قصة قصيرة

حبات الزمن المتساقط من العمر وتطريز للحب والإنسانية

حبات الزمن المتساقط من العمر وتطريز للحب والإنسانية

626 مشاهدة

حبات الزمن المتساقط من العمر وتطريز للحب والإنسانية ...

الــقـاصـة  #فــداء _سـلوم  _سوريا

 

#أرتمي بين أحضان خيطاني الملونة،  المتشابكة والمتعانقة مع إبـري وأزراري ... وأزراري ألمسها، أداعــب ألوانها باسمة ... أوشوشها خجلى معبرة عن شوقي لمجالستها، كلما زارني القلق، وباغتتني وحدة لا اعرف مصدرها  ... وأترحم على تلك الروح النورانية التي علمتني عناقهما، ويتردد بداخلي كلامها الجوهري:

" كــونـــي ســـت الــصــبــايـــا "

وأرتعب كيف سأكون ست وأنا بعمر العشر سنوات...؟

" كوني تقيلي البنت الخفيفة مالها كييسييي"

أنـا خفيفة الوزن ولست بعبلة كيف سأكون ثقيلة سأضاعف أكـلي إذا...؟

وأنـفـخ محتجة على عصر الحريم ...أنفـخ محتجة على تقييدي بالإبرة والخيط وتنوح المشاعر بداخلي معلنة العصيان على ستي ... وعلى كيسها القماشي، وما احتوى بداخله من أزرار غريبة عجيبة من أيـام سروال جدي المرحوم، إبــر ومسلات وبكرات صنعتها ستي من لف سـلل الخيطان على عود من غصن شجرة التين الممتلئ حليبا يثير الحساسية والشري بالوجه وباليدين... وخيطان الحادور البيضاء السميكة القوية، لتمسك أغطيـة اللحاف وتحبكها بأناقة وترتيب، مانعة اللحاف العتيق المرقع بألف لون من التحرك كلما شدته ستي لصوبها، وكلما شددته لصوبي بقيلولتي اليومية بتختها الخشبي، ذي الصرير الأزلـيّ المسموع لجبل ديماس ولباب الطاقة بحرش ضيعتنا ...

وكم هدأت من أمـواج غضبي، طالبة مني بـودّ أن أحـضر كيسها الخامي كيس الخياطة لنبدأ بالتشبيك والتخييط للعبتي ... وصوت ضحكتي يتجاوز عين الضيعة وهي تدعوها (لعيي يبي )  بدل من اللعبة او العروس ونبدأ بالتصميم ورسم الموديل لــ : لعييبتي .........

كم احتوى ذلك الكيس الابيض من شقف قماشية متعددة الألـوان متعددة القياسات بقيت من فضلات أقمشـة  فساتين ستي، فهدية عمي لها قطعة قماش ســوداء من محل شمعة بباب توما وعلى الاغلب يتجاوز الـــ  ١٠٠ذراع !!!!!

 ففستان ستي عريض جدا يخفي المفاتن والجمال العجيب، محتشم، طويل يغطي منتصف بطة الرجل، أكمامه طويلة، وقبته عالية تخفي بياض ذلك الجيد و الصدر الحنون المحشو بعرانيس الحبق ليفوح عطر البساطة والطيبة من ذلك الجسد المتعب من هموم الحياة والموت، وكل الأقمشــة سوداء أو كحلية أو رمادية داكنة، كل الهدايا من العمات قماش غامق اللون يصيب الروح بالحزن و التعتير ...

واسأل تلك الروح الحزينة الجميلة بصبرها وبعنفوانها :

لم تلبسين هذه الالوان الداكنة جدي مات من ٥٠ سنة يكفي حزنا عليه...؟ 

وتبتسم بوقارها المعروف وتخفض هدير صوتها :

عيب على المرا بالضيعة بعد موت جوزا تلبس الاحمر والأصفر ... هاد عيب وقلة عقل هنا صممت أن لا ازوج لعبتي من الضيعة

فستانك اسود .... ولتمتك سوداء... وقليشينك سود ... ستي والله تشبهين الراهبة !!!!!

وأعلمها ان تقول جوارب بدل القلشين، ويضحك ذلك الوجه المتورد بكراسي خدود عالية لم تفقد لونها الزهري مع اكتساء تلك البقع البنية فوق قممه... قليشين أهيب من جرابات ونضحك، لأعود لتلك المسلة التي علاها الصدأ ولم ترض التخلي عنها بل احتفظت بها الى آخر يوم بعمرها، وكم أكلت تلك اليد المشبعة بالعروق ومن شروش الحياة وخزات ونخزات من تلك المسلة ...

يا عين ستك يا شاطرة تبادرني: لتقنع مراهقتي أنّني لابد من أن أكون ست الصبايا وأتعلم التشبيك بالإبرة والخيط !!!!

 ليأتي الأمير بحصانه الأبيض ويخطفني وكنت بانتظار تلك اللحظة الحاسمة ...

ساعات نقضيها نغوص داخل كيسها الرهيب نستخرج النفائس القاتمة، الممتلئة برائحة الموت والحزن ...

لن اخيط  للعبتي فستانا أسودا لا أريد أن تصبح أرملة وتمسك الحداد والعدة طول العمر مرتدية السواد  ... وتراضيني وتقتطع من قماش ملابسها الداخلية البيضاء قطعة لأخيطها أنا ... بيدي أنــا.... بأصابـعي أنــا ......

فستان عرس لــ: لعيي بتييي

وأفرح  سأزوجها من حمص أو من الشام، وأخيط فستان العرس وأصبح ست الصبايا، ويداي من فضة وذهب وستكون ليلة من ليالي العمر ؛ وابدأ بالقطبة الأولى لتنغرس المسلة المصدية بإصبع يدي وأصـرخ كاتمة وجعي، فالمناسبة  جميلة ذهبية لن أنزعها بوخزة بسيطة ملأت فستان العرس الأبيض ببقع حمراء، جعلتني اتذكر الملكة أم الأميرة بياض الثلج وحمرة الورد، وكيف تمنت أن ترزق ببنت بيضاء اللون وخدودها حمراء، وأنا سأتمنى نفس الأمنية لكني لا أريد أن أموت، أريد الحياة، أريد الزهور، أريد السماء لأقطف النجوم، لأزيـّن فساتيني بالنجوم والقمر والشمس ... وأرمي تلك القطعة وتلك المسلة على أرض غرفة ستي المبلطة بالإسمنت الناعم ذي اللمعة الزيتية الجميلة وتناديني :

ولا يهمك يا ضنى يا عين ستك،  اغسلي ا يدك بكولك المي وارجعي لنكفي جهاز العروس

وتضحك على قلبي وعلى عقلي، وأعود لأقفز فوق سريرها لأتابع مهمتي وأتناول المقرض لأقص الطرحة وألتفت باحثة عن قماش من التول الشفاف الرقيق يناسب أن يكون طرحة للعروس ولا أجد، وأصرخ : ستي ... لا يجوز عروس بدون طرحة ...

وتهدئ من احتجاجي وغضبي وتبتسم بحنو لأنوثتي قائلة :

لا يهمك يا ست الصبايا المهم أنك اصبحت شاطرة بالتشبيك وبالترقيع، لا تشغلي بالك، تحت شباكي تليان ورود وفي زهرة اسمها طرحة العروس سأقص منها عريشة صغيرة معبأة ورد ابيض صغير ناعم سيكون تاج وطرحة العروس، وإن لم يكف سنكللها بورق الغار من شجرة الحاكورة.

وأتقنت مسك الابرة والخيط والتقاط الزر المقطوع وكنت أريها انجازاتي وتبارك عملي وتشجعني لأعشق الابرة والخيط ؛ فلا ترتيب للبيت ،ولا جمال بغرف الدار، ولن تكون يداك من فضة وذهب إن لم تمسك البنت الابرة والخيط، وتحتضنني انا البنت الثانية المنقوم عليها لأنها لم تولد صبي وبصوتها الجهوري تصدح :

قربانك يا كييسيييي ..... قربانك يا ست الصبايا

ما أحلى أصابعك وبينهما الابرة والخيط...

والآن يا ستي ...

اتقنت شغل الكانافا ورسمت بالإبرة وبالخيط أروع اللوحات ... وأنا لست رسامة !!!!

وبنات هذا الجيل هجرن الإبـرة والخيط ولم يلمسن الفضة والذهب بين كفوفهن ...

صادقن ازرارا لا تشبه ازرار صرتك القماشية ولا تشبه أزرار صرتي التي ورثتها منك...