مواضيع للحوار

مقاومة العداء الوجودي والعلاج بالفن  في المتن التشكيلي  هاشم حنون أنموذجا

مقاومة العداء الوجودي والعلاج بالفن في المتن التشكيلي هاشم حنون أنموذجا

579 مشاهدة

مقاومة العداء الوجودي والعلاج بالفن  في المتن التشكيلي

هاشم حنون أنموذجا

الدكتور #جبار _خماط _حسن

مثل شخصية تراجيدية تسعى لإيجاد خلاصها من أزمة وجودية، أحداث قيدت من إرادة الحياة لديه، تفاعل معها بالإرادة الإيجابية رغم تطورها نحو مصير مجهول، ما تحتاجه تلك الشخصية التراجيدية هو التحول من الجهل المقيد إلى المعلوم الحر الذي نسميه ((الحرية )) وسط فضاء مقيد ! هكذا يدعو الفنان المبدع "#هاشم حنون"، شخصياته المعاشة في أحداث تراجيدية مثل الحروب والموت، وما يمكن لها أن تترك عالما أفقيا لا حياة فيه، نجده في سردية اللون الأحادي الذي يغزو اللوحة وكأنه سجن ضيق من دون خلاص، تعزز أكثر وانتشر في بغداد / الحرب وانتشار الموتى / الشهداء، وكأنهم قرابين لا تتوقف، مواكب التشييع المستمرة على أرصفة حزينة، اتقن الفنان صنعها في المرحلة الحكائية للتكوين واللون في أنساق تدعوك للمشاركة العاطفية وكأنك تعيش الحدث في الهنا والان، هذا التمسرح اللوني الحكائي نجده في لوحة الشهيد، وكأنها إعلان وتذكير بمشهد الصلب للسيد المسيح الذي اجده معادلا موضوعيا لصلب المدن في زمن الحرب .. اذ رائحة الدخان وأصوات الانفجارات وجثامين الشهداء في خطوط لا تنتهي، انها أزمة الإنسان والتاريخ الذي يدون مأساته، "#هاشم حنون"  يبحث عن خلاصه وقلقه وسط احداث قاهرة، يحاول فك تشابك ازمتها في الوعي والسلوك، في صياغاته الجمالية، حبكة لونية متقنة، بناء تكويني للأحداث، شخصيات من دون ملامح، تعيش توترها الضاغط، جدلية الموت والخلود، واخرى تمثل جدلية الحياة والقهر، ثنائيات يراها الفنان في تيار الحياة ، يشاكسها بمخياله وفكره المتوقد ، تظهر الأزمات في لوحاته وكأنها عين توثق عنف قسوته، نجده صانعا ماهرا  للأشكال المدهشة، تحقق تفاعلا مع المتلقي في لحظة من الشعور والامتزاج الفكري. ما يميز فضاء التشكيل لديه، ان لوحاته هي إنموذج للعلاج بالفن، تتيح تبادلا للأدوار بين المتلقي وتفاصيل اللوحة التكوينية والتعبيرية اللونية، وهو ما ينعكس على المتلقي في تناغم نفسي ومزاجي مستقرا.

اللافت للانتباه  في اشتغال  "#هاشم حنون" التشكيلي، انتمائه للواقع بوصفه كائنا حيا قابل للتحول  بمنطق الضرورة والاحتمال، الضرورة في جدوى التغيير، والاحتمال في القدرة على تحقيقه، بأي شيء ؟

مؤكدا بالفن الجميل الذي يتقنه، في مشغله الذهني المتوقد ينتمي ويلتقط حدثا مركزيا من بين سيولة الاحداث في الواقع، يقوم بتعليقه ذهنيا اولا، وتحويله الى نتاج فني ثانيا، إذ لا يمكن لهذا التحويل ان يتم إلا بوجد خيالا ابداعيا ينقل الواقع من كميته العشوائية إلى كيفه القصدي داخل اللوحة، وكأنها لحظة وعي فارقة من عمر الوجود، لأننا امام انتاج لوحة تعلق على جدار الزمن وخلوده. هذا الزمن بتراجيديته المزمنة، تترك الناس في اغتراب وحيرة ومنسوب ضيق من السعادة، وما الفنون إلا منجز بشري هائل الجودة، عبر عنه الفلاسفة بانه مزيج بين الدين والفلسفة والعلم، الدين بروحانيته، والفلسفة بالفكرة الجديدة الخالدة، والعلم في التوظيف الجديد، هذا الثالوث نجده في لوحاته على نحو علاقات بنائية، وتكوينات عميقة، وبنية لونية متناغمة، تجعل المتلقي في لحظة احتفالية خاصة وكأنه يمارس طقسية التطهير على نحو فردي، وما أحوجنا اليه - التطهير -  في هذا الزمن الملتبس المشوش بالأسباب والغايات التي تفرق ولا تجمع!

ان للفنون طاقتها الإيجابية التي تسمح للكوامن الدفينة السلبية وتفريغها من  الوعي وهو ما يسمح  للمتلقي الانتقال من السلبي إلى الإيجابي، وهي وظيفة علاجية جديدة  لطالما حاول الكثير من الفنانين الوصول إليها، لكنها عصية وبعيدة المنال، باستثناء من امتلك القدرة على صناعة البساطة العميقة التي يحتاجها الناس ويفهمها.

 ان الممكنات الموقفية المدينة / الطرقات بعلاقاتها البشرية من حيث الحزن والفرح، داخل لوحاته تسمح لنا أن نكمل اشاراتها او أصواتها او حركاتها المفقودة أو المتواجدة خارج إطار اللوحة، مما  يحقق أعلى درجات المشاركة  الشعورية والفكرية مع المتلقي.

وكثيرا ما اقول ان الصور موجودة على الطرقات، تكون مادية أو ذهنية، والفنان هو القادر على تحويل الصور إلى أشكال جديدة  قانونها الأول ان  تكون جسرا عاطفيا من الاخر، من حيث الترقب والدهشة وصناعة الصدمة الجمالية التي نجدها في لوحات "#هاشم حنون" وهو ينتقل بنا من  الأحادية اللونية / البصرة إلى الحكائية اللونية / بغداد - الحرب إلى عمان / اغتراب الانتظار إلى كندا / المدينة ذات الحلم اللوني المشع بغنائية مبهجة تحقق المساحة الصديقة مع المتلقي من خلال اللون والتكوين ومقاومة العداء الوجودي.