤسَّسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي في سورية، ومن تأليف وسيناريو الكاتب حسن م يوسف وإخراج باسل الخطيب واستشارة تاريخية ودينية الأب إلياس زحلاوي، وتمثيل: رشيد عساف بدور المطران كبوجي، صباح الجزائري بدور مساعدة المطران، ربيع جان بدور المطران في طفولته، سامية الجزائري، أمل عرفة، بسام دكاك، إيهاب شعبان، ترف التقي، ليا مباردي، آمال سعد الدين، سليم صبري وآخرين، عُرَضَ مُسلسل "حارس القدس" عن حياة المطران هيلاريون كبوجي (1922- 2017) خلال أيام شهر رمضان على عددٍ من الفضائيات. وهو رجل الدين المسيحي السوري الفلسطيني الذي صار مطرانًا لكنيسة الروم الكاثوليك في القدس عام 1965، واعتقلته سلطات الاحتلال في آب/أغسطس 1974 أثناء محاولته تهريب أسلحة للمقاومة، وحكمت عليه محكمة عسكرية بالسجن 12 عامًا، وأفرج عنه بعد 4 سنوات جرّاء تدخّل الفاتيكان، فَأُبْعِدَ عن فلسطين في تشرين الثاني/نوفمبر 1978 إلى روما، وتضامن مع حملات رفع الحصار عن قطاع غزة وشارك في أسطول الحرية عام 2009 لنقل المساعدات الغذائية للقطاع، وكان أيضًا على متن سفينة مرمرة التركية التي انطلقت لكسر الحصار عن القطاع في عام 2010 وهاجمتها القوات الإسرائيلية.

تبدأ أوَّل صور المسلسل من ثلاثينيات القرن الماضي زمن الاحتلال الفرنسي لسورية حيث اعتقل في حلب وهو ابن العاشرة وعُذِّب، وتنتهي قُبَيْلَ رحيله في روما عام 2016. وبين هذين الزمنين ربَّما لم يكن في ذهن المطران هيلاريون كبوجي أنَّه كان يُوَسِّط الديني لإنتاج السياسي. فالسياسة وليس الدين لوحده هي ما دفعته لتأسيس المُقدَّس هنا (الوطني). ففي نضاله ضدَّ الاحتلال الإسرائيلي فلسطين هي المقدَّس، والدين كان الإسلام، أو المسيحية كما في حالة المطران، هو وسيط، كونه مُعتقدًا كان يعيشه المطران تضافرَ مع السياسي. وهذه لم يمر عليها السيناريو ولا الحوار، وهي نقطة أو مفصل جوهري في سيرورة نضال الرجل الذي دفع أربع سنوات سجن في زنازين الدولة الصهيونية.

إنتاج المُقدَّس في الدراما (فلسطين)، والموقف الصلب والعنيف والقاسي للمطران، وتضافر الرأي العام العربي والعالمي معه ضدَّ إسرائيل، هو الجوهر الذي من المُفترض أن يتأسَّس عليه الصراع. لقد مرَّ السيناريست والمُخرج عليه سريعًا، وجاء تقريريًا مباشرًا في مقاطعه البصرية والصوتية. في أعمال سابقة لباسل الخطيب، مثل مسلسلي "هولاكو" و"ناصر" على سبيل المثال؛ ثمَّة رؤية بصرية أخذت مساحات من الصراع. في "حارس القدس" كُنَّا مع إقحامات وانقطاعات وتكرارات لا أهداف لها سوى تمرير الزمن ومطِّه. لا تعاقبات ولا تزامنات بين فعلٍ وفعل، ولا سببية/أسباب تشدُّ ما بين صورتين؛ مشهدين؛ حدثين خاصة في كثير من مشاهد الحلقات 1 و2 و3 و4 و5 التي كان كاتب السيناريو حسن م يوسف كما المُخرج باسل الخطيب يُهيئان فيها المطران ليلعب دوره/ أدواره المستقبلية. هناك مُتخيَّل كما هناك واقعي، وهناك ذات كما هناك موضوع. فالمطران كبوجي يُفترض أن ينتقل مِنْ إلى.. فهو يرى- رؤيته السياسية الشخصية، وهي رؤيا أكثر شجاعة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي- المطران يسرد، والسرد فيه صدق، أو هو صادق فيما يُروى عنه. لكنَّه بدا في مشاهد عديدة سردا مُصطنعًا هو أقرب إلى القص، فتوقَّفت الحركة، توقَّف الفعل، لم يعد الفعل في ديمومة؛ فتشعر أنَّ الممثِّل كان رشيد عساف الذي كان يقلِّد- لم يُمثِّل ولم يتقمَّص؛ بالتالي لم (يلعب) مثل لاعب الكرة بيليه أو مثل رسَّام كفان غوغ؛ وأنَّه كان يتصنَّع انفعالاته النفسية والعاطفية رغم جديته واحترامه لدوره. ثمَّة خلل في السيناريو الذي قاد المخرج إلى هذه الصورة التي أرادت أن تكون تجييشية ولم تكن، وثورية تعبوية ولم تكن، وعضوية من حركة ولم تكن. فنحن ندخل في صورة ثمَّ نخرج إلى صورة كل ما يطرأ عليها من تغيُّر هو الحوار وليس الحركة. أظن أنّ المشكلة هي في السيناريو؛ إذ لا أحداث مُرتقبة ولا مُندغمة، إمَّا لأنَّنا نعرف كجيل نضال هذا الرجل ومجابهته البطولية لآلة البطش الصهيونية، أو لأنَّ السرعة في صناعة المسلسل من كتابته إلى إخراجه حوَّله إلى شريط دعائي، لا إلى شريط درامي؛ تلفزيوني، سينمائي. الكاميرا أو آلة التصوير (تُفكِّر) وتزاوج في العادة ما بين الرؤية الذاتية والرؤية الموضوعية. حارس القدس رجلٌ من تأثُّر وانفعال، من صورة/ حركة تعبيرية إلى صورة الواقعية الصادمة؛ رجلٌ يمسك أعصابه، يمسكها ثمَّ يرخيها ليخترق في المُشاهِد راهنيته في الزمان والمكان، فالفكر عنده في حالة صراع مع الآخر/ العدو، فليس هناك إمَّا وإمَّا. هذا يحدث في مسلسلات محشوة بتوابل وخرافات البيئة الشامية والجريمة البوليسية وغيرها من المسلسلات التي شاهدناها في هذا الموسم. أنا أستغرب في هذا المسلسل على أهميته السياسية أنَّ الصورة ذهبت إلى التحقيق/ الريبورتاج بدل أن تذهب إلى صورة الحقيقة وصورة المُعاش. فالمطران كبوجي شخصية حقيقية، كما أنَّه يدافع عن قضية حقيقية (قضية فلسطين وشعبها) وتأذَّى جسديًا وروحيًا بسببها من المحتل الإسرائيلي. وهو كما تتبعنا سيرته وعايشناها لم يكن يسعى إلى تعظيمه من الناحيتين الدينية والاجتماعية، وقد تجنَّب أن يكون أسطورة. لكنَّه كشخص على مكانته وموقعه، وقفَ موقفًا بدا أسطوريًا ضدَّ الصهيونية الإسرائيلية.

"لا نريد أن نخسر (الفكر) في مثل هذه الأعمال الدرامية؛ ما يعطي للدراما عمقها الأخلاقي وجمالياتها السياسية والاجتماعية"

