أخبار أدبية

القاصة أدريانا ابراهيم في ملتقى بانياس الأدبي

القاصة أدريانا ابراهيم في ملتقى بانياس الأدبي

1656 مشاهدة

القاصة أدريانا ابراهيم في ملتقى بانياس الأدبي

 

عندما أتيحت الفرصة للقاصة الطبيبة أدريانا ابراهيم كي تعرف بنفسها ، وتتحدث عن تجربتها الأدبية ، في جلسة ملتقى بانياس الأدبي المخصصة لإبداء الرأي في مجموعة قصصها القصيرة التي أسمتها ( ذاكرة بلا رصيف ) صباح السبت 16/10/2010 لم تضف كثيراً إلى ما نعرفه عنها ، خاصة أن مجموعة القصص التي نحن بصددها اليوم ، لم تطبع بعد ، بل تم تصوير قصصها وتوزيعها على الأعضاء في الجلسة السابقة  ، وتاريخ تجربتها غير بعيد .

هي قاصة قرأنا بعض نتاجها الأدبي منشوراً في بعض الصحف والدوريات العربية ، وقد التزمت منذ مدة حضور جلسات الملتقى ، والمشاركة فيه بالقراءة والتعليق .

ولذلك أحال رئيس الجلسة الأستاذ الشاعر علي سعادة الأمر إلى المداخلات المكتوبة التي بدأها الشاعر ( نبيل صبح ) الذي أشار إلى إشكالية العناوين أولاً من حيث توفق الكاتبة بها ، مبدياً إعجابه ببعض عبارات الكاتبة ثانياً ، ومشيراً إلى مبالغات بينة الظهور – برأيه في عبارات أخرى ، ومعلناً في النهاية أن الكاتبة لم يكن همها أن تضع خواتيم القصص ، ومتسائلاً : إلى أي درجة يمكن لأحد تقمص موقع للجنس الآخر في إشارة منه إلى بعض القصص التي تقمصت فيها الكاتبة شخصية الرجل .

ثاني المداخلات المكتوبة كانت من القاص ( محمد عزوز ) الذي لم يدخل في كل التفاصيل ، فجاءت مداخلته شمولية عامة ، تلامس أسلوب القاصة وجوانب من هذه القصة أو تلك .. حيث تضمنت مداخلته : ( تمتلك القاصة أدريانا ابراهيم برأينا امكانية القص الواقعي ، فتنقله لنا بلغة سلسة دافئة وبفنيات عالية المستوى .

شيء ما في قصصها يشدك ويدفعك للسير معها دون أي تململ ، بل على العكس يبقى شغفك قائماً وانتظارك للقادم مشرع كي تتعرف إلى بعض أحاسيس سخرت الكاتبة مفرداتها لتأجيجها ، أو لنقل بشكل أدق سارت هذه المفردة أو تلك كي تنقل الواقع بأمانة .

يفتنني هذا النمط من الكتابة ويقودني نحوه كقارئ نهم ، وكابن لبيئة خاصة - عامة حاولت هذه الكاتبة أن تصور بعض تفاصيلها ببراعة ، فأحسست بنفسي واحداً من شخوصها ، أو أحد أولئك الذين يختبئون في الظل ويراقبون معها تحركات شخوص آخرين ، شخوص يرتبطون ببيئة أنتمي إليها ، بعفويتها وصدق التعامل فيها ..

لقد تجولت معها في ردهات الكلية في ( عزف مزدوج ) وتذكرت زياراتي المتباعدة لكلية تخرجت منها .. كما أن البقرة التي اعتذرت في قصة ( للريح ) هي بقرتنا ، والدموع هي دموع أمي .. وكدت أعلن أنني ذاك الذي كتب قصة ( لأجل عينيه ) .

أدريانا

ليس من السهل أن يحشد الكاتب كل هذا الدفء الذي حشدته في نصوصك القصصية ، وقد كان كل ما كتبته بسيطاً آسراً ، يجول في مطارح جد مهمة .

قدرتك على الخوض بكل التفاصيل كانت هي الأبرز ، ولا أظن أن قارئاً ما يمكن أن يخرج إلا بانطباع جميل من كل ما كتبت ..

وإذا سمحت لي أن ألبس رداء آخر ، فأستطيع أن أعلن أنك لم توفقي في كل عناوينك ولا أدري لماذا يستهين كتابنا بعناوين نصوصهم فيربطونها بأشياء خاصة أو يكتنفها غموض ما بحجة أن العنوان يجب ألا يفضح المضمون ..

وأستطيع أن أعلن أن هيكلية القص لم تكتمل عندك تماماً رغم أنك لم تخرجي من دائرة كلاسيكية المعالجة ، لم يمر أي شكل من أشكال الحداثة في قصصك ، وبذلك هيأت لنا مثل هذه المحاكمة .

هناك إطالات أو إسهاب في بعض القصص ، كان من الممكن اختزالها وتظل تؤدي ذات الغرض .

وفي كل قصة كنت أنتظر أن تختمي قصتك بشكل آخر مختلف ، ويسفر انتظاري عن مزيد من الإنتظار .. وكأني بك تسأمين من إطالة السرد فتقررين الختم ، وبذلك تأتي الخاتمة شبه منسلخة عما قبلها وهذا لا ينطبق على كل القصص .. فأنا لم أقتنع مثلاً بخاتمة قصتك ( خاتم الروح ) التي قلت فيها : ( في الخطة القادمة .. وابتسمت .. )

هناك قصص اقتربت من السرد العادي أو الخاطرة ، وقصص أخرى تحس معها أن هناك أشياء ظلت تنقصها ..

ولكني لا أنكر أنك رسمت لوحات معتنى بها ، تدفعنا للإمعان في تفاصيلها ، نتعلق بها  ، نتمنى لو نضمها إلى صدرنا كي ننعم بدفئها ..

وعندما يصفو الذهن قليلاً نتساءل :

لماذا لم يتوج هذا الدفء ..؟ لماذا لم يكلل بحصاد أوفر ..؟

سؤال يكاد ينطبق على جل القصص .. سؤال يدفعنا إليه وقت تنعم ، وأرادنا أن نتنعم معه ..

سؤال نضعه برسم قاصة جدت وأجادت  )

وأكدت ( سهام رقية ) في مداخلتها على ملامسة القاصة للوجع والهم اليومي ، وأنها صورت هذا الوجع بريشة فنان تشكيلي ، وقد بدت متأثرة بمهنتها كطبيبة أسنان ، أبدعت في قصة ( صرخة وتر ) ومرت بعض القصص دون أن تترك أثراً مهماً .

أما ( جعفر نيوف ) فقد أشار إلى جنوحها للبساطة والوضوح في قصصها ، وأن القاسم المشترك فيها كان الزمن ، وقد طغت اللغة على الفكرة في بعض القصص .

وأنهى الشاعر ( علي سعادة ) مداخلته القادمة بتساؤل : ( بعيداً عن الأزمنة والأمكنة الملوثة ، شامخة كجبال الشيخ بدر ، ونقية كهواء عرزال في غابة منسية ، تعيش ( أدريانا ) هادئة هانئة ، ولا أدري إذا كانت تدرك أنها تحمل طيبة وصفاء ضيعتها الضائعة بين الجبال ، وتتوحد معها ؟ لكن القارئ لقصصها يعلم أن الطبيعة الخلابة أهم أبطالها ، ويسجل لطبيبة الأسنان وفاءها الرائع للمكان الذي تسكنه ويسكنها ، ولاتنساه ولا ينساها ، فطوبى لهما ، وكي لا أتهم بالمجاملة والمبالغة ، أسوق بعض أدلة الإثبات ( يا شجر الزيتون .. حرام أن تموت حبة زيتون تحت أمها .. وأرتفع مع النسمة الخجولة فوق ضيعتنا ، أجوب دروبها وأزقتها .. مستندة إلى العمود الخشبي تحت دالية العنب على سطح منزلهم .. وضعت الحشيش أمام البقرة وانتظرت قدوم المساء بفارغ الصبر ..) وأتوقف عن استدعاء الشهود ، قبل أن يفرغ صبركم .

لم تطبع قاصتنا مجموعتها الأولى بعد ، لكن قارئها يخرج بانطباعات متباينة ، فبعض القصص يسحرك شكلاً ومضموناً ، وبعضها يبدو باهتاً يحتاج إعادة نظر ، وتظهر آثار المهنة العلمية جلية في قصص أدريانا ( عزف مزدوج .. دمعة على خد الذاكرة ) ومن الأمثلة على الجودة والسحر ( صرخة وتر – تفاصيل في البعد الرابع – خاتم الروح ) وأتوقف عاجلاً عند (صرخة وتر ) التي تستصرخ ضمائرنا الغافية ، وعواطفنا اللاهية ، لنتذكر صوتاً أطربنا طويلاً وزرع دروبنا (بساتين ورود ) وعندما مرض و ( تعب المشوار ) تعبنا منه فأهملناه ! وهذه سنة سيئة مع مبدعينا في كل الحقول ! فتحت قصف آهات مغنيات غرف النوم ، نسينا آهات ( فؤاد غازي ) الحزينة ، غير أن القاصة كتبت عنه قبل أن تتذكره جهة إعلامية ، وها هي أديبتنا تبعث وردة الأمل ( ومن تلك المساحة الخضراء تسلل اللون الأخضر إلى أصابعه ثانية .. وهو يحضن عوده حنجرة بديلة تنتقل ريشته فوق أوتارها ) .

على الضفة الأخرى لجدول قاصتنا ، نجد قصصاً تحتاج مياه أدبية خاصة ، لتنمو وتزهر وتثمر ( بصمة على جدار الروح – للريح – وأطلقت سراحي ) ولو كنت مكان أدريانا و ( امتطيت صهوة القرار ) لما أطلقت سراح هذه القصص قبل أن أشبعها دراسة وقراءة وخاتمة لائقة .

هذه جولة عجلى ، أختمها بالقول : نحن أمام قاصة لافتة ، لا تبحث عن شهرة زائفة ، عبر ركوب موجات لا تنسب إلينا ، كالإباحية والشذوذ والتحريض ، قاصة تغوص في أعماق بيئتها وأهلها ، معلنة ولاءها لكل نقي وأصيل وطيب في هذه الأرض الطيبة ، ويبقى سؤال لطبيبتنا : أين الحب والرومانسية ؟ سؤال برسم من أخفقت في رسم قصة عاشقين حالمين في بلادنا التي تعج بالعشق والحب والحياة ؟! )

في المداخلات الشفهية ، اعتبر ( د. شادي عمار ) قصة ( ضجيج في الذاكرة ) قصة خطيرة ، وأكد على العاطفة الظاهرة في القصص ، ومر كما بعض المداخلين على اعتماد بعض القصص على مهنة الكاتبة ، وعلى مشكلة خواتيم القصص ، واعتبر أن الكاتبة كان يمكن أن تحول قصصها إلى سيرة ذاتية أو رواية ، لأن القصص برأيه تلخص تجربة الكاتبة الذاتية .

وأشارت ( رلى خليل ) إلى بعض الأخطاء اللغوية وتكرار كان والأسماء الموصولة ، وأعلنت عن وجود أدريانا في كل القصص ، واعتبرت الأسلوب واقعياً بسيطاً ، وأن هناك نقص في معالجة بعض القصص ، وقد ظهر القيد الداخلي على أدريانا ( عدم تحرر كامل ) .

وكانت اللغة والدفء والجمال الداخلي عامل جذب في القصص برأي ( سهيلة رقية ) التي أكدت كما غيرها على النهايات المبتورة .

واعتبر القاص ( علي الشاويش ) أن القاصة تتقن نقل الذكريات والحكايات إلى الورق  ، وخالف من سبقه معلناً أن خواتيم القصص كانت جيدة في معظمها ، ومر سريعاً على بعض القصص :

صرخة وتر : مقدرة جيدة على نقل المعاناة

ضجيج الذاكرة : نهايتها مدهشة

مشروع كاتبة : ذكريات

عزف مزدوج : معبرة

خاتم الروح : حداثوية

وعاد ليؤكد أن هناك تنوع في السرد ، وأن القاصة رسمت ذكريات سوداء على الورق .

ثم جاء دور الكاتبة للرد على مجمل المداخلات ، فأعلنت على الفور أنها تعترض على كل ذاك الهجوم على خواتيم قصصها ، وأيدت ماذهبت إليه بعض الآراء عن سهولة لغتها ، معلنة أنها تتجه حالياً للكتابة للأطفال ، وأن قصصها غير حداثوية كما جاء لأنها تحب القص التقليدي أكثر  ، ولكن الحب كان وراء السطور ، وهي تطمح للرواية  .. وحول الإهتمام بقصة ( ضجيج الذاكرة ) أكدت أنه لم يكن هناك مبالغة فيها ، وأن الإغتراب الداخلي كان أشد وضوحاً في تفاصيلها .

وكما هي العادة ، طلب السيد رئيس الجلسة التعليق بكلمة واحدة على مجموعة القصص ، فجاءت عبارات مثل : جيدة – سلسة – عذبة – دافئة – براءة زائدة – وخزة على خد الذكريات ..

في نهاية الجلسة وترحيباً بالشاعرة ( دعجاء زينة ) التي تحضر للمرة الأولى طلب منها تقديم نص من إنتاجها الأدبي ، فقدمت مقطوعة لطيفة من ديوان ( ممرات ) .

ثم وزعت نسخ من مجموعة ( إنطباعات وصور ) للشاعر ( نبيل صبح ) على الحضور لتكون موضوعاً للجلسة القادمة .

وهكذا تزهر ورود هذا الملتقى وردة إثر أخرى ، وننتظر العبق من سبت إلى آخر ، عبق ينثره الضيف ومجموع الحضور الذين يعطرون الجو بمداخلاتهم ومجمل آرائهم .. وأنا من جهتي صرت مغرماً بهذا العبق الذي يدفعني إليه ، فأتأبط بعض أوراقي وأسافر إليهم ، في موعد تألقهم .. صدقوني أنا أنسى تعبي بمرأى وجوه جاءت من أجل الإستمتاع بجمال الكلمة ..

محمد عزوز

 

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية