أخبار أدبية

ذكريات الفنان كاظم نصار

ذكريات الفنان كاظم نصار

491 مشاهدة

ذكريات الفنان كاظم نصار ...

سوريا

(لك اهلين )

الحلقة الثانية

كنت اتيه في شوارع دمشق .. بالأحرى اعصر ذاكرتي كي استعيد خارطة الذكرى القديمة ... مسارحها وحواريها وضواحيها وفنادقها الاليفة ومقاهيها

منذ 14 عاما لم ازر سوريا ... وحتى زياراتها الماضية لم تتعدى قلب دمشق

هذه المرة رأيتها مثل انثى فاتنة تسللت خصلات شيب على بعض اجزاء شعرها

لم تنقطع العروض المسرحية ولا معارض الكتب ولا الندوات الثقافية ولا الاماسي الموسيقية حتى عندما كانت تسقط صواريخ الارهاب على وسط دمشق

هذه مدينة حية .. مدينة تاريخ ... مدينة ادونيس وسعد الله ونوس والماغوط وحنا مينا وممدوح عدوان وصباح فخري ودريد لحام

وبمناسبة دريد لحام وهو يعبر الثمانين الذهبية من عمره الايقونة الفنية لسرة سوريا وكيف شكل مع الماغوط ثنائيا ناجحا فيما اسميه بالكابريه السياسي المحتج بعروض كاسك ياوطن وغربة وضيعة تشرين .. وغيرها!

 كعلامات فارقة في جسد المسرح العربي حتى ... يؤسفني ان أقرا ان راتبه التقاعدي لايتجاوز 16دولارا بسبب المحنة الاقتصادية التي تمر بها بلاده وهو وابناء بلده يمرون بأزمة لم نجد تعاونا جادا مخلصا للتضامن معهم ودعمهم وهم لم يوفروا يوما بيوتهم ومحبتهم لكل العرب والعيش بينهم 

عراقي قال لي  وقد ادمعت عينيه ان السوريين في الماضي كانوا يدخلوننا بيوتهم ولايرفضون زواج بناتهم منا حتى وهم يعرفون ان لا ارض لنا ولاسماء بلا قبعة وبلا خرج .....

اتجول في دمشق كما اتجول في اللاذقية واشعر ان هذه البلاد مازالت مستقبلة حميمة والناس يحبونك دون مقابل لمجرد انك عراقي ....

بعضهم يتصل بي هناك

هل تحتاج شيئا ؟

فأقول له نعم احتاج ان ترسل لي فورا سيارة اسعاف

انا مغمى علي ياعمي !

كان يضحك ويعرف انني اشير الى جمال وسماحة وابتسامة الناس والنساء الفاتنات

هل يتوحش المرء حين يفقد مرتكزاته الحياتية ....

ثمة حصانات هنا ... الايمان بالبلاد

الايمان بتاريخها ... الايمان بان من اراد لهم الشر اندحر وسيندحر .....

ثمة دور محوري للمرأة هنا .. المرأة العاملة العملية والتي لم يفقدها العمل جمالها وانوثتها ورقتها .....

وفي المسرح الجامعي في اللاذقية رأيت شبابا وشابات تبرق عيونهم ذكاءً ووعيا مبكرا

وهم يقتحمون عالم المسرح بكل جماله ومتعته الفائقة

يقتحمون التمثيل .. تلك المهنة الاصعب بعد مهنة عمال المناجم  ....

طرطوس التي في خاطري تلك البقعة الذهبية التي مررت عليها من بعيد وبيني وبينها مسافات قصيرة لم اتمكن في تلكم الزيارة القصيرة ان اكون فيها واحضر انشطتها وثقافتها .  

كنت اروم زيارة صافيتا ... مشتا الحلو ... شوارعها وازقتها وناسها وساحلها هناك ... نعم لم اكن سائحا ولم يكن رفيقي علاوي كنا نتفحص هذه المدن الغافية على ساحل المتوسط .. نتفحص صمودها وايمانها ... نتفحص كيف لكائنات رقيقة ومسالمة من العوائل  واجهت كل تلكم  البشاعة الإرهابية ........ ثمة عوائل نزحت هنا من مدنها بسبب ذلك في مطار دمشق حزنت في ان هذه العاصمة التي كانت تشكل مقصدا للعالم ليس فيها سوى طائرتين من اربيل ومن بغداد ...

دمشق التي كانت ومازالت تمد سفرتها في فم العالم بأشهى والذ طعامها ومطابخها وثقافتها وتاريخها ومدنها الساحرة

قلت انني لم اكن سائحا بالأحرى كنت اترصد المسرح ... اترصد الحياة اليومية وكيف تنتج مسرحا

لكن المسرح ليس خشبة مجردة

انه يخرج من البيوت من احاديثها ومشكلاتها الى الشارع ثم يصل الى الخشبة

من اقواس الاحياء ومن ضيق شوارعها الحميم ومن لهجتها الممدوة ( لك اهليييييين )

ومن حلوياتها المغمسة بالزعفران

ومن الاناقة

ومن الطول والحركة وياقة القميص

والبنطلون الاحمر والاسود

ومن حيوية باب توما وسوق الحميدية

وحركة ناسها وايقاعها المتمدن

يتبع في الحلقة القادمة