هو واقعي، قوَّة واقعية وليس تخيلية. المطران كبوجي كان منتميًا إلى شعبه وأمَّته. صحيح أنَّ خطابه السياسي كان مباشرًا وحرًا، وفاعلًا في الحياة العربية والدولية، لكنَّه حين يصير دراما للتلفزيون أو للسينما، فإنَّه لا يكون مباشرًا ولا حرًا وآليًا. باسل الخطيب ربَّما قد ذهب إلى تحقيق صدمة فكرية، لكنَّه بمراكمته الميكانيكية لتدرُّج الأحداث والحكايات حول شخصِ مثل المطران كبوجي ذهبَ بالصدمة وترك الفكر ساكنًا. فالفكر لم يأخذ شكلًا صراعيًا. بقينا نتتبَّع حكاية بطل ولكن بمبالغة. وكما ذكرنا؛ المطران هيلاريون كبوجي لم يكن يسعى إلى البطولة، هي جاءته من مواقفه الأخلاقية تجاه القضية الفلسطينية وليس لأنَّه يريد أن يكون مُحارب "الساموراي". لا ألغاز في حياته؛ شخصٌ من عامَّة الناس، لكنَّ قلبه عامرٌ بـ(الإيمان) بالرب وبالإنسان والوطن. هذا الإيمان- هنا المسيحي خلع عليه تعاليًا وسموًّا ارتفع به عن باقي الناس- إيمانٌ وليس قناع إيمان، وصار ينجز به حراكًا اجتماعيًا يقترب ويقرِّب الإنسان عقلًا وواقعًا وتاريخًا من ربِّه ووطنه.

هو هنا يعيد بناء ما هو تاريخي ضمن وخارج حدود النص ليس بقصد الحضور والهيمنة. فالرجل كان يجتهد في إيمانه وهو ما يتفق مع إجماع الناس على أنَّ إسرائيل كيانٌ مُغتصب لأرض فلسطين تجب محاربتها. ما يعني أنَّ آلية التفكير عند المطران كبوجي ليست آلية نقل تهيمن وتسيطر على الثقافة، فالنقل لا يعرف ولا يجيد التفكير- والمطران كبوجي لم يتخفَّ، ولم يلبس رداء السياسة، ولا هو استغلَّ حضور القداسة بصفته رجل دين مسيحي. بل إنَّه ألبسَ الوطن؛ ألبسَ فلسطين رداءها النضالي بصفته رداء قداسة وبصفته الرمزية. هو قهرَ وبالتسلسل مكونات اللحظة النضالية من ماضٍ وراهنٍ ليُعطي نضاله، أو يُنشئ له صيرورته المستقبلية. هو كان يفكٍّر، ويتغيَّر. في السيناريو، أو في الصورة التي جاءت في "حارس القدس" لم يكن يتغيَّر، كنتَ تظنه أحيانًا شخصًا آخر لم يتغيَّر ولم تتطوَّر علامات الفكر عنده- ربَّما في الحلقات 19 و20 و21 أعاد باسل الخطيب للصورة بعض مكوناتها مراعيًا التواتر الزمني وتعاقب لحظاته التراجيدية، وبمنطق عقلي، لكنَّه سرعان ما يفلت من بين يديه في الصور التالية.

لا نريد أن نخسر (الفكر) في مثل هذه الأعمال الدرامية- ثمَّة فكرة؛ أفكار تتحرَّك بصفتها صورًا إشكالية؛ ما يعطي للدراما عمقها الأخلاقي وجمالياتها السياسية والاجتماعية. لا يهم التسلسل التاريخي لنمو الأحداث (المأساة والملهاة) كما جاء في حلقات البداية. نريد ثغرة؛ ثغرات. ومن ثمَّ تواترات، وصدمات ليس للقدر دورٌ فيها، لأنَّنا في مثل هذه التواترات حين يتدخل القدر لا يمكننا عقلنتها، وهنا ستخسر الدراما كثيرًا من جمالياتها الفكرية. فالصورة خاصة في الدراما التلفزيونية والسينمائية ليست صورة جسد المطران كبوجي أو عمر المختار. هي صورة نهجٍ فكري ذي مساراتٍ سردية سياسية، ثمَّة بطل، وثمَّة شعب يُقاومُ مُحتلًا غاصبًا وعلى السيناريست والمُخرج أن يُبرزا صورة التفاعل الإنساني ما بين الصورة باعتبارها مشهدًا فكريًا وما بين المُشاهِد/ المُتفرِّج.