مهرجانات الجزائر

واقع المونودراما بسيدي بلعباس ....

واقع المونودراما بسيدي بلعباس ....

2037 مشاهدة

واقع المونودراما بسيدي بلعباس ....

فنّ لابدّ من إحيائه .. ضرورة تماشيه والواقع المعيش

التفكير الجديّ في ميلاد تظاهرة تعنى بالمونودراما

    

 يعتبر فنّ المونودراما من الفنون المسرحية الرّائدة التي لابدّ من التّأصيل لها مع الإلمام بأسسه وقواعده الفنية ، بخاصة اذا ما كان الفضاء الذي يشغله ممثل واحد وجب أن تتوفر فيه شروط الممثل المحنّك مع خصوبة الموهبة التي تتأقلم والموضوع المقترح في حقل المونولوج أو المونودراما . اذا ما جبنا السّاحة الوطنية ، وأعاد التاريخ نفسه ثمّة العديد من أعلام فنّ المونودراما الذين صنعوا أسمائهم بأحرف من ذهب في زمن اعترف بالموهبة وحواها ، وراح الممثل يفرض نفسه على أكمل وجه ليسافر بالجمهور الى عوالم المونودراما التي كانت مواضيعها مستقاة من الواقع المعيش الحيّ دونما تنميق أو مبالغة لتصل الى قلوب جمهور ذوّاق فقه لغة الخشبة وراح يستمتع بجماليات المونودراما اذا ما لامست واقعه وحاولت في برهة أن تسهم في التئام جراحه ولو فنيا .

مدينة سيدي بلعباس كغيرها من ولايات الوطن لها بصمتها الفنية لاسيّما المسرحية منها بحكم كمّ الجمعيات ، التعاونيات والفرق النّشطة في مجال الفنّ الرّابع ، وبشكل خاصّ المادّة الخامّ من شبابها المولع باللّعبة الرّكحية تأليفا ، تمثيلا ، إخراجا وحتّى في السينوغرافيا والتّوزيع الموسيقي .من بين هؤلاء الشباب الذين خاضوا تجربة مغامرة المونولوج نجد الفنان الموهوب "قندسي بومدين" الذي ترى على محيّاه وتصرّفاته صورة مكتملة لفنان مسرحيّ موهوب ومتمكّن بخاصّة اذا ما كان يرى ومقتنع تماما أن الفنّ الرّابع تأشيرة سفره

الللاّمحدودة نحو عوالم الجمال لمعانقة ستائر الخشبة واللّقاء المباشر مع الجمهور .

من مسرح الطفل الى مسرح الكبار:

بداياته الأولى في مجال المسرح استهلت مع جمعية البيان الثقافية سنوات 1992 ليحتكّبمسرح الطفل مع مسرحية " الأميرة الصّغيرة" أين يرى أن مسرح الطفل  القاعدة الأساس نحو تكوين شخصية الممثل والوقوف عند إمكانياته ومدى تأثيره على الجمهور ،باعتبار الطفل جمهور الغد والعملة الصّعبة في استبيان جمالية كلّ عمل من حيث الرّفض أو القبول دونما تحفيزات ،فمسرح الطفل حسب ما أدلى به يراه بمثابة مدرسة للفنان حتّى يكوّن نفسه مستقبلا ، فمدّة أربع سنوات بالنسبة إليه في حقل مسرح الطفل كانت تجربة كافية في تكوينه ليستعدّ الى خوض مغامرة أخرى ويخطو عتبة أخرى في حقل الفنّ الرّابع مع مسرح الكبار دائما مع جمعية البيان أين سنحت له الفرصة للعمل في عرض " الزّربعة" سنة 1998 -1999 وعرض ثان بعنوان " كفّان السّفينة " سنة 2003 .

بعد تجاربه تلك فكّر جديّا في تكوين فرقة مسرحية حرّة تكون بمثابة قفزة نوعية نحو أعمال مسرحية كان واثقا تمام الثقة من نجاحها بخاصة وأنّ " قندسي بومدين" تتوفر لديه قابلية الكتابة المسرحية .

تأسيس فرقة الحرف التي تتحول الى تعاونية مسرحية :

يؤكّد الفنان " قندسي بومدين" أنّ الفنّان الهاوي حتّى وان تكتب له فرصة خوض غمار الاحترافية ، لا يعدّ ذلك عائقا اذا ما توفّرت فيه قابليّة حبّ المغامرة ، الاكتشاف والتضحية لهدف أسمى لا يمكن استبيان خطوطه بحكم الانجراف نحو تحقيق الذات فنيا .الأمر الذي أسهم في أن يكوّن فرقة مسرحية تحمل اسم فرقة مسرح الحرف عام 2005 أين كان من ثمارها مولود مسرحي بعنوان " لحن الموت" من تأليف وإخراج " قندسي بومدين " وهو عمل مسرحي دراميّ محض عالج آنذاك العشرية السّوداء بأسلوب مسرحيّ هادف ، وبحكم عشقه للمغامرة انتقل من الدراما الى الكوميديا مع تأليف مسرحيّ آخر حمل توقيعه تأليفا وإخراجا بعنوان " الرّهينة" رأى النور سنة 2007 ، ووصل معدّل توزيعه الى أكثر من سبعين (70) بالعديد من المدن الوطنية من مسارح جهوية ، دور الثقافة والعديد من المهرجانات والمؤسسات التربوية .

" الرّهينة" بطابعها الكوميدي الهادف شكلا ومضمونا احتوت على مدّة سبعة دقائق في إحدى لوحاتها على طابع المونودراما ، بخاصّة وأنّ عرض " الرّهينة" هو الآخر كان مستوحى من الواقع المعيش ، من هنا لاح أفق خوض غمار المونودراما التي أمل حقّا " بومدين" أن يكون أيّ عمل مستمدّا من الوقائع الحيّة الآنيّة ليحقّق النّجاح المتمثّل في القبول والتقبّل أين يجب نقل الواقع الى الرّكح بأساليب فنية معروفة لابدّ أن تتوفّر على سلسلة من المقاييس والأسس.

تجربة المونودراما والتحرّر المنشود :

ليحقّق المونولوج غايته الأسمى ويأسر المتفرّج مهما تباينت وجهة تفكيره ومستواه التعليميّ والاجتماعي لابدّ أن يعالج قضايا السّاعة المستمدّة من حياتنا العاديّة ، هذا ما جمع الفنان " محمّد شـوّاط" مع الشاب " قندسي بومدين " في عمل مونودرامي تحت عنوان " حميدة في غبينة" تحت راية فرقة فنّ الخشبة ، العمل المسرحي في حقل المونودراما كان من تأليف وإخراج السيد " محمّد شوّاط" كتب نصّه سنوات 1996 في زمن معيّن حكمته ظروف معيّنة أين ركّز الطاقم الفني في عمله بمن فيهم السينوغراف" زيتوني بومدين" على سيكولوجية الشخصية بخاصة أن مونولوج " حميدة في غبينة" جمع في الشخصيات المتعامل معها ما مجموعه اثنتي عشرة (12) شخصية كان لابدّ على الفنان" بومدين " أن يعمل عليها في تجربته الأولى في حقل المونولوج.

 أين دامت الدراسة الأكاديمية للنصّ في شتىّ أبعاده وزواياه مدّة سبعة ( 07 ) أشهر كاملة أين تمّ البحث في أدقّ التفاصيل لكلّ جهة بخاصّة أنّ المونودراما تتطلب الحضور الذّهني والجسديّ للممثّل بخاصّة الجانب الذّهني في التعامل مع الشخصيات والأحداث التي تجمعها بشكل تسلسلي لا يجب أن تكون فيه قطيعة من أيّ شكل كان .

ناهيك عن التعامل مع الإكسسوار الذي يجمع بين سيميائية الفضاء والشئ ناهيك عن التعامل مع الإضاءة كشخصية قائمة بذاتها .

والنص المكتوب عام 1996  قام المؤلف" شوّاط محمّد " بإضافة بعض اللّمسات عليه سنة 2010 حتّى تتماشى والأحداث والمستجدّات الرّاهنة بخاصّة أن التغيير أمر حاصل على مستوى كلّ الأصعدة .

" حميدة في غبينة" الذي يعالج قضية اجتماعية استقت كلّ وقائعها من لحظة آنية تحكم الفرد حاضرا ومستقبلا مع تسليط الأضواء على الحياة البسيطة لشخص يكافح ليلا نهارا في لملمة فضلات وقاذورات الأفراد ، هذا الشخص الذي لا نعيره أيّة أهمية بحكم قيامنا بعمل آلي جمع القمامة وعرضها بأيّ مكان ، يكون هو الإنسان البسيط الحريص شخصيا على جمعها وتنظيف الأمكنة، التي لم نفقه بعد مصطلح النظافة والتجرّد من لغة القذارة بمن فيها

القذارة النفسية في أعمق دلالتها .

" حميدة في غبينة" أنموذج كل شاب طامح ، حالم حسب مستواه ويومياته ومع ذلك لا ينصفه لا الزّمن ولا المكان أين تتضارب المعادلات في بعضها ليسعى بعدها لفقه النتيجة التي كانت ولا تزال أرقاما متسلسلة مشفّرة في زمن تكالبت فيه المصالح وطغت فيه الأنانية على حساب المشاعر الانسانية النبيلة التي لا مكان لها في عصر كلّه قذارة كمّا ونوعا ، لتكتب على " حميدة" الغبينة حتّى وان سلك طريقا مختصرة نحو تحقيق ذاته ، في مزاد علني نحو تقييم السّلوك .

عن تعامل " بومدين" والنصّ في أوّل تجربة يخوضها في مجال المونودراما أكّد لنا أن النصّّ المكتوبوتركيزه على واقع كلّ دلالة دون تنميق أو هروب من الحقائق كان حافزا إضافيا للمضيّ قدما وتقبّل الفكرة والعمل على تجسيد الشخصيات التي تعتبر حقيقية بحكم حياتنا وتشبّعنا من آمال وآلام الأفراد والجماعات ، وقد تمّ التعامل مع النص بشكل عقلاني أين تقاربت وجهات النّظر .

تجدر الإشارة الى أنّ مونولوج " حميدة في غبينة" قد تمّ رفع السّتار عليه في العرض ما قبل الأوّل على مستوى كلية الهندسة أمام الطّلبة وقد كانت نهاية العرض متبوعة بنقاش مفتوح مع جموع الطلبة أين تمّ التوافق والقبول  ، ليرفع السّتار عن العرض الأوّل على مستوى ركح المسرح الجهويلسيدي بلعباس العام المنصرم ، بعدها كان الحوار متبادلا وتمّ الوقوف عند بعض النّقط  التي تمّ تداركها مع التّركيز على عنصر الحوار المباشر .

مونودراما  " حميدة في غبينة"  حطّت الرّحال بأكثر من ولاية في عدّة مناسبات وتظاهرات فنية أين لقي المونولوج تجاوبا لا نظير له وإقبالا جماهيريا غير متوقّع ، وبحكم اختلاف التقاليد بين الغرب الجزائري وبين الشرق كان التجاوب مميزا وغير منتظر أين كان العرض بمثابة رحلة بدون تأشيرة في عمق العادات والتقاليد المسرحية التي تحكم ولاية سيدي بلعباس التي تعتبر مهدا للفعل المسرحي .

واقع المونولوج منوط بالسياسة الواجب اتّخاذها :

الممثل " قندسي بومدين" يؤكّد أنّحه آن الأوان للتحرّر من عقلية المصلحة الذاتية والمضي قدما نحو التأسيس لجيل المونودراما الذي يعدّ المادّة الخامّ والدّسمة في سبيل تمرير الأهداف بشتّى أبعادها في زمن طغت فيه السّرعة والمعلوماتية التي يجب أن تكون لصالحنا لا ضدّنا ، إذ ثمّة جيل يعنى فعلا بهذا النّوع من المسرح أين يجب الالتفات إليه ومنحه الدّعم المعنويّ والماديّ بالدّرجة الأولى حتى يقدّم عملا مسرحيا في المستوى من شأنه أن يلبّي حاجيات هذا المجتمع الذي سئم التّنميق ويطمح للأجود والأبدع .

مؤلّف ومخرج " حميدة في غبينة" :

يعتبر السيد " شوّاط محمّد" اسما فنيا لامعا كانت له العديد من الأعمال المسرحية الرائدة نذكر منها " الوعـدة" التي تركت ضجّة ولا تزال تؤتي تأثيرها لكلّ من اطّلع على نصّها أو شاهد تركيبتها الدرامية زد على ذلك تتوّفر لديه هو الآخر قابلية التّأليف والمغامرة المسرحية ، ونــص " حميدة في غبينة" كتبه سنة 1996 في ظرف معين وترك أبعاده مفتوحة نحو كلّ زمن ولكلّ قراءة ممكنة ، عن تركيزه على الكتابة في حقل المونودراما أكّد أن هذا النوع من الفن المسرحي ذا جمالية خاصّة ونوعية فريدة بحكم قواعده وأصوله ، بخاصّة التّركيز فيه على تعدّد الشخصيات ومساسها بالواقع المعيش في عمقه من أحلام ، أمان ، آلام وعقبات تختلج بالنّفس الانسانية وتطمح للتحرّر من قيود الضّغوط الاجتماعية والنفسية ، ناهيك عن أنّ المونولوج مناجاة للذّات وحوار مباشر مع الفرد أوّلا ثمّ الجماعة لطرح الفكرة والعمل على تعزيز أسسها .

كما صرّح أنّ اللّقاء مع " قندسي بومدين" لم يأت من العدم بحكم إلمامه بمستوى الفنان وموهبته المسرحية ، زد على ذلك كون " بومدين" فنان مسرحي مخضرم يجمع بين الجيلين بمعنى أنّه في ميزان معادلة الأصالة والمعاصرة ، وهذا قلّ ما نعثر عليه في وقت يتمّ فيه التّرويج لمن لا صلة له بالفن لا من قريب ولا من بعيد .

بالإضافة الى أن السيد " زيتوني بومدين" كان همزة وصل بينا ، وحتّى ان لم نتّفق في أمور الا أن نظرتنا للمجتمع وما يحكمه من ظروف بمحاسنها ومساوئها واحدة ولا مفرّ من ذلك ، فعرض " حميدة في غبينة" كان تشريحا حيّا لواقع ملموس نتعايش معه كلّ لحظة وفي كلّ مكان ، ومع ذلك نغضّ الطرف ليصبح في خبر كان ، فــ" بومدين " يتمتّع بالعديد من الميزات لعلّ  أهمّها النّفس الطويل على الرّكح ، الحضور المميّز على الرّكح وحنكته في التّعامل مع المواقف ومع الجمهور ناهيك عن كونه هو الآخر ممثل وكاتب مسرحي ، واهتماماته ترتكز بالدّرجة الأولى الى طرح المواضيع بأسلوبها الواقعي لجمهور واع بكلّ المستجدّات وملمّ بباطن الأمور .

وفي تعامله مع نص 1996 ونص 2010 لم يجر عليه إلا معالجة دراماثولوجية لتتماشى والوقائع ومستجدّات التكنولوجيا ، وهو راض تمام الرّضى عن العمل ويطمح للأفضل لاسيّما توفير الإمكانيات الماديّة للظّفر بجولة فنية عبر التراب الوطني ، ولما لا إمكانية المشاركة بالمحافل العربية .

وعن واقع المونودراما في الجزائر ، يؤكّد أنّه ثمّة مبادرات شخصية للحفاظ على صمود هذا النوع من الفن المسرحي لاسيّما في اقتصاره على جهود فردية متناثرة هنا وهناك ، كما يؤكّد أنّه ثمّة أعلام في المونولوج قد سبقونا وتركوا بصماتهم خالدة ، وما نحن إلا خير خلف لخير سلف نركّز على أماني وطموحات هذا المجتمع لنقلها على الخشبة وطرحها أمام جمهور هو الحكم النّهائي على جودة أو رداءة أيّ عمل مقدّم .

والشباب الهوّاة في المسرح قد فرضوا أنفسهم بالإبداع والحضور القويّ ، وما استمرارهم في العطاء إلا خير دليل على قناعتهم وإيمانهم بعمق دلاله المسؤولية وما شعار " مسرحنا مسرح شعبي ما عندوا ما يخبّي"  إلا دليل قاطع على التفاني وحبّ المغامرة والمضي قدما حتّى وان أغلقت كلّ الأبواب وأستبدلت المفاتيح تبقى الموهبة مع ضرورة صقلها ودعمها مادياّ ومعنويا ضمان للنجاح وفرض الذّات واستبيان الجودة من الأعمال وإمكانية بلوغها الهدف المنشود.

وسيدي بلعباس مدينة الفنّ والعطاء وثرائها بكمّ الجمعيات والفرق والتعاونيات لابدّ لها من ميلاد تظاهرة تعنى بالمونودراما وتؤسّس لقواعدها وتبرز مواهب أفرادها ، بعيدا عن المصلحة الذاتية والرّكض وراء المادّة التي من الضروري أن تأتي في المقام الثاني بعد رصّ الأسس المتينة لأرضية فنية خصبة ، وآن الأوان للوقوف عند المصطلحات ووضعها في إطارها الأنسب ، كما لابدّ من التوافق بين الأصالة والمعاصرة ضمن نمط فنيّ هادف يفرّق بين الصّالح والطّالح .وعليه ، فانّ فنّ المونودراما بحكم مقاييسه بإمكانه أن يصنع الفارق في مدينة تملك من المواهب والمؤهلات ما يخوّلها للمضيّ قدما والأخذ بزمام الأمور من أساسها المتين .

بقلم : عباسية مدوني –سيدي بلعباس- الجزائر

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية