قصة قصيرة

قصة قصيرة ..تصفيق حتى الموت.. بقلم..سامر أنور الشمالي

قصة قصيرة ..تصفيق حتى الموت.. بقلم..سامر أنور الشمالي

2020 مشاهدة


الستارة الداكنة السواد مسدلة من ورائه . و هو جالس على كرسي خيزران يصدر أنيناً خافتاً كلما تحرك جسده النحيل . و أمامه طاولة صغيرة مغطاة بقطعة قماش خضراء باهتة اللون ، عليها ميكروفون صغير ، و كوب ماء فارغ . و أوراقه البيضاء الناصعة الموشاة بحروفه الزرقاء المنمنمة التي يقرأ منها للمستمعين المواجهين له في صفوف مرتبة بعناية .
فجأة ( ربما فجأة( !
يدوي المكان بأزيز رصاصة واحدة ..
..
و لكنها كانت كافية ، كي تهتز بوضوح من خلفه الستارة المهترئة الكالحة ، ويهوي ببطء على مساحة الخضرة للطاولة الصغيرة ، وقد بدأ النزف ..
..
دماء غزيرة تتدفق سائلة من رأسه الكبير ، لونت الأوراق التي هوت - كأجنحة لطيور مصطادة - متناثرة من بين أنامله الراعشة ، و انسكبت بخط رفيع أحمر ( أحمر جداً ) مـن الطاولة ، نزولاً إلى المنصة ، نحو الأسفل ، حيث الجالسون . مشكلة تحت الأحذية ، بركة متوهجة بلون الجمر لدماء طازجة ، برائحة مالحة الحضور !
لم يهرعوا ليسعفوه ، فلقد كان من المؤكد أنه ميت ( ميت تماماً ( !
لم يركضوا ليلقوا القبض على القاتل قبل فراره ، لكيلا يعرضوا أنفسهم للخطر (وهـذا عادة ما يحدث ( !
لم يخرجوا من المكان ، كي لا يثيروا أدنى شبهة بأنهم هربوا من مكان الجريمة ( و هذا وارد أيضاً ( !
و لكن على الرغم مـن كل الاحتمالات الممكنة ( وغير الممكنة ( !
كانوا منفعلين لأقصى درجة محتملة . فلم يجدوا غير وسيلة ( قد تكون ) وحيدة للتعبير عن وجودهم ( في حال وجودهم( !
سوى أن يواصلوا التصفيق للميت ، الأكثر حياة ( حتى بعد موته ، منهم هم الأحياء(!
فضجت القاعة .. بالتصفيق !!!

منشورة في كتاب (تصفيق حتى الموت) الطبعة الأولى 2001.
منشورة في جريدة (الأسبوع الأدبي) 1998.

أعلى النموذج

أسفل النموذج

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية