أخبار أدبية

الأمانة بتهد جبال

الأمانة بتهد جبال

352 مشاهدة

الأديب والباحث #محمد _عزوز

#أوراق _قدموسية

(5)

الأمانة بتهد جبال

اعتدت في زياراتي المتعاقبة لها ، بعد أن أخذتني لقمة العيش بعيداً عنها ، أن أجدها وقد خبأت لي بعض أطعمة لذيذة ، أطعمة لها طابعها القدموسي المميز ، وربما خصوصيتها ..

ولم ينسها تعب الذاكرة ، المواظبة على فعلها هذا ، بل ظلت تفعل ذلك بسعادة أقرؤها في عينيها بشكل مختلف على مر السنين ..

منذ أمد وقبل أن تغزو البطاطا الحلوة والحمبلاس (حب الآس ) الأسواق السورية ، كانت تصر أن تترك لي شيئاً منها في شتاءات القدموس الباردة وتخاطبني كطفل لحظة وصولي :

- ليك شو خبيتلك ..

وأعلن عن فرحتي كطفل حقيقي ، ثم أتحول إلى الحصة المخبأة .

ولكنها صارت تدرك مع الأيام أنني لم أعد أتناولها بشغفي المعتاد ، وتكتشف بقلبها وحسها الأمومي أنني أتوق لأشياء أخرى أكثر ، فصرت أسمع منها قبل أن آخذ قسطي من الراحة :

- شماميط تين شتوي من تينة أم حياة .

- خرنوب وعناب توصاية من القرى الغربية .

- دوّام من السنديانة الحلوة .. بتتذكرها ع راس الحفة ؟

- زعرور من كرم الكسار .

- مراب من تحت السور .

وأجدها تراقبني وأنا أتناول الحصة بشغف جلي ، فتفرح بكل جوارحها .

في هذه المرة ، تصادف أني وصلت وهي على سفر عند أخت لي ، وبدأت عيناي تجوبان المكان فور وصولي بحثاً عن صحن مختبئ في الزوايا ، لم أجده لكني لم أفقد أملي .. ثم جاءني صوت الجارة من الخارج :

- يا أم محمد .. يا أم محمد

رددتُ رغم أني لم أكن المقصود بالمناداة :

- خير يا أم أمين .. أم محمد مو هون

- بعرف .. بس والله يا ابني ما طلعت معي ناديك باسمك وما بعرف أبو شو بلا ظغرة ..

كانت تحمل في يدها صحناً غير كبير ، فيه تين هبول وزبيب وأشياء أخرى لم أتبينها ...

- هدول تركتهم أمك عندي ، وأمنتني وصلّك ياهم .. والأمانة صعبة يا ابني .. بتعرف الأمانة بتهد جبال ..

وانزاحت جبال كنت أحملها على كتفي .. لقد كنت أخشى أن تحزن أمي لأنها لم تترك لي أطايب خبأتها .. كانت متعتها الكبرى ، وكان علي أن لا أحرمها منها .

فحملت الأمانة لجارتها كي تضمن الفرح لي ولها على السواء .

لقد كانت أمي ومازالت تعرف كيف تترك بعض الفرح في نفوسنا رغم مرارة العيش ..

وتنهدتُ :

- الأمانة بتهد جبال .. والفرح بيبني بلاد

محمد عزوز

كتبت عام 2012

( لوحات قصصية برسم الطبع )