مواضيع للحوار

من ملامح التجريب .. الإخراج المُبتكر الدكتور سيد علي اسماعيل

من ملامح التجريب .. الإخراج المُبتكر الدكتور سيد علي اسماعيل

649 مشاهدة

من ملامح التجريب .. الإخراج المُبتكر الدكتور سيد علي اسماعيل

 

ضمن " إضاءات في المسرح " للمسرح الجهوي سيدي بلعباس ، يتجدّد اللقاء في العدد التاسع عشر ( 19 ) مع الأستاذ الدكتور " سيد علي إسماعيل " من جمهورية مصر العربية ، حيث يشاركنا في هذا العدد قضية مهمّة لطالما أسالت الحبر الكثير والمتمثلة في التجريب المسرحي والذي يربطه في الأساس بالإخراج المسرحي ، معدّدا مواطن الجدّة والابتكار ، وكيف من مهام أي مخرج مسرحي أن يتجاوز الطرح التقليدي ، مضيئا ضمن ورقته البحثية الموسومة بـ " من ملاح التجريب ... الإخراج المُبْتكر " مسيرة مخرج مسرحي غير تقليديّ ممّن جدّدوا في الفن المسرحيّ ألا وهو " عــزيـز عـيـد " .

الأستاذ الدكتور " سيد علي إسماعيل " ، أستاذ المسرح العربي بقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة حلوان ، وأمين اللجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة في تخصص الدراسات المسرحية بالمجلس الأعلى للجامعات المصرية.

أُعير للعمل في المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت، وفي جامعة الإمارات العربية، وفي جامعة قطر ، كما في جعبته سبعة وثلاثين كتاباً علمياً مسرحياً منشوراً، منها: الرقابة والمسرح المرفوض، تاريخ المسرح في مصر في القرن التاسع عشر، تاريخ المعهد المسرحي بدولة الكويت، توظيف التراث العربي في المسرح المعاصر، محاكمة مسرح يعقوب صنوع، مسيرة المسرح في مصر، مسرح علي الكسار، جهود القباني المسرحية في مصر، وثائق المسرح المصري. له أكثر من ستين بحثاً علمياً محكماً منشوراً، منها: أثر الوثائق في تغيير المفاهيم، نشأة مسرحة المناهج في مصر، قضايا المسرح عند يعقوب لنداو، الإصدارات العربية والمترجمة، المسرح السعودي بين التخصص والخصوصية، خصوصية البحث في العروض المسرحية، وله أكثر من مائة مقالة منشورة في المجلات المسرحية والثقافية العربية، منها: فريق الجيش الكويتي للتمثيل، مسرح رمضان في القرن التاسع عشر، الريادة الحائرة للمسرح العربي بين لبنان والجزائر، فلاح شاكر مسرحي يعيش أسطورة شاعر، الإخراج في المسرح المصري، الظواهر المسرحية في العالم العربي من الفراعنة إلى الحكواتي ، ناهيك عن أكثر من ألف مقالة منشورة في الصحف المصرية والعربية، كما شارك رسمياً في فعاليات وندوات ثلاثة وثلاثين مهرجاناً مسرحياً خارج مصر.

من ملامح التجريب .. الإخراج المُبتكر!!

