قصة قصيرة

أوراق قدموسية رقم 7 بقلم محمد عزوز ...

أوراق قدموسية رقم 7 بقلم محمد عزوز ...

1513 مشاهدة

أوراق قدموسية
(7 )
دلف وعرجلة

صورته ترتسم أمام ناظري هذا الصباح الشتوي الممعن في قدموسيته ، أعيش مع تفاصيلها بضع دقائق ... أراه جالساً بلباس عمله الذي لا يختلف كثيراً عن أي لباس آخر له ، يلف سيجارته الغليظة ، يشعلها بقداحته الصدئة ، تتلاحق نوبات سعاله التي اعتادها واعتدناها معه نحن أهل بيته .
الكل ينامون في غرفتنا الغربية لأنها الأكثر دفئاً ، وأمي تمد فرش النوم كلها ، وننام كيفما اتفق بمراعاة ال

إبتعاد عن مواقع الدلف التي بتنا نعرفها جميعاً ، ولم تعد تنفع معها كل نوبات العرجلة (1) . وأمطار القدموس إذا بدأت لا تعرف كيف تنقطع .
تضع أمي وجبة الصباح أمام أبي ، وأسمع أصوات اصطكاك فكيه وهما يتعاضدان لطحن البرغل المسخن ، يسيل لعابي لأصوات الأكل ، ولكنه البرغل ، ستنشب معركتنا مع أمي لأننا لن نقبل به لفطورنا ، أما أبي فهو ما فتئ يردد أمامنا ( البرغل مسامير الركب ) .. أحس به من جديد وهو يـتأهب للمغادرة مع بقراته لفلاحة أرضنا في السفوح المقابلة .
ومع دعاء أمي له بالسلامة أنهض وأخوتي استعداداً للمدرسة ، وتعرف أمي أننا سنرفض طعام والدنا ، فتجهز إبريق الزوفا على عجل ، لأن الشاي لم تكن تزور بيتنا إلا نادراً ، وعلى الصينية صحن فيه شنكليش وآخر زعتر تعده أمي في الصيف بنفسها ، تطحن الكثير من الحبوب المحمصة مع السماق ، ولأننا لم نكن نملك ثمن الزيت في ذلك الحين ، كانت قطعة الخبز تبل بالماء أولاً ثم تعبر إلى صحن الزعتر .
أرقب بألم توزع صحون بأدوار أخرى في أرجاء البيت لجمع قطرات الدلف المشبعة بألوان تمنحها لها أخشاب السقف ، وتعلق في ذاكرتي صوت ارتطامها بالصحن .. تراك .. تراك..
أنتبه لنفسي ، فأفيق من هذه التفاصيل في ذاكرتي القديمة ، لأسمع صوتاً في ذاكرتي القريبة ، صوت أصغر أولادي قبل أيام ، وهو يرفض في الصباح تناول أي من أنواع المشروبات المعتادة ، ويسمي لي نوعاً لم تعرفه قواميسي ، ولأنني لم أستطع حفظ الإسم ، اضطررت لتسجيل اسمه في ورقة صغيرة ، وفي السوبر ماركت أخرجت الورقة خجلاً ، ابتسم صاحبها وهو يحاول أن يصحح لي الأسم الذي لم أجد قراءته .

(1) العرجلة : عملية دحل الأسطح الترابية بحجر أسطواني أملس يسمى ( معرجلانة ) لمحاولة قطع الدلف فيها .

محمد عزوز
قدموس 2012/1/11

أعلى النموذج

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية