وراق قدموسية
(3)
بقلم : محمد عزوز
التينة الزرقية
عندما اكتشفت لحظة وصولي وببساطة أنها قطعت شجرة التين
الصغيرة التي أعلنت عن نفسها قبل بضع سنوات قرب نافذة بيتنا ، زمجرت في وجهها
غاضباً . ارتبكت أمام غضبي محاولة أن تبرر :
- قالوا لي أن جذور التين تصل إلى أساس البيت وقد تؤذيه .
- تينها الأزرق من النوع الرديء ، ألم تذقه في الموسم
الماضي وقلت لي أنه ليس حلواً بما يكفي ؟
- سأزرع لك واحدة شتوية في مكان أبعد قليلاً عن جدران
البيت ، أنت تحب التين الشتوي كثيراً .
وزاد الطين بلة ، أنها قطعتها بطريقة غير متقنة ،
فنركت بعض جذعها ظاهراً بشكل يعلن عن عملية القطع الأليمة بفظاظة منفرة .
عدت إلى زمجرتي ، وجهزت تبريرها :
- عرفت أن منظرها سيزعجك ، انتظر بعض الوقت ليس إلا ،
لأنها ستموت تماماً وسأقتلع هذا الجذر ، لقد دلقت عليه مواداَ قالوا أنها تقتل
الحياة فيه .
وطلبت مني أن أقترب لأشم رائحة المادة المدلوقة عند
أسفل الجذر ، لكني لم أفعل ، بل دخلت البيت محاولاً أن أكتم غيظي ، فهي أمي ولا
يصح ذلك مني .
تظاهرت بصمت أعلنه لساني دون جوارحي الأخرى ، ولم
أستطع إنهاء اشتعالي كلما رأيت هذا الجذر الآيل إلى الموت في رحلة دخولي وخروجي ،
وظلت تتحاشى غضبي وهي تستعجل موت هذا الجذر اللعين الذي ظلت تشتمه في سرها وعلنها
وهي تتلمس عصياناً غير طبيعي منه .
في زيارتي التالية التي تأخرت قليلاً ، هللت وهي تسبق
وصولي إلى البيت بمسافة أجادت تقديرها . وصول أعلنت عنه بوقفات لا بد منها أمام
هذا البيت أو ذاك ، أسلم على العجائز ، وأمازح معجباً ورودهن الناهدة إلى التفتح ..
- ماعرفت شو صار بالتينة الزرقية ..؟
داريت ضيقي ، وانتظرت أن تعلن يباسها ، ولما لم تبادر
سبقتها إلى السؤال
:
- شو يبست ..؟
- لا والله .. رجعت أفرعت من جديد .. وزرعتلك وحدة شتوية
كمان
وكان ذاك الغصن الجديد قد شب معلناً عن نفسه
بقوة ، ومتحدياً كل وسائل القطع وطرق الموت ..
التعليقات