أخبار أدبية

أحمد شوقي وتجديد الإمارة

أحمد شوقي وتجديد الإمارة

783 مشاهدة

أحمد شوقي وتجديد الإمارة

مجلة الفنون المسرحية

 

بُويعَ "أحمد شوقي" الشركسي ( أو الكردي ) الأب واليوناني الأم أميراً للشعراء عام 1927 وهو ما شكّلَ حافزا" له لإثبات ملكَتهِ الشعرية في تقديم مسرحياتٍ شعريةٍ أغْنت المكتبة العربية بمضامينها وفنيّاتها وأهمها : مصرع كليوباترا (1927) قمبيز (1932) مجنون ليلى (1932) علي بك الكبير... وغيرها

وهي مسرحيات قادَت لشوقي عنان الريادة في هذا الفن الأدبي الجميل والجديد على التاريخ الأدبي عند العرب ، وهي مسرحيات أكثرها اندرج في حيّز المأساة وأقلها لصالح الملهاة كمسرحية " الست هدى "، وهما ركيزتا الفن المسرحي الذي تولّد عن عبقريات الاغريق في عصور ما قبل الميلاد. فالعرب لم يكتبوا المسرحية الشعرية خلال تاريخهم الطويل في نظم الشعر بأنواعه وأشكاله، كما لم يتلمّسوا طريقاً نافذاً الى ترجمة الأعمال المسرحية القديمة اسوةً بالعلوم والفنون الأخرى التي نقلوها الى العربية عن اليونان والهند وفارس، بل عزفوا عنها لأسباب عديدة لا مجال للإبحار في حيثياتها الآن.

وتكمن أهمية شوقي في مسألتين :

الأولى : ريادة نهضوية لهذا الشاعر الفذّ كونه الأول عربيا "في إثراء الأدب العربي بالمسرحية الشعرية الكلاسيكية الوزن والبديعة الصور والاشتقاقات اللغوية والتراكيب المؤتلفة بين اللفظة وأختها والبُنى الفنية  والإيقاع الذي يحاكي إبداعات أبو تمام او المتنبي .

الثانية : انبعاث فكرة الشاعر المتمكّن أو " الفحل" والتي اضمحلت خلال عقود طويلة في التاريخ الادبي ليس آخرها عصرنا هذا اليوم الذي طغَتْ عليه " النسبية الشاملة التي لم تعُدْ تقنعُ أحداً لأنها تؤدي الى الشك القاتل وإلى فوضى القِيَم وإلى الإذعان لمقولة قديمة سقيمة " لا جدال في الذوق " !( رينيه ويليك / مفاهيم نقدية / عالم المعرفة . شباط 1987) .

في المسألة الأولى : نجح شوقي في تقديم نماذج مرِنَة من الانفتاح المتبادل بين الشعر والمسرح وإثبات أن مسْرَحَة الشعر تصلح لربط الجمهور برؤية الكاتب في موضوع ما من خلال الممثل المؤدي ، وكأنَّ شوقي قد تجاوز إشكالية التوأمة (المواءمة / التناسق) بين النص الأدبي (الشعري) والنص التمثيلي (المسرحي) بكافة مقتضياته : الممثلون والخشبة والانوار والديكور ....الخ بدليل أنه تمّ عرض مسرحياته الشعرية على خشبات المسارح المصرية دون أي تعديل ولا تغيير ولو بكلمة واحدة في النص الشعري وصياغته من قبل منتج او مخرج او سيناريست مثلاً. وعلى هذا يتبيّن للباحث أن شوقي قد عَلِمَ وأعدّ وقدّمَ نصهُ المسرحي شعراً ليكون تمثيلياً على الخشبة وليس فقط لمتعة القراءة وتذوّق الشعر .

في المسألة الثانية: استطاعت المسرحية الشعرية الكلاسيكية على أوزان " الخليل" في بداياتها مع أحمد شوقي أن تُخرجَ إمكانات الشاعر الفنية والمعجمية اللغوية والثقافية التراكمية فضلاً عن موهبته الفذة إلى الجمهور الواسع العريض الذي ما زالت لديه الرغبة لهكذا فن أدبي ، وهي رغبة تومئ إلى أن التجديد في الشعر ليس في شكله وقالبه وإنما في تجلياته المندرجة بياناً وبديعاً ومعانيا .لذلك فإن فكرة الشاعر المُتمكُّن في نظم الشعر العامودي او الكلاسيكي على الأقل في بداياته كشاعر لا بدّ منها لإثبات قدرته الأدبية وموهبته والمثابرة في تطويرها لكي لا نقع في " الشك القاتل وفوضى القيَم" التي ذكرها " ويليك" أعلاه .

إنَّ حظوة شوقي بلقب الإمارة على الشعر العربي وأربابه من كبار الشعراء ليس لمجموعاته الشعرية المتعددة الاغراض فحسب ، بل أيضاً لإبداعه الكبير في المسرح الذي  هو أبو الفنون على ما ورد في الأثر .