من معاني التجريب المسرحي، تجاوز ما هو مطروح .. وربما أغلبنا يعلم أن (عزيز عيد 1884 - 1942) هو شيخ المخرجين المسرحيين؛ بوصفه أول مخرج مسرحي يتقلد هذه الوظيفة بصورة حديثة، متجاوزاً الوظيفة القديمة، التي كان يُطلق عليها اسم (المدير الفني)، وهي التسمية الأولى للمخرج المسرحي في بدايات المسرح في البلدان العربية ، وربما أيضاً يظن البعض أن عزيز عيد، كان مخرجاً بدائياً تقليدياً، ولم يكن مجدداً في مهنته وفنه!! وفي هذه المقالة، سنثبت إنه لم يكن مخرجاً تقليدياً، بل كان مخرجاً متطوراً، مارس التحديث والتجريب في مهنة الإخراج، ففي عام 1930 نشرت مجلة (الصباح) إعلاناً مسرحياً هذا نصه: " بدعة مدهشة في حياة المسرح المصري، تقدمها فرقة فاطمة رشدي صديقة الطلبة، ابتداء من الأربعاء 29 يناير سنة 1930 والأيام التالية، على مسرح تياترو حديقة الأزبكية، في رواية (إبراهيم باشا بطل مصر) ، في 15 منظرا على قسمين، تأليف وداد بك عرفي، ترجمة الأستاذ فؤاد سليم ، أحدوثة عجيبة في نوعيها التأليفي والمسرحي، إخراج غير مسبوق ابتكرته عبقرية فنان مصر الأستاذ عزيز عيد".

ولضيق المساحة في هذه المقالة، سنتجاوز عن بعض العبارات الواجب الوقوف عندها وتفسيرها، مثل وصف فاطمة رشدي بأنها صديقة الطلبة، وأن اسم المؤلف وداد عرفي ورغم ذلك المسرحية ترجمها فؤاد سليم، وأن المسرحية أعجوبة في نوعها التأليفي ونوعها المسرحي، ناهيك عن الخطأ المطبعي في الإعلان فكتبت سنة 1920 بدلاً من سنة 1930 .. إلخ، وسنتوقف (فقط) عند العبارة الأخيرة الموجودة في الإعلان، وهي أن الإخراج: "إخراج غير مسبوق ابتكرته عبقرية فنان مصر الأستاذ عزيز عيد"!! وربما يتمنى القارئ الآن أن يكون موجوداً في هذا الزمن ليرى هذه المسرحية، ويشاهد بنفسه هذا الإخراج المبتكر غير المسبوق!! وبالرغم من استحالة تحقيق هذا الآن، إلا أن وصفاً لهذا الإخراج المبتكر وجدته منشوراً في أحد أعداد المجلة نفسها، ونشرته المجلة تحت عنوان (طريقة إخراج)!! وعلى الرغم من أن الطريقة الموصوفة، تُعد من الحلول الإخراجية المنتشرة الآن، والتي تنال إعجاب الجمهور؛ بوصفها أسلوباً إخراجياً حديثاً، أو حلاً من الحلول الإخراجية المعاصرة، إلا أننا (ربما) ندين بالفضل - لهذا الأسلوب أو الحل - إلى عزيز عيد، منفذها الأول في مصر – على ما أظن – وحتى لا أطيل، لن أتدخل بالشرح أو الصياغة في الطريقة المنشورة، بل سأنقلها كما نُشرت من 88 سنة!! وها هي الطريقة، وعنها تقول المجلة: " أشرنا إلى أن الأستاذ عزيز عيد سيتبع طريقة جديدة للإخراج ونذكر اليوم هذه الطريقة التي سيتبعها الأستاذ، وهي أن يستبدل بعض المواقف الكلامية بالمناظر، فينقسم المسرح إلى قسمين في الغرف: القسم الأمامي منظر الرواية، والقسم الذي في المؤخرة ستار من الشاش الأبيض ، فعندما يبدأ الممثل في سرد القصة بالطريقة المعتادة (ديالوج)، يُطفأ النور كله في القسم الأمامي، ويُضاء في قسم المؤخرة، ثم يتسلل الممثل في الظلام إلى وراء ستار الشاش ويمثل الحادثة التي يسردها. حتى إذا انتهى فيها، أُطفئ النور في المؤخرة، وأُضيئ في الأمام، وعاد إلى مكانه".

ومن الواضح أن هذه الطريقة من ابتكار عزيز عيد في مصر، ولا أظن أن أحداً سبقه إليها، وإلا كانت المجلة – وهي متخصصة – أشارت إليه!! ومن الواضح أن هذه الطريقة المبتكرة، اعتمد عليها الفنان فوزي الجزايرلي، عندما تحايل على القانون، وأراد أن يعرض مسرحياته في دار سينما غير مصرح لها بوضح ستارة بين شاشتها وبين الجمهور!! لذلك استغل الجزايرلي ابتكار عزيز عيد، وأضاف إليه من بنات أفكاره ما جعله يبتكر شيئاً جديداً عام 1931، وهذا الشيء أصبح منتشراً في مصر انتشاراً كبيراً، عندما تم - في كثير من العروض - إلغاء غلق الستارة وفتحها مع فواصل المسرحية!! وهذا الأمر شرحته تفصيلياً مجلة (الصباح) عام 1931، قائلة: " كان الأستاذ الجزايرلي يقيم حفلات مسائية في سينما عباس بمدينة الإسكندرية، ولما كانت هذه السينما ليست لها رخصة بالتمثيل من البلدية، وغير مسموح لها بعمل ستار يحجب المسرح عن الجمهور (سباريو)، فإن فوزي اخترع اختراعاً لمداوة هذا النقص، وهو أن يظل المسرح مظلماً كله إلى بدء الفصل الأول من الرواية، وبعد الدقات الثلاث المعروفة يُضاء المسرح وتُطفأ في نفس الوقت الصالة. فإذا انتهى الفصل استعيض عن نزول الستار بإطفاء المسرح ثانية، وإضاءة الصالة في وقت واحد، ثم يتسلل الممثلون إلى الكواليس وهكذا". والجدير بالذكر إن عزيز عيد كان – في هذه الفترة - صاحب ابتكارات وأساليب إخراجية متنوعة، وأنه كان صاحب مدرسة إخراجية، تعلم فيها كثير من المخرجين وأصحاب الفرق!! ففي أواخر سنة 1931 نشرت مجلة (الصباح) أيضاً، خبراً تحت عنوان (الفرقة المصرية للغواة)، قالت فيه: " أقامت الفرقة المصرية للغواة حفلة تمثيلية (سواريه)، مساء يوم الجمعة الماضي. مثلت بها رواية (المغتصبون) تأليف الأديب مصطفي أفندي أحمد، وقد أخرجها على الطريقة الحديثة التي ابتكرها شيخ المخرجين الأستاذ عزيز عيد، فكان التمثيل على المسرح والصالة والبناوير، وقام أعضاء الفرقة بأدوارهم خير قيام، وقوبلت الرواية من جمهور النظارة بعاصفة من التصفيق في كثير من مواقفها". وبنظرة يسيرة إلى هذا الخبر، وما فيه من طريقة إخراج حديثة ابتكرها عزيز عيد، سنعلم أنها طريقة (كسر الحائط الرابع) الشهيرة، التي يتشدق بها كثير من مخرجي مسرح الستينيات بأنهم أول من طبقوها، وأن المخرج الفلاني أو من جاء بها من الغرب، وأن المخرج العلاني هو أول من نفذها في عرض كذا .. إلخ. ولو أمعنا النظر في الخبر بصورة معمقة، سنلاحظ أن عزيز عيد – بوصفه صاحب هذه الطريقة في مصر – جاء بما يفوق المعنى المعروف بكسر الجدار الرابع!! لأن كسر الجدار الرابع – ربما – المقصود به تداخل الممثلين وتبادل أدوارهم في مستويين فقط، أي بين خشبة المسرح والصالة. ولكن طريقة عزيز عيد – ربما – تفوق ذلك لأنها تعني تداخل الممثلين وتبادل أدوارهم في ثلاثة مستويات: الخشبة والصالة والبناوير!! ولا أظن أن عرضاً حدث فيه ذلك التداخل الثلاثي قبل ظهوره على يد عزيز عيد ومدرسته في ثلاثينيات القرن الماضي.