مواضيع للحوار

مشاركة الباحثة الاجتماعية مها عدي في مبادرة إضاءات في المسرح

مشاركة الباحثة الاجتماعية مها عدي في مبادرة إضاءات في المسرح

545 مشاهدة

Théâtre Régional de Sidi belabbes

نطلّ عليكم اليوم ، عبر نافذة " إضاءات في المسرح " وفي الموضوع الرابع ، مع مشاركة متجدّدة من أرض سوريا العتيقة ، أنّى نلامس ضمن هته التجربة التي أضاءت أبعادها السيدة " مها عدي" حول أهمية المسرح بحياة الطفل، أهمّ ما حقّقه المسرح في عالم الطفل بخاصة السوريّ منه في ظل الأزمة آنذاك التي عرفت الكثير من المعوّقات، وأثّرت كثيرا على الطفل الذي وجد نفسه في عالم لا يشبهه بتاتا، عالم محكوم بكثير من التشوّه والضرر الروحي أكثر منه الجسديّ، فكان الخلاص المسرح بكيميائه الساحرة وأبعاده الهادفة ... فلنشارك جميعا هته التجربة لنقف عند ما حققته " مها عدي" إلى جانب كثير ممّن انتهجوا ذات السبيل خدمة للطفل وإعادة الثقة بنفسه .

مشاركة الباحثة الاجتماعية مها عدي في مبادرة إضاءات في المسرح

أهمية المسرح بحيـاة الطفل

مها عدي / خريجة كلية دعوة وإرشاد

• حاصلة على شهادة في الدعم النفسي الاجتماعي وقت الأزمات مستشارة تغذية طبيعية أم وطفل

• مدربة تخطيط شخصي ادارة شركات ومشاريع

• بلدي سوريا نشأت في دمشق أقيم حاليا في محافظة حماه

قبل طرحي مادتي أود شكر السيدة الباحثة عباسية مدوني لطرحها موضوع مسرح الطفل وخصوصية المصطلح عبر منصة " إضاءات في المسرح " للمسرح الجهوي سيدي بلعباس.....

في بداية عام 2014 م تأسس فريق من المتطوعين بالعمل الإنساني المختص بالدعم النفسي الاجتماعي وقت الأزمات في محافظة حماه وكانت الخطوة الأولى للتعامل مع افراد المجتمع المتضرر وقت الأزمة، وكان يهدف إلى ملامسة الفئات المتضررة الأهم وهم الأطفال، لقد خضعنا لتدريب مكثف ودقيق بالدعم النفسي الاجتماعي، لاستهداف الأشخاص الذين عانوا من التشرد والتهجير من منازلهم ضمن المحافظات السورية.

 

وبعد انتهائنا من التدريب توجهنا الى مراكز الإيواء التي قد جمعت الوافدين من جميع المحافظات السورية وكانت الفئة المتضررة الأكثر بروزا هم الأطفال والنساء وقد لاحظنا خلال زياراتنا وقيامنا بنشاطات الدعم النفسي مدى تأثر الأطفال بالأزمة، وتعرضهم لأنواع مختلفة من العنف والاضطهاد فأصبحنا نبتكر وسائلا للتقرب من هؤلاء الأطفال الذين قد عانوا الكثير جراء النزوح والتشرد والفقدان.

في بداية الأمر قمنا باستخدام وسائل بدائية كأقلام التلوين ودفاتر الرسم للتقرب من الأطفال ومعرفة بعض مشكلاتهم النفسية وبعد ذلك أخذنا نتجه باتجاه آخر نحو تصحيح وتقييم التربية والأخلاق التي تدهورت كثيرا جراء الأزمة التي قد عاشها الطفل السوريّ وكنا في مرحلة لتطوير أساليب أخرى للتقرب أكثر من الطفل للمساعدة الفعالة بتصحيح المشكلات التربوية والأخلاقية والنفسية المتدهورة، تم الوقوف عند الطفل جاء في المرتبة الأولى ضمن درجة التضرر، تأتي النساء في المرتبة الثانية، وبعد ذلك الرجال.

كما بدأ يظهر في مجتمعنا عمالة الأطفال والانحلال الخلقي والتحرش والتعنيف الجسدي واللفظي بحق الأطفال القاطنين داخل مراكز الإيواء، اضافة لحرمان الطفل من حقوقه في التعلم وحق الحياة السليمة، أما النساء فقد عانين من حرمان حقوقهن في التعلم وظهور الزواج المبكر والاستغلال الجسدي الجنسي والتعرض للتعنيف بشتّى أشكاله، وأكثر ما كان يؤلمني هو عمالة الأطفال مع فقدان رب الأسرة الذي هو السند والمعيل، إذ كانت معظم العائلات الوافدة تعاني من فقدان المعيل.

تلكم الفئة قد أقامت بمراكز الإيواء متمثلة بأماكن قد قدمتها الحكومة لهؤلاء الأشخاص ممن فقدوا مساكنهم وهجّروا، مراكز الإيواء تلكم كانت عبارة عن مدارس وتجمعات سكنية، وهنا جاء دورنا بالتقرب من هذه الأسر مع المحاولة جاهدين لإيجاد الحلول المناسبة تصحيحا لمسار التربية الأخلاقية والنفسية والجسدية لكل فرد، مثل الحلول الخاصة بمشكلة العمالة والبطالة والزواج المبكر وتقديم المساعدات الغذائية بمساعدة الجمعيات الخيرية والمؤسسات الإنسانية داخل القطر، كما كانت المساعدة المقدمة للطفل بأساليب بدائية كاستخدام الرسم والأقلام والألوان لمعرفة مكنونات الطفل الداخلية وبعد ذلك قمنا بتطوير أساليبنا، مستخدمين في ذلك العروض الكرتونية لتقويم أخلاقيات وسلوك هذه الفئة، وبعد مدة من الزمن قمنا بابتكار المسرح.

إذ في البداية، اقتصر الأمر على أشخاص يحفظون نصوصا دقيقة تربوية هادفة ويرتدون الأزياء التنكرية ويقومون بالتمثيل أمام لوح كبير مسدل عليه قماش ملون وبقينا على ذلك مدة زمنية تتراوح الأربعة اشهر، نستخدم فيها جميع الأساليب السابقة .

عند استعمالنا المسرح بدأ الاختلاف الكبير التربوي والنفسي بالظهور على الأطفال فقد لاحظنا تقمص الأطفال أدوار الممثلين، وقد تأثروا بأقوالهم وأفعالهم وتوجيهاتهم بشكل غير متوقع وقد طال تأثير التمثيل لدى الأهل ( النساء والرجال )، بعد القيام بجلسات حوارية ونقاشية معهم بعد كل عرض مسرحي هادف، وبعد هذا النجاح والتقدم مع الأهالي قررنا صناعة مسرح الدمى للتقرب أكثر من الأطفال للكشف عن قضايا أعمق تم ملاحظتها ولم نستطيع كشفها ومعالجتها، فقمنا بصناعة مسرح الدمى من أدوات بسيطة من الكرتون والقماش والأوراق الملونة، ودمى صغيرة مصنوعة من القماش والأزرار والصوف، حينها كانت النتائج غير متوقعة والنجاح بتحقيق أهدافنا بشكل سريع، وازدادت درجات التقرب من الأطفال، فكان الأمر مبهرا وفاعلا وفعّالا، وتمّ الكشف عن مكنونات الطفل وما يعانيه واستطعنا الوصول للمشكلات العميقة كالعنف والتحرش والاغتصاب الجسدي، واستطعنا تقديم المساعدات الفورية، وإيجاد الحلول لتلكم المشكلات، وذلك تمّ بمساعدة حقوقيين وناشطين نفسيين وأطباء.

لقد كان مسرح الدمى نقلة نوعية لقد هيّأ المسرح عالما آمنا للطفل، جعله يتكلم بحرية وأمان دون عقدة خوف ممّا يعانيه، وكانت الدمية الصغيرة النافذة الآمنة والخلاص لطموحاته وأحلامه ومعاناته النفسية والجسدية، دمية صغيرة استطعنا من خلالها الوصول لمشكلاته العميقة، فحتى وإن كانت الوسائل السابقة ناجحة ولكنها لم تكن على قدر درجات نجاح دمية نحركها بأيدينا، حيث استطاعت هذه الدمية أن تزرع ابتسامة قد عجز الآخرون على زراعتها، إذ استطاعت دمية أن تهيئ مساحة آمنة لطفل بحاجة للاحتواء والاحتضان، وعالم الدمية واكب عقل طفل صغير من خلاله تمّ احتضان أحلامه، مرافقة أفكاره وكشف مشكلاته، حتى بدأ الطفل يطالب بالتعبير عن أفكاره جهرا وصناعة دمى خاصة به من جميع المواد المتوفرة لديه، حتى أصبح لكل طفل دمية شبيهة بدمية المسرح.

وبعد ذلك اتجهنا نحو فتح نافذة التمثيل للأطفال على المسرح وقاموا بتقديم مسرحيات خاصة بهم راقصة وهادفة واجتماعية وأخلاقية و تربوية، أمام جمهور كبير وكان العرض الأول في المحافظة للأطفال الوافدين القاطنين في مراكز الإيواء، وقد حضر عروضهم جميع افراد المجتمع واستطعنا دمجهم ببيئتهم الجديدة وتحقيق مجال للتآلف مع الآخرين، فصعود أطفال على خشبة المسرح ممّن عانوا من التهجير والحرمان جراء الأزمة السورية كانت نقلة نوعية ثقافية توعوية في ظل الظروف الراهنة، لقد كانت فرحة الأطفال لا توصف، إذ استطاعوا التعبير عن انفسهم بكل ثقة وصدق عما كابدوه وعن أحلامهم وأهدافهم وهواياتهم الصغيرة، لم نكن على دراية بهذا النجاح العظيم الذي سوف نحققه بمجرد استخدام دمى صغيرة ومسرح بسيط، لا يمكن لأي كان إدراك وملامسة ومعايشة أهمية المسرح ودوره الفاعل على أكثر من صعيد حتى يلج عالمه السحري، يجرّب ويعيش تلكم التجارب، فما بالك مع فئة من الأطفال في ظل أزمات الحروب والتشرد والحرمان، والعمالة والاضطهاد لمختلف أشكاله وألوانه.

صدقا ، لم نكن نتوقع نجاح الأمر بهذه السرعة وتحقيق نتائج مبهرة وبناءة ، ممكن أننا متأخرون باهتماماتنا المسرحية بما لا يواكب باقي الشعوب الغربية من تقدم ولكننا نستطيع أن نحاول أن نتقدم ونستفيد من تجارب الآخرين بحقل الفن الرابع، مع محاولة التقدم بخطوات جديدة وجادّة تأتي مواكبة للحضارات المتقدمة.

أتمنى أن نسهم ونحقق النجاح في ابتكار مفاهيم جديدة بناءة تخدم الفكر العربي تجاه المسرح وتحديد انطلاقة جديدة للمسرح العربي لخاصة في مجال مسرح الطفل لما له من أهمية كبيرة ملموسة في ظل الأزمة الراهنة في بلدي سوريا وبلاد العالم تحت نير أزمة كورونا، كما أتمنى فعلا أن نسخّر هذا المسرح في الظرف الراهن وفي ظل الأزمة الحالية بشكل هادف وفاعل، مع تكاثف شتى الجهود والاجتهادات، بخاصة مسرح الطفل والذي له القدرة على الابداع والابتكار والنجاح إذا ما أحسنّا توجيهه ومتابعته، مع تحقيق سبل متجدّدة لتوعية هذا الطفل في هكذا أزمات، بشكل مبسّط وهادف يمكنّه من استيعاب خطورة الوضع وأن ما يعانيه العالم حاليا حقيقة وليس مجرد وهم.

• من هته المنصة الفاعلة ( إضاءات في المسرح ) للمسرح الجهوي سيدي بلعباس، أتمنى فعلا معرفة آراء الآخرين بتجربتي الشخصية ومنظورهم لهذه التجربة ؟

هل بالإمكان أن تفتح أفقا جديدة لمسرح الطفل؟

وهل في منظور الآخرين استطعنا

نحن الداعمون ان نحقق شيئا ؟

هل بإمكان المجتمع العربي النهوض بالمسرح واللحاق بركب المجتمعات الغربية ؟

فقد استطعت بتجربتي الخاصة والمتواضعة الشعور بأهمية المسرح متأملة من أبنائنا استغلاله خدمة لأهداف سامية تربوية وخلقية ثقافية حضارية قادرة على مواكبة الآخر ......