قصة قصيرة

أوراق قدموسية  رقم 11 محمد عزوز...

أوراق قدموسية رقم 11 محمد عزوز...

1478 مشاهدة

أوراق قدموسية
(11 )
الضبع

يتحدثون عن الضبع في هذه الأيام ؟!!

أثار الأمر استغرابي، فقد غاب هذا النوع من الأحاديث عن الحضور ردحاً طويلاً من الزمن، ولم أعد أسمع بالضبع إلا من خلال برامج الفضائيات التي تعنى بالحيوانات وعالمها .
وأكد المتحدث لي أنهم يرونها على أطراف البلدة في مثل هذه الأيام التي يمعن فيها الشتاء في حضوره، ويكثر الضباب في الزوايا والمنعطفات والوهاد ..
هي تقترب في هذه الأيام الشتائية من البيوت طلباً لطعام شح في الأطراف، يساعدها حسها بندرة حركة الناس في الأزقة .
وحضرت سير الماضي كلها دفعة واحدة، ولم يصدق أولادي حكايتي معها .
الأمر يعود إلى مراحل الدراسة، في البكالوريا ميزت بإعطائي غرفة فائضة في بيت عمي، طينتها أمي ثم طلت جدرانها بطبقة من الكلس رقيقة، ولأني كنت أعرف أن جدرانها هذه ستعود لها ألوان لا علاقة لها بالبياض مع أول المطر والدلف، بدأت بتغطية جدرانها بصور جاد علي بها الأصدقاء، صور فنانين وفنانات عرب وأجانب، وتميزت الغرفة وصار لها شهرتها التي تضاهي شهرة جدران غرفتي الآن التي تتزاحم فيها الكتب بشكل كبير .
وتميزها الآخر كان أن جيراني تكرموا علي بخط كهربائي ، فشع النور الذي حسدني عليه الأهل لأنهم لم ينعموا بعد بمثله .
ولأن للشتاء منغصاته دوماً، فقد انقطع الكهرباء فجأة في يوم كانوني يعج بالضباب والبرد الشديد / ذكرني هذا اليوم به / وكان علي أن أتمم سهرتي بواسطة ضوء الكاز، وقصدت دار الأهل الذي لم يكن يبعد كثيراً كي أحضره، وأول ما هبطت الدرج الحجري، فوجئت بها، عينان تبرقان، وبر متهدل ورائحة كريهة .. وتمتمت دون صوت :
-
 وربي إنها الضبع ..!!
بدأت رجلاي تصطكان، وتذكرت أن علي ألا أبدي خوفي منها، مشيت أمامها وبصري منخطف للخلف، تبعتني بحذر، وكان أن وجدت باب دار الأهل مغلقاً كالعادة، قطعة خشبية تحكم إغلاقه من الداخل .
قرعت بقوة، ولم يفتح أحد، كررت المحاولة دون جدوى، الزقاق مفتوح من جهتها فقط، وقد أقعت في رأسه تتلمظ وتنتظر خيبتي .
لكن قوة الخائف تملكتني، دفعت الباب بكتفي، فاستجاب مرتمياً، وكان أبي خلال دقائق حافي القدمين يستكشف ما أسميته ضبعاً في أحرف التقطها مني وأنا ألهث ..
اختفت الضبع ورائحتها معها، وظنني والدي أهذي من خوف، أو يهيئ لي الأمر نتيجته ..ومات أبي بعد سنين طويلة وهو يتهمني بالخوف تارة وبالشجاعة تارة أخرى كلما تذكر حادثة الضبع الوهم كما يسميها .
ولا يزال الأولاد لا يصدقون روايتي، ويعلنون شكهم بحجة أنها كان من الممكن أن تهاجمني منذ صادفتني، فما يجبرها على السير خلفي بكل ذاك الهدوء .. ولكنهم يستمتعون برواية هذا المشهد لهم وإن تعددت مرات الرواية وتنوعت تفاصيلها ..

محمد عزوز
قدموس 2012/1/16

أعلى النموذج

أسفل النموذج

